الصحافة الدولية

موسكو ومقتل سليماني.. الحليف المقرب لـ”بوتين”

تابعت موسكو الموقف عن كثب منذ اندلاع أولى شرارات الانفجار الذي نتج عنه مقتل قاسم السليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني. فقد أعرب بوتين عن قلقه البالغ إزاء تطورات الاحداث عقب اغتيال قائد فيلق القدس لدى الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، وعلق إن “هذه العملية قد تؤدي الى تأجيج الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط”.

وفي تعليقها على وفاة السليماني، أشادت وزارة الدفاع الروسية بمساهماته التي لا يمكن إنكارها فيما يتعلق بالانتصارات تنظيم داعش، فقد ذكرت الوزارة في بيانها أن السليماني نظم المقاومة المسلحة للجماعات الإرهابية في سوريا والعراق قبل فترة طويلة من قيام الولايات المتحدة بإنشاء تحالفها المضاد.

أصداء اغتيال سليماني في الداخل الروسي

وزارة الخارجية الروسية  أصدرت بيانًا أعربت من خلاله عن خالص تعازيها للشعب الإيراني فيما يتعلق بوفاة سليماني. فيما كتبت ماريا زاخاروفا المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية عبر صفحتها على موقع فيس بوك، تعليقًا على وفاة سليماني ” أنه بالإضافة الى تصاعد حدة التوترات في منطقة الشرق الأوسط، والتي سوف تنعكس آثارها على حياة ملايين الأشخاص، فإن هذه الخطوة لن يقود الى أي شيء”. وتابعت مؤكدة على أن “العراق وحده هو من يملك مفاتيح المسألة نظرًا لأن الهجوم قد حدث على أراضيه”. وفي وقتٍ لاحق، أشارت زاخاروفا إلى “أن كبار سياسي أمريكا قد ارتكبوا اخطاءً لسنوات وخاصة فيما يتعلق بالعلاقات مع العلاق، ثم قاموا بعد ذلك بالعمل على تغطية هذه الإخفاقات بعوامل خارجية أخرى”. وتابعت “أن الأخطاء التي ارتكبها الأمريكيون قد أدت الى عواقب وخيمة، وأنهم قد أجبروا على تحمل مسئولية أفعالهم، لأنه كان من المستحيل إلقاء اللوم على الآخرون في هذه المسألة”.  ثم دعت زاخاروفا إلى عدم نسيان الأحداث التي وقعت قبل 20 عامًا، عندما ظهر في قاعة مجلس الأمن حاملاً أنبوب اختبار في يديه وداعيًا العالم إلى الاقتناع بضرورة ارسال قوات أمريكية الى العراق لأجل الحيلولة دون قيام صدام حسين باستخدام أسلحة الدمار الشامل. وقالت إن مجلس الأمن لم يعتمد أي قرار لدعمه او تصديق المزاعم الأمريكية بفضل جهود روسيا الاتحادية، ولكن هذا لم يمنع الأمريكان من المضي قدمًا في ارتكاب هذا الخطأ “غزو العراق”، والذي ترتب عليه أن دخلت المنطقة في سلسلة متتابعة من الكوارث. 

كما علق السيناتور الروسي أليكسي بوشكوف عبر صفحته على موقع تويتر، على ما نشره الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن اغتيال سليماني، قائلاً ” أن موت سليماني من شأنه أن يؤدي الى خسارة واشنطن للعراق بعد سوريا”، لافتا إلى “أن واشنطن الآن أقرب الى الحرب مع إيران أكثر من أي وقت مضى”. مضيفًا ” أن هذا الاغتيال حول العراق من صديق متردد للولايات المتحدة الأمريكية الى معارض غاضب للغاية، بسبب قيام الأمريكان باستخدام الأراضي العراقية لأغراضهم الخاصة”. 

فيما علق محللون سياسيون على قرار البرلمان الإيراني باعتبار الجيش الأمريكي والبنتاغون منظمتين ارهابيتين على خلفية اقدامهم على اغتيال السليماني، حيث ذكر المحلل السياسي أندريه كوشكين في محادثة له مع قناة رين تي في، أن اقدام إيران على هذه الخطوة لا يعتبر غريبًا خاصة وأن الولايات المتحدة كانت قد أعلنت الحرس الثوري الإيراني من قبل باعتباره منظمة إرهابية كذلك.

فيما أشار فلاديمير بروتير، الخبير في المعهد الدولي للبحوث الإنسانية والسياسية، في مقابلة سابقة له على روسيا اليوم، إلى أن تصرفات واشنطن قد تسببت في رفع حدة المواجهة في المنطقة، مما يزيد من احتمال التوسع في الصدامات. ومن جانبه، علق العالم السياسي الروسي فلاديمير شابوفالوف، أن اغتيال سليماني في بغداد يندرج تحت مفهوم الإرهاب.

حقيقة التداخل بين موسكو وسليماني

لعب السليماني دورًا رائدًا على ساحة الصراع في سوريا، إذ أنه كان من أمر بعض الميليشيات العراقية بالدفاع عن حكومة الأٍسد إبان اندلاع الحرب في 2011. وفي 2015، نشرت وكالة رويترز تقريرًا تداولت من خلاله أنباء حول قيام القائد الإيراني قاسم سليماني بعقد زيارة سرية الى موسكو استمرت لمدة ثلاثة أيام، بحيث عقد سليماني اجتماعًا مع الرئيس بوتين ومسؤولون عسكريون وأمنيون رفيعي المستوى. ويذكر أن هذه الزيارة قد وقعت عندما كان النظام السوري يتهاوى، وكان سليماني يأمل من خلال زيارته السرية الى موسكو في اقناع بوتين شخصيًا بالتدخل العسكري في سوريا. وعلى طاولة الاجتماعات وضع سليماني خارطة تشرح لبوتين كيف يمكن تحويل هزائم الأسد الى انتصارات عسكرية، لكن مستشاري بوتين قد أبدو تحفظهم على الأمر في البداية، إلا أن سليماني قدم لهم ضمانات تثبت أن خطته لن تفشل أبدًا وأن الأوان للتدخل لم يفت بعد. وبعد مرور شهرين على هذا الاجتماع صادق مجلس الدوما الروسي على ارسال قوات عسكرية الى سوريا. وعليه فأن زيارة سليماني إلى موسكو وقتها، كانت بمثابة الخطوة الرئيسية التي أدت الى تغيير مجرى الحرب في سوريا وخلق تحالف جديد يضم إيران وروسيا لدعم الأسد. كما يذكر في نفس السياق، أن بوتين دعا سليماني في ذلك الاجتماع ملقبَا إياه بلقب “صديقي قاسم” –وفقًا لوسائل إعلام إيرانية. 

وعلى الرغم من حظر السفر الدولي الذي كان مفروضًا عليه في ذلك الوقت من قِبَل الأمم المتحدة، إلا أن سليماني كان يتنقل بحرية بين دمشق وبغداد وطهران بصفته الموفد الشخصي لخامنئي وبهدف تنسيق العمليات العسكرية بين جميع الأطراف. فيما علقت السفيرة الأمريكية –سامانثا باور– لدى الأمم المتحدة وقتها على تجواله بحرية، مشيرة إلى أن زيارات سليماني المتكررة الى موسكو تنتهك القرار الأممي الذي كانت روسيا قد أيدته من قبل بالفعل.

وفي ديسمبر 2015، قام سليماني بعمل زيارته الثانية الى موسكو- وفقًا لعدد من الصحف وقتها. واستغرقت هذه الزيارة ثلاثة أيام والتقى فيها بوتين من جديد، وبحث الجانبان التطورات الميدانية. ويذكر أن علاقة الرجلين قد تعززت بشكل أكبر خاصة بعد أن أوفى الجنرال الإيراني بوعد شخصي قطعه للروس، عندما أسقطت تركيا مقاتلة روسية. فقد نقلت رويترز وقتها أن سليماني قد اتصل بالمسئولين الروس وأكد لهم أنه سيقوم بإعادة الطيار الروسي حيًا وبصحة جيدة قبل وصول الأتراك أو المجموعات الإرهابية إليه.

موسكو وطهران- في مرحلة ما بعد مقتل السليماني

ذهبت آراء بعض المحللين السياسيون الى أن روسيا سوف تكون دائمًا مهتمة بالتقليص من الدور الإيراني في سوريا، هذا لأن موسكو لا تستطيع السيطرة على إيران من ناحية، ولا على تحركات حزب الله الشيعي من ناحية أخرى. إلا أن آراءً أخرى ذهبت الى أن بوتين لم يكن يرغب في تحمل المسئولة الكاملة عن تطورات الأزمة السورية، ولهذا السبب أراد أن يحصل على دعم من القوى الجاهزة لمساعدته في وضع المصالح الاقتصادية والعسكرية لروسيا فوق المصالح الأمريكية هناك. وفي الوقت نفسه، سعى بوتين –جنبًا الى جنب- مع الدبلوماسيون الروس الى عدم وصف إيران بأنها حليفة لروسيا. إذ أنها لا تغدو أن تتعدى مجرد كونها جزء من بنية جيوسياسية معينة، وهم ببساطة لا يرغبون في أن تحل أي قوى مؤيدة لواشنطن محلها. ومن هذا المنطلق تجنب بوتين أي التزامات جدية تجمع بينه وبين الإيرانيون، في محاولة منه للعب دور الوسيط بين بلدان الشرق الأوسط، وليس باعتباره عضو في أحد المعسكرات الحربية في هذه المنطقة. والدليل على هذا الطرح هو أن بوتين قد تعاون مع دول تنظر اليها إيران باعتبارها عدو، مثل إسرائيل وتركيا، التي تتناقض طموحاتها في المنطقة مع المساعي الإيرانية.  وعليه يمكن الجزم بأن وفاة سليماني لا يمكن وأن تشكل أي تغيير في أجندة السياسة الروسية بشأن سوريا، ولن يسع كذلك بوتين إلا أن يأخذ في الاعتبار احتمالات نشوب حرب شاملة بين الولايات المتحدة وإيران، وهي حرب بالطبع ليس من المرجح لإيران أن تفوز فيها. ولهذا السبب من المرجح أن بوتين سوف يبحث بعد مقتل سليماني عن احتمالية الحاجة الى خلق بديل جديد من شأنه أن يحل محل إيران على الجبهة السورية.

+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

داليا يسري

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى