
تطورات الازمة الإيرانية الأمريكية بعد مقتل سليماني
يستمر التوتر والتصعيد بين الجانبين الأمريكي والإيراني على خلفية قيام البنتاجون باستهداف قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني، وقتله ونائب رئيس الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس وثمانية آخرين، في مطار بغداد الدولي يوم الجمعة الماضية، في هذا التقرير نرصد أهم تطورات الازمة، في إيران والولايات المتحدة الأمريكية والعراق.
إيران تهدد بحرب فيتنام
تتوعد إيران بإنهاء الوجود الأمريكي في المنطقة، فقد هدد علي أكبر ولايتي، مستشار الشؤون الدولية للمرشد الأعلى للثورة الإيرانية “علي خامئني”، الولايات المتحدة بأن المنطقة ستتحول إلى ساحة حرب تشبه حرب فيتنام، مالم تخرج واشنطن قواتها من الشرق الأوسط، مشيرًا إلى أن قرار الرئيس الأمريكي بالمصادقة على عملية استهداف قائد “فيلق القدس” قاسم سليماني خطأ استراتيجي “وسنجعله يندم على ذلك”.
وبالتزامن مع ذلك أعلنت طهران عن خفض جديد لالتزاماتها التي نص عليها الاتفاق النووي مع مجموعة 5+1، مؤكدة التخلي عن أي قيود بالنسبة إلى عدد أجهزة الطرد المركزي، مشيرة في الوقت ذاته إلى استمرار تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
تصديق عراقي على إنهاء الوجود الأجنبي من البلاد
في خطوة يعتقد الكثيرون أنها اتُخذت بضغط إيراني، صادق البرلمان العراقي خلال جلسة طارئة واستثنائية عقدها أمس بحضور رئيس حكومة تسيير الأعمال عادل عبد المهدي، على مقترح إنهاء وجود القوات الأجنبية على الأراضي العراقية، بما فيها القوات الأمريكية البالغ عددها 5200 جندي، وألزم البرلمان الحكومة بالعمل على إنهاء طلب المساعدة المقدم منها إلى التحالف الدولي لمحاربة داعش بقيادة واشنطن، وإنهاء أي تواجد للقوات الأجنبية على الأراضي العراقية، ومنعها من استخدام المجال الجوي العراقي لأي سبب كان.
كما أرسلت وزارة الخارجية العراقية شكوى رسمية إلى الأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي بشأن الضربات الجوية الأمريكية على مواقع عسكرية أمريكية، والضربات التي استهدفت سليماني وعدد من العسكريين العراقيين، واصفة إياها بأنها “انتهاك خطير للسيادة العراقية ومخالفة لشروط تواجد القوات الأمريكية في العراق”، مطالبة مجلس الأمن الدولي بإدانة الهجمات. وفي الوقت ذاته استدعت الخارجية العراقية السفير الأمريكي لدى بغداد ماثيو تولر وأبلغته أن “هذه العمليات العسكرية غير المشروعة التي نفذتها الولايات المتحدة اعتداء وعمل مدان يتسبب في تصعيد التوتر بالمنطقة”.
يشكك البعض في قدرة العراق على تنفيذ قرار البرلمان العراقي بإجبار القوات الأجنبية على الخروج من العراق، فمن الواضح تأييد الطائفة السنية التي تشكل الحكومة – الجهة الوحيدة المخولة بتوجيه الدعوة للقوات الأجنبية وإرسال القرار لمجلس الأمن لتنفيذه- للتواجد الأمريكي في البلاد، بدليل غياب النواب السنة والأكراد عن الجلسة التي عقدها البرلمان، فيما يبدو أنه تأييد منهم للوجود الأمريكي في البلاد لمواجهة النفوذ الإيراني ومحاربة فلول تنظيم داعش.
هل ينجح الكونجرس في الحد من تهديدات ترامب؟
أثار قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب باستهداف قاسم سليماني دون إخطار الكونجرس غضب رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، والنواب الديمقراطيين، وهو ما دفع المجلس إلى قرار طرح التصويت خلال هذا الأسبوع على قرار بشأن صلاحيات الحرب يهدف للحد من تحركات ترامب العسكرية تجاه إيران.
وأوضحت بيلوسي، أن هذا القرار “يؤكد من جديد مسؤوليات الكونجرس الإشرافية الراسخة، من خلال تكليفه بأنه إذا لم يتم اتخاذ أي إجراء إضافي من جانب الكونغرس، فإن الأعمال العسكرية التي تقوم بها الإدارة فيما يتعلق بإيران تتوقف في غضون 30 يومًا”، قائلة في رسالتها إلى نواب الحزب الديمقراطي إن “إدارة ترامب نفذت في الأسبوع الماضي غارة جوية استفزازية وغير متناسبة، استهدفت مسؤولين عسكريين إيرانيين رفيعي المستوى، وعرضت هذه الغارة جنودنا والدبلوماسيين وغيرهم للخطر بتهديد تصعيد خطير للتوترات مع إيران”
ويتصادم ذلك المسعى من الكونجرس مع التهديدات التي أطلقها ترامب مساء الأحد إلى طهران بـ “انتقام كبير” إذا شنت هجومًا على منشآت أمريكية في الشرق الأوسط. قائلً “إذا فعلوا أيّ شيء فسيكون هناك انتقام كبير”. كما هدد مجددا بضرب مواقع ثقافية إيرانية، سائلا “لديهم الحق في قتل مواطنينا وليس لدينا حقّ المسّ بمواقعهم الثقافية؟ إن الأمور لا تسير بهذا الشكل”.
اجتماع استثنائي لسفراء الناتو
عقد حلف شمال الأطلسي (الناتو) اليوم الاثنين، اجتماعًا استثنائيا على مستوى السفراء لمناقشة الأزمة المتصاعدة بين الولايات المتحدة وإيران، وقال المتحدث باسم الحلف إن “الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرج قرر عقد اجتماع للسفراء بعد أن ناقش الأمر مع الحلفاء،
وكان الحلف قد اعلن السبت الماضي، تعليق مهام التدريب التي يقوم بها في العراق بعد اغتيال “سليماني”.
وخلال الاجتماع عرض المسؤولون الأميركيون لشركائهم العملية التي أسفرت عن مقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني في العراق. وقال ستولتنبرج بعد انتهاء أعمال الاجتماع إن أعضاء الحلف متفقون على ضرورة ألا تحوز إيران أسلحة نووية مطلقًا، داعيًا إيران إلى “تجنب مزيد من العنف والاستفزازات”، مشددًا على أن عملية استهداف سليماني كانت “قرارًا للولايات المتحدة وليس للتحالف أو الحلف الأطلسي، ولكن جميع الحلفاء قلقون من أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار في المنطقة”.
مطالبات دولية لإيران باحترام الاتفاق النووي وعدم التصعيد
أصدرت ألمانيا وفرنسا وبريطانيا بيانًا مشتركًا لدعوة إيران إلى التخلي عن الإجراءات التي تتعارض مع الاتفاق النووي لعام 2005، بعد إعلان الأخيرة خفض التزاماتها الدولية التي نص عليها الاتفاق، وتأكيدها على التخلّي عن “كلّ القيود المتعلّقة بعدد أجهزة الطرد المركزي”، إذ دعت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون إيران إلى الامتناع عن القيام “بأعمال عنيفة جديدة أو دعم أعمال كهذه”.
وقال المسؤولون الأوروبيون الثلاثة إنه “من المهم حاليا القيام بخفض التصعيد. ندعو جميع الجهات إلى إظهار أقصى درجات ضبط النفس والمسؤولية”، داعين السلطات العراقية إلى مواصلة تقديم الدعم للتحالف الدولي ضد تنظيم داعش، وعدم تعريض عملية مكافحة التنظيم للخطر.
وكان قادة ألمانيا وفرنسا وبريطانيا قد توافقوا في وقت سابق الأحد على العمل معاً من أجل احتواء التوتر في الشرق الأوسط، وفق ما أعلن متحدث باسم الحكومة الألمانية، مشيرا إلى أن ميركل وماكرون وجونسون “متوافقون على أن نزع فتيل التصعيد هو أمر ملح”، لافتًا إلى أن “إيران مطالبة بإلحاح بإظهار ضبط النفس في الظروف الراهنة”.
وفي هذه الأثناء، قامت طهران، الأحد، باستدعاء القائم بالأعمال الألماني لديها، على خلفية ما قالت إنه مواقف “غير مقبولة” للمسؤولين في برلين، بخصوص اغتيال الجنرال قاسم سليماني، وعبرت طهران خلال اللقاء عن “اعتراضها الشديد” عمّا صدر عن المتحدثة باسم الخارجية الألمانية أوريكيه ديمير يوم الجمعة، بأن الضربة الجوية التي أدت إلى مقتل سليماني هي “ردة فعل على سلسلة من الاستفزازات العسكرية التي تقع على مسؤولية طهران” مثل الهجمات التي استهدفت ناقلات نفط أجنبية في محيط مضيق هرمز في النصف الأول من 2019 والغارة الجوية على منشآت نفطية سعودية في سبتمبر من العام نفسه.
سيناريوهات متعددة
من غير الواضح بعد ما ستسفر عنه الأزمة الأمريكية-الإيرانية الحالية، حيث تتعدد سيناريوهات وخيارات الرد الإيراني، ما بين الدخول في مواجهات عسكرية مع الولايات المتحدة من خلال وكلاء إيران في الشرق الأوسط في محاولة لإنهاء الوجود الأمريكي في العراق والمنطقة كما توعد “ولايتي”، أو الدخول في مفاوضات حول رفع العقوبات الاقتصادية على إيران، والتفاوض بشأن برنامج إيران النووي.
وقد ألقت الأزمة بظلالها على الداخل الإيراني، حيث أدت إلى توحيد الصف الإيراني وتوقف الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت مؤخرًا في البلاد للتنديد بالفساد والتدخلات الإيرانية الخارجية، بينما زادت من غضب المحتجين العراقيين الرافضين لتزايد النفوذ الإيراني في البلاد، الذين شعروا بأن إيران كانت السبب في دخولهم في مواجهات ليس لهم علاقة بها.



