ليبيا

الجيش الليبي يسيطر على مدينة “سرت” … وجهود مصرية لتطويق تركيا

في عملية خاطفة للجيش الوطني الليبي، استمرت أقل من 24 ساعة، نجحت الوحدات المقاتلة التابعة لغرفة عمليات الجفرة في السيطرة الكاملة على مدينة سرت الساحلية، التي تعد البوابة الشرقية لمدينة مصراتة، وأحد المعاقل الرئيسية للميليشيات الموالية لحكومة الوفاق في طرابلس.

عملية سرت .. نجاح ميداني باهر وسريع

مجريات العملية كانت تأكيداً على هشاشة وضع الميليشيات الموالية لحكومة الوفاق، سواء على مستوى التنظيم أو التكتيك. بدأت وحدات الجيش الوطني وعلى رأسها الكتيبة 192 مشاة عملياتها في اتجاه سرت صباح اليوم من محورين، المحور الأول هو المحور الشرقي، حيث تقدمت القوات الى منطقة وادي الحنيوة، ومن ثم بدأت التقدم بإتجاه بوابتي الكيلو 20 والكيلو 17، ومن ثم انقسمت القوات الى قسمين، قوات القسم الأول تقدمت بمحاذاة الساحل وسيطرت على منطقة السواوة وميناء سرت، والقسم الثاني تقدم في اتجاه منطقة الطويلة جنوبي شرق السواوة، ومن ثم تقدمت القوتين في اتجاه قلب المدينة، وسيطرت على المناطق السكنية في الحي الثالث والحي الأول والحي الثاني. وسط تراجع وانسحاب مستمر لوحدات قوة حماية سرت الموالية لحكومة الوفاق، والتي انسحبت في اتجاه المناطق المحاذية لشرقي مدينة مصراتة.

المحور الثاني لهجوم قوات الجيش الوطني كان المحور الجنوبي والجنوبي الشرقي للمدينة، حيث تقدمت القوات باتجاه معسكر الساعدي ومنطقة قصر أبو هادي، ومن ثم وتحت ضغط هذا التقدم قامت القوة المسؤولة عن تأمين “قاعدة القرضابية” الجوية جنوبي المدينة بتسليم أسلحتها ومواقعها إلى وحدات الجيش الوطني، واستمر تقدم قوات الجيش شمالاً باتجاه مناطق وادي الغريبات على محورين من أجل تأمين وتطهير وسط وغرب المدينة مثل منطقة مستشفي إبن سينا وحي ال700، وهو ما تحقق في نهاية اليوم، بالسيطرة على كامل مناطق الأحياء الغربية لمدينة سرت، ووصلت حالياً الى منطقة “الوشكة” التي تبعد نحو 90 كيلو متر جنوب شرق مدينة مصراتة.

بشكل عام كانت هذه العملية متوقعة منذ فترة، لكن المفاجئ فيها كان التقدم السريع والكاسح لوحدات الجيش الليبي، واتضح من خلال هذه العملية مدى تأثير الوضع الميداني الحالي في معركة طرابلس على معنويات الوحدات المتواجدة في سرت، والتي في المجمل فرت من القتال، ولم تشتبك مع وحدات الجيش الليبي إلا في مواقع محدودة. بهذا تكون وحدات الجيش الليبي قد حققت عدة أهداف تكتيكية أساسية:

 الأول: هو تأمين الهلال النفطي ومنع اية محاولات محتملة للهجوم عليه، خاصة وان دلائل ميدانية عديدة خلال الأيام السابقة، أوحت بأنه من الممكن أن تكون سرت هي نقطة الإنزال التي ستستخدمها أية وحدات تركية تصل الي ليبيا.

الثاني:  الاقتراب من التخوم الشرقية لمدينة مصراتة، بحيث تفكر فصائل مصراتة ملياً قبل ارسالها تعزيزات إلى مدينة طرابلس، و في نفس الوقت يضع هذا الوضع الميداني مصراتة تحت ضغط ما بين قوات الجيش الليبي المتواجدة في غربي سرت، وقوات الجيش المتواجدة في محور وادي الربيع جنوبي طرابلس، والتي تستهدف أيضاً التقدم شمالاً لعزل مصراتة والخُمس عن الجهة الشرقي للعاصمة.

في المحاور القتالية الأخرى، لم يشهد اليوم تطورات تٌذكر فيها، ففي محور مطار طرابلس – معسكر حمزة، استمرت الاشتباكات في مناطق جنوبي طريق الرابش وشمالي مشروع الهضبة، وحققت قوات الجيش مزيداً من التقدم في المنطقة السكنية لحي الزهور شمالي جزيرة الفحم.

في محور صلاح الدين، استمر تقدم وحدات الجيش الوطني في الاتجاه الشمالي للمحور، على طريق خلة الفرجان والهضبة، واستمرت كذلك عمليات التطهير في نطاق الأحياء السكنية المتواجدة شمال مبنى مصلحة الجوازات.

الدعم التركي لحكومة الوفاق في الطريق

تقاطعت تصريحات صحفية لكل من الرئيس التركي أردوغان، وقائد قوة الاحتياط التابعة لرئاسة أركان حكومة الوفاق، حول طبيعة ونوعية الدعم العسكري الذي سترسله تركيا الى حكومة طرابلس، فالرئيس التركي أكد أن الدعم فعلاً في الطريق، لكنه ألمح إلى أن الضباط الأتراك الذين سيصلون الى طرابلس ستكون مهامهم تنسيقية وتخطيطية، وان القتال سيكون من مهام (قوات أخرى)، في إشارة مبطنة إلى المرتزقة السوريين الذين تم الدفع بهم الى محاور جنوبي طرابلس، والذين كشف المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن أعدادهم وصلت حالياً الى 1000 مرتزق وصلوا الى البلاد خلال الأيام الماضية على متن رحلات مدنية ليبية بواقع رحلتين كل ليلة. أيضاً تحدث قائد قوة الاحتياط التابعة لحكومة الوفاق عن أنه بالفعل وصل الى طرابلس ضباط أتراك متخصصون في عمليات التشويش على الرادارات، وعمليات الدفاع الجوي.

كلام أردوغان هنا، إذا ما أضفنا إليه تصريح وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو، الذي قال فيه أن الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر يتفوق في ليبيا من ناحية القوة الجوية، وإلى تصريحات سابقة لعدد من القادة الميدانيين لقوات حكومة الوفاق، يجعل من الممكن تصور أن الدعم العسكري التركي من حيث المبدأ سيتكون من ضباط استخبارات لجمع وتحليل المعلومات على الأرض، بجانب ضباط ميدانيين لتنسيق عمليات الطيران والمدفعية، وتصحيح الإحداثيات وإدارة تحركات القوات، وعمليات التشويش والحرب الالكترونية، بجانب أعداد إضافية من الطائرات المسيرة والعربات المدرعة، وأنظمة دفاع جوي وضد الدروع، ومعدات أخرى مثل المناظير الليلية وأجهزة الأتصالات. الصحافة الإيطالية في هذا الصدد أشارت إلى أن تركيا تبحث حالياً في إمكانية إرسال قطع بحرية الى قاعدة طرابلس للتمركز فيها بصفة دائمة.

جهود مصرية حثيثة لتطويق التصعيد التركي سياسياً

تستمر في هذه الأثناء الجهود المصرية لعزل تركيا سياسياً على خلفية تصعيدها الأخير في ليبيا، حيث انعقد أمس بوزارة الخارجية المصرية، اجتماعاً ضم عدد من السفراء الأوروبيين والسفير الأمريكي لدى القاهرة، لبحث الخطوات التركية الأخيرة في ما يتعلق بالملف الليبي، خاصة التفويض الذي منحه البرلمان التركي لإرسال قوات تركية إلى ليبيا. 

عقب هذا الاجتماع، بحث وزير الخارجية المصري هاتفياً مع كل من (لويجي دي مايو) وزير الخارجية والتعاون الدولي الإيطالي، و(جان إيف لودريان) وزير أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسي، هذا الملف بكل مستفيض من أجل تنسيق المواقف وتوحيدها، خاصة أن القاهرة ستستضيف الأربعاء القادم أجتماعاً خماسياً مهماً، يضم قادة كل من مصر وقبرص واليونان وفرنسا، مع مشاركة إيطالية محتملة، وهو اجتماع قمة يتوقع أن يتم فيه بحث كافة الملفات المشتركة بين هذه الدول، وعلى رأسها الملف الليبي، وتحديداً طرق مواجهة التصعيد التركي الأخير.

تركيا بدأت في إدراك أن الجهود المصرية لعزلها على المستوى السياسي أسفرت عن نتائج ملموسة على المستوى الأوروبي، فثلاثة من الدول الرئيسية في أوروبا وهي ألمانيا وإيطاليا وفرنسا، تعارض بشكل تام النهج التركي في شرقي المتوسط، هذا برغم من اختلاف توجهات الدول الثلاث في ما يتعلق بالملف الليبي. لذلك تحاول تركيا جاهدة وبشكل مستمر استمالة كل من تونس والجزائر، لاستخدامهما في دعم عملياتها العسكرية المتوقعة في ليبيا. المحاولة التركية الأولية في تونس عبر زيارة أردوغان إليها باءت بفشل واضح، على الرغم من وجود تيارات داخلية تونسية تدعم حكومة حزب العدالة والتنمية، على رأسها حزب النهضة، فبدأ أردوغان يحاول لكن مع المؤسسة العسكرية التونسية، عبر عروض تسليحية تزود بها تركيا تونس بعربات مدرعة وأنظمة أخرى.

أما الجزائر، التي تحفظت على طلب أردوغان زيارتها عقب زيارته لتونس، وأحجمت سابقاً عن تفعيل اتفاقية أمنية تم توقيعها مع ليبيا عام 2001، وعقدت اللجنة الأمنية المشتركة بين الجانبين أجتماعاً في شهر يوليو الماضي، لكن تم تأجيل الاجتماع لأجل غير مسمى. تتخذ موقفاً أكثر وضوحاً من مواقفها في الملف الليبي خلال حقبة بوتفليقة، فوزير الخارجية الجزائري أعلن رفض بلاده الصريح لوجود أي قوة أجنبية في ليبيا، واتخذت الجزائر في الوقت الحالي منحى سلمي في ما يتعلق بمقاربتها للحل في ليبيا. 

هذه المواقف دفعت أردوغان لمحاولة التأثير على القرار الجزائري، نظراً لإدراكه أن الموقف الجزائري متحفظ بشكل أكبر بمراحل من تونس فيما يتعلق بأي دور تركي في ليبيا، لذلك قام أواخر الشهر الماضي بعرض اسم الجزائر ضمن بلدان أخرى على المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، بهدف ان تقوم المستشارة بدعوة هذه البلدان الى مؤتمر برلين الذي سيتم عقده حول الأزمة الليبية. واليوم يحاول الضغط أكثر على الجزائر، بإرساله وزير خارجيته الى العاصمة الجزائرية لمقابلة كل من الرئيس الجزائري ورئيس حكومة الوفاق فايز السراج، وهذا الأخير أحضر معه الى العاصمة الجزائرية وفداً أمنياُ وعسكرياً، وهذا يعتبر الاختبار الدولي والإقليمي الأول للرئيس الجزائري الجديد، الذي ستتضح خلال الساعات القادمة ما إذا كان لهذا الاجتماع أي تأثير على الموقف الجزائري من الملف الليبي أم لا.

+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

محمد منصور

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى