المراكز الأوروبية

كيف تتبع موسكو سياسة “الانتظار والترقب” بشأن التسوية الليبية!؟

يقول الكاتب “رسلان محمدوف” في مقال له على موقع الدراسات الإيطالية، إنه على الرغم من وجود أشكال عالمية وإقليمية لمناقشة وتسوية النزاع الليبي، إلا أن المصالحة الوطنية لم تتحقق منذ ثماني سنوات ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الافتقار إلى الظروف اللازمة لتسوية الأوضاع وتنامي الصراع على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية. 

ويضيف الكاتب أنه غالبا ما يكون التأثير الروسي على الأحداث الليبية مبالغا فيه. فوسائل الإعلام تحب إثارة هذا الموضوع، لأنها تتيح لأطراف النزاع المختلفة صرف الانتباه عن المشاكل الحقيقية المتمثلة في عدم قدرة الأطراف واللاعبين الرئيسيين عن التوصل لحل للقضية الليبية. وفي الوقت نفسه، يفترض النهج الروسي طبيعة تكتيكية للتفاعل مع مختلف اللاعبين حول التسوية الليبية.

انخراط روسي حذر مع الحفاظ على التواصل مع جميع اللاعبين

يقول الكاتب أن الوضع في ليبيا يسير في طريق مسدود. حيث تم الاعتراف بحكومة الوفاق الوطنية الليبية بقيادة فايز السراج من قبل المجتمع الدولي وفقا لاتفاق الصخيرات الذي توسطت فيه الأمم المتحدة. ومع ذلك، فإن البرلمان، الذي يقع في طبرق شرق البلاد، يعمل عن كثب مع الجيش الوطني الليبي الذي يقودة المشير خليفة حفتر، وهو مستقل عن حكومة الوفاق الوطني، التي لها تأثير محدود على الجماعات المسلحة – ذات الميل الإسلامي –  والتي توجد بكثرة في المناطق الأكثر اكتظاظًا بالسكان في غرب ليبيا.

ويضيف الكاتب إن روسيا تدعم – شأنها شأن الدول الأخرى الأعضاء في الأمم المتحدة – الجهود الدولية للتوصل إلى تسوية ليبية، كما تُدعم “خارطة الطريق” التي اقترحها الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، غسان سلامة. في الوقت نفسه، تعتقد موسكو أن “الليبيين أنفسهم يجب أن يقرروا مصير بلدهم”.

في عام 2019، وفي اجتماع مع السراج، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين: “إن الروس يتابعون عن كثب وقلق كبير الأحداث الجارية في ليبيا. 

ورأى بوتين أن ما اّلت إليه الأحداث في ليبيا هو نتيجة للسياسات غير المسؤولة نتيجة سياسات عدد من الدول التي انتهكت القانون الدولي في ليبيا وأفسدت القرار ذي الصلة الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في ذلك الوقت”.

المصالح الروسية في ليبيا والديناميات الإقليمية

بشكل عام، يرى الكاتب أن موسكو لم يكن لديها أي مصالح خاصة في ليبيا تدفعها للعب دور حيوي ومهم أو اتخاذ تدابير أحادية فيما يتعلق بالأوضاع في ليبيا. وهذا ما يفسر استراتيجية موسكو للحفاظ على الاتصالات مع جميع الجهات الفاعلة داخل ليبيا، بدون لعب دور نشط في مجريات الأوضاع الليبية أو القيام بدور الوسيط النشط بين تلك الأطراف. 

كان هناك العديد من الشركات الروسية العاملة في السوق الليبية قبل عام 2011 وربما يكون لهذه الشركات مصلحة في العودة مرة أخرى. في السابق كانت تلك الشركات تعمل في مجالات مثل الطاقة والبنية التحتية الصناعية والنقل. وفي عام 2017، أثار الاهتمام بتوقيع اتفاقية بشأن التنقيب عن النفط وإنتاجه من قبل شركة روسنفت الروسية العملاقة وشركة النفط الوطنية الليبية Libyan National Oil Corporation (NOC)  الكثير من التفاصيل، ومع ذلك لم يشهد هذا المسار أي تطورات. في ديسمبر 2019، استأنفت شركة Tatneft الروسية للنفط عملها في ليبيا. 

ولا تزال عودة الشركات الروسية إلى ليبيا على جدول أعمال الليبيين من مختلف الفصائل، بما في ذلك حكومة السراج. وفي إطار القمة الروسية – الأفريقية في سوتشي في أكتوبر 2019، تم توقيع عدد من الاتفاقات مع الحكومة الوطنية بشأن توريد مليون طن من القمح الروسي إلى طرابلس، وكذلك تنفيذ مشاريع في مجال الاستكشاف والكهرباء.

ليست المصالح الروسية بل الديناميات الإقليمية هي التي تملي تطور الوضع في ليبيا. وعلى الرغم من أن المستوى الإقليمي يظل محددًا إلى حد كبير، حيث أن الدور الأبرز قام به لاعبون عالميون خلال الأشهر الماضية. 

إلا أنه ولفترة طويلة على المستوى الإقليمي، أوضحت مشاركة الإمارات والسعودية ومصر إلى جانب حفتر، فضلاً عن الدعم المقدم من تركيا وقطر لحكومة السراج الوطنية ، ديناميكية النزاع بأكملها. 

علاوة على ذلك، في إطار هجوم حفتر الأخير على طرابلس، شاركت الجهات الفاعلة الإقليمية علانية في الأعمال العدائية. ومع ذلك، فإن الدور التركي الاخير قد يسهم في تغيير الوضع للأسوأ. فتركيا على استعداد لإنفاق مواردها الخاصة لاستعادة توازن القوى، وإرسال الأسلحة والقوات إلى ليبيا لمساندة حكومة فايز السراج.

تدويل الصراع الليبي. هل هناك حاجة للوساطة الروسية؟

تدويل الصراع يحدث في ضوء الحقائق المتغيرة “على الأرض”. قالت موسكو إن التقارير الأمريكية الأخيرة بشأن الاتهام بأن لروسيا مرتزقة في ليبيا مجرد افتراءات. 

وقال رئيس مجموعة الاتصال الليبية “ليف دينجوف”، إن الموقف الرسمي لروسيا ثابت فموسكو “تحتفظ باتصالات منتظمة مع السراج وحفتر والفصائل الأخرى لتعزيز التسوية في ليبيا من خلال الحوار السياسي”. 

وقال أيضا إن مثل هذه الاستفزازات تتشكل من قبل أولئك الذين لا يحبون النجاحات الروسية والتعاون متبادل المنفعة بين البلدين.

 في ظل هذه الخلفية، فإن التقارير المجهولة من المسؤولين في واشنطن للجزيرة القطرية بأن نمو النشاط العسكري الروسي في الجزء الشرقي من ليبيا بالتنسيق مع الجانب المصري قد أصبح مصدر قلق لدوائر القوة الأمريكية. فلدى الأمريكيين أسباب أخرى أكثر خطورة تدعوهم للقلق – كالخلاف وانعدام الوحدة بين الدول الأعضاء في الناتو فيما يتعلق بالنزاعات في شرق البحر المتوسط.

في ديسمبر 2019، استقبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في اسطنبول رئيس الحكومة الوطنية الليبية، فايز السراج، ووقع معه اتفاقية تركية ليبية بشأن التعاون العسكري ومذكرة تفاهم بشأن ترسيم المناطق البحرية بين البلدين. أثارت هذه الاتفاقات ردود فعل غاضبة من قبل أثينا والقاهرة، في الوقت الذي تجري فيه عمليات التنسيق المشترك بين مصر وقبرص وإسرائيل فيما يتعلق بغاز شرق المتوسط. وربما يكون هناك عقوبات محتملة من الاتحاد الأوروبي على تركيا لإجرائها استكشاف جيولوجي في قبرص مع استمرار النزاع القبرصي. وبالتالي فإن الاتفاقية الأخيرة بين أردوغان والسراج ستخلق العديد من المشاكل السياسية  والدبلوماسية في العلاقات التركية الأوروبية. ما يؤثر بدوره على الوضع داخل الناتو والاتحاد الأوروبي.

ويقول الكاتب إن سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه ليبيا ليست موحدة بحكم الواقع. حتى الآن، تم ربطها ارتباطًا وثيقًا بمسألة الحد من تدفق المهاجرين إلى الدول الأوروبية. المثال الرئيسي الذي يوضح الفرق في النهج هو الدعم الذي قدمته باريس وروما لمختلف الأطراف. يتفق المحللون على أن إيطاليا تعتمد بشكل أساسي على تدعيم الحكومة الوطنية برئاسة السراج، والذي تعتبره روما أداة مهمة لحل مشكلات الهجرة. في الوقت نفسه، يُفترض أن فرنسا تدعم الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر، معتبرة أنه الأجدر علي مكافحة الإرهاب. 

تسهم المواقف المتضاربة للجهات الفاعلة داخل أوروبا أو الجهات الإقليمية في زعزعة استقرار الوضع في ليبيا نفسها. ناهيك عن عدم وجود أي استراتيجية متماسكة ومتفق عليها لاستعادة الدولة أو تقديم الدعم الاقتصادي لكل من ليبيا والبلدان التي يفر منها المهاجرون. تم توضيح الموقف الروسي الرسمي تجاه وجهات النظر المتباينة داخل الاتحاد الأوروبي على عدة مستويات. على سبيل المثال، صرح السفير الروسي في إيطاليا، سيرجي رازوف: “إن رؤية النظر الروسية تتقارب إلي حد كبير مع الرؤية الإيطالية لتسوية الوضع في ليبيا. وأن الروس يدعون جميع أطراف النزاع إلى وقف إطلاق النار، وأن الروس يؤيدون فكرة عقد اجتماع دولي رفيع المستوى بمشاركة جميع البلدان المهتمة، وكذلك عقد منتدى عموم ليبيا”.

وفي الأخير يقول الكاتب، إنه من المؤكد أن لدى روسيا القدرة على التأثير في الأحداث الجارية في ليبيا، فروسيا لها وزن دبلوماسي ووجود عسكري في شرق البحر المتوسط​​، فضلاً عن العلاقات الخاصة مع العديد من الرعاة الإقليميين للنزاع الليبي. ومع ذلك، فقد أظهرت موسكو بالفعل أنها تفضل في مثل هذه الأمور الاعتماد على لاعبين إقليميين لهم تأثير حقيقي على الوضع في مناطق الأزمات (كما يتضح في إطار تنسيق أستانا بشأن القضية السورية). 

تعتقد موسكو أن مسؤولية الوضع الحالي يجب أن تقع على عاتق الدول الأعضاء في حلف الناتو، والتي تدخلت عسكريًا في ليبيا في عام 2011. وفي السياق ذاته ستواصل روسيا سياستها المتمثلة في الحفاظ على الاتصالات مع جميع الجهات الفاعلة الليبية. يعتبر هذا العمل كافيًا لتأمين المصالح الروسية في المنطقة.

+ posts

باحث أول بوحدة الدراسات الأسيوية

أحمد السيد

باحث أول بوحدة الدراسات الأسيوية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى