مكافحة الإرهاب

انتقاما للـ” بغدادي” داعش يعدم 11 مسيحيا في نيجيريا..وسط صمت أفريقي ودولي

كجزء من حملة الثأر لأبو بكر البغدادي نشر تنظيم الدولة الإسلامية”  داعش” في غرب إفريقيا شريط فيديو مدته دقيقة واحدة عشية يوم 26 ديسمبر الجاري يظهر إعدام أحد عشر مسيحيًا في شمال شرق نيجيريا.

المقطع المصور ظهرت فيه لقطات متفرقة لرجال عصبت أعينهم تمهيدًا لإطلاق النيران عليهم ، مع ظهور صوت أحد الملثمين ليؤكد أن ما يجري هو رسالة للمسيحيين في جميع أنحاء العالم في عيد الميلاد. مضيفًا أن أحد عشر رجلًا يتم إعدامهم انتقاماً لمقتل زعيم التنظيم أبو بكر البغداي خلال عملية مخابراتية أمريكية في أكتوبر الماضي. وتم بث الفيديو عبر وكالة أعماق التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا والتي انضم لها الكثير من المقاتلين بعد انشقاقهم عن بوكو حرام.

وقد بدا من الواضح أن كلتا الجماعتين الإرهابيتين (تنظيم الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا وبوكو حرام) تريدان استخدام رمزية يوم عيد الميلاد لإيصال رسائلهما. وقد حذرت الأمم المتحدة من أنَّ عنف المتشددين في نيجيريا زاد خلال الأشهر الستة الماضية.  

وعلى إثر تلك الحادثة أعرب رئيس نيجيريا ” محمد بخاري” عن حزنه وصدمته لمقتل الأبرياء، مضيفًا أنه لا يجب أن تترك الأمور للإرهابيين لإثارة الانقسام عبر تحريض المسلمين على المسيحيين. لأن هؤلاء القتلة والمجرمين لا يمثلون الإسلام ولا المسلمين وتعهد بمواصلة التنسيق مع الجهات الدولية لمحاربة الإرهاب.

وتلك الحادثة وإن كانت الأخيرة إلا أنها ليست الأولى ، و شمال شرق نيجيريا على وجه التحديد شهد في الآونة الأخيرة الكثير من العمليات الإرهابية ضد المسيحيين .

وعشية عيد الميلاد أيضًا قتل سبعة أشخاص وخطفت فتاة مراهقة  خلال هجوم نسب إلى بوكو حرام واستهدف قرية مسيحية بالقرب من شيبوك. وسبق ذلك  قتل ستة جنود نيجيريين على أيدي جهاديين في هجوم على قافلة عسكرية تلاه  هجوم على قاعدة عسكرية يوم الإثنين الماضي قتل فيه اثنان على الأقل وأصيب ثلاثة عشرة آخرين.

ولاية غرب أفريقيا:

كانت منطقة غرب أفريقيا باستمرار من الحواضن التقليدية لتنظيم القاعدة ، إلا أن ذلك لم يحل دون التمدد الداعشي في تلك المنطقة بعد انهياره في سوريا والعراق.

أصبح تنظيم الدولة الإسلامية حاضرًا بقوة في مالي، النيجر، تشاد، بوركينافاسو، الكونغو وأفريقيا الوسطى وشهد نموًا ملحوظًا موازيًا للساحل الإفريقي وبامتداد الصحراء الكبرى،وقد بدأ تنظيم الدولة الإسلامية في رسم ملامحه هناك منذ عام 2018 وذلك بعد أن قرر العديد من المقاتلين الذين يتبنون فكر القاعدة التخلي عن هذا الفكر واعتناق الفكر الداعشي بعد دعوة وجهها لهم أبو بكر البغدادي في تسجيل مصور تم بثه في إبريل 2019.

 وتاريخيًا استطاع تنظيم القاعدة السيطرة على منطقة الغرب الإفريقي إلا أن ذلك تغير تماماً بعد إعلان تنظيم الدولة الإسلامية في 2014 حيث وجد مقاتلو القاعدة في أفريقيا أن الأمر قد تغير من مجرد الحديث عن حلم الخلافة إلى واقع فعلي ، مما جعل من داعش قوة جديدة تستطيع التوغل في مناطق التصدعات في الغرب الأفريقي بل والاكثر من ذلك النفاذ لها.

وهو ما كشفت عنه خريطة المبايعات التي حدثت في الفترة بين عامي 2014 و2019، وعلى الرغم من أن تنظيم القاعدة قد استطاع في البداية أن يسيطر على مقاتليه لكن داعش في المقابل استطاعت تنفيذ اختراقات ممنهجة للعديد من الجماعات التي كانت تدين بالولاء للقاعدة. وعلى رأس تلك الجماعات التي انقلبت على القاعدة وبايعت داعش تأتي جماعة جند الخلافة والمرابطون ، بوكو حرام وأعضاء من جماعة عقبة بن نافع في تونس.

لماذا نجحت داعش في غرب أفريقيا

في فترة قصيرة استطاعت داعش أن تؤسس لنفسها قواعد راسخة في الغرب الأفريقي وساعدها في ذلك عدد من العوامل ، منها أنها اتخذت منهجًا مغايرًا تماماً لمنهج الجماعات التابعة للقاعدة والتي كانت تستهدف المدنيين وتوجهت بدلًا من ذلك لاستهداف المراكز الأمنية ومعسكرات الجيش. كما أن تنظيم الدولة الإسلامية استطاع التحالف مع عصابات الجريمة المنظمة المنتشرة في غرب أفريقيا، التي توفر لها الملاذات الآمنة للتدريب والإقامة مقابل توفير الحماية لها أثناء عملياتها الخاصة بتهريب السلع والمخدرات والأسلحة والبشر.

 داعش في نيجيريا:

في السنوات العشر الاخيرة نجم عن تمرد الجهاديين في نيجيريا حوالي 35 الف قتيل ونحو مليويني نازح، وتشير المصادر إلى أن “بخاري ” عندما صعد للسلطة في 2015 تعهد بهزيمة بوكوحرام وضحدها وهي الفترة التي شهدت تصاعدًا لوتيرة عمليات تنظيم داعش هناك.

إلا أن الجرائم بحق المسيحيين كانت مرتبطة بالإعلان عن الخلافة الإسلامية من الجامع النوري في الموصل في 2014، وعلى غرار ما تنفذه جماعة “داعش” في العراق، من قتل المسيحيين وتهجيرهم، تقوم جماعة بوكو حرام بعمليات مماثلة في مناطق في نيجيريا، حيث تحولت عمليات القتل إلى مجازر بحق السكان وخاصة المسيحيين.وقال سكان في شهادات أدلوا بها  إن مسلحي جماعة “بوكو حرام” المتطرفة، يبثون الرعب في المدن التي يسيطرون عليها في نيجيريا و”يقتلون الناس مثل الخرفان”.
وروت شهادات أخرى تفاصيل فظاعات  في ماداغالي المدينة ذات الغالبية المسيحية في ولاية أداماوا التي سيطر عليها مسلحو بوكو حرام ،وقال الأب جدعون أوباسوجي المتحدث باسم أبرشية مايدوغوري “تم قتل رجال مسيحيين وقطعت رؤوسهم، وأجبرت نساء على اعتناق الإسلام والزواج بإرهابيين”.
وكان قائد جماعة بوكو حرام “أبوبكر شيكاو” أعلن  ضم مدينة غوزا الواقعة بالمنطقة ذاتها في شمال شرق نيجيريا إلى “الخلافة الإسلامية”،وذلك في مقطع مصور.وتخوض بوكو حرام تمرداً مسلحاً منذ 2009 وخصوصاً في شمال شرق نيجيريا وهي تتبنى إقامة دولة تطبق فيها فهمها المتطرف للشريعة الإسلامية.

ويبدو أن هذا التنظيم مر في الأشهر الاخيرة من مرحلة حرب العصابات والعمليات الانتحارية في المدن إلى مرحلة الاستيلاء على أراضي.
وبات يسيطر على ثلاثة أقاليم في ولاية بورنو إضافة إلى اقليم واحد على الأقل في ولايتين مجاورتين هما يوبي وأداماوا.وقتل أكثر من 10 آلاف شخص منذ بداية تمرد بوكو حرام في 2009 في عمليات هذا التنظيم.  ، منهم أربعة آلاف في 2014 وحدها، بحسب منظمة العفو الدولية.

تخاذل الحكومة النيجيرية

ومنذ البداية، لم تفعل الحكومة النيجيرية والمجتمع الدولي شيئًا يُذكر لمعالجة هذه الأوضاع المأساوية. ولا يمكن القول بأنَّ هذا التجاهل أمر مستغرب: إذ لا تعترف الحكومة النيجيرية أساسًا بجذور المشكلة، أي الإيديولوجية الجهادية المتعصِّبة. ونتيجة لذلك، يزداد عدد القتلى في صفوف المسيحيين – ومن الأرجح أنَّه سيستمر في الازدياد على نحو مطرد – حتى يأتي الوقت الذي تعترف فيه الحكومة والمجتمع الدولي بسبب المشكلة وتتصدى لها.

وتتركَّز أغلب أشكال الاضطهاد العنيف الذي يتعرَّض له المسيحيون العزَّل – الذين يمثِّلون نصف عدد سكان نيجيريا – في الجزء الشمالي من البلاد، حيث يمثِّل المسلمون أغلبية السكان وتُطبَّق أحكام الشريعة الإسلامية، وفي الولايات التي يُطلق عليها “الحزام الأوسط” والتي تُعدُّ بمثابة منطقة انتقالية بين الولايات الشمالية والجنوبية.

+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

نيرمين سعيد

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى