
ماذا ننتظر من “قانون الإدارة المحلية الجديد”
تُعَدْ المجالس المحلية أصل الحياة السياسية بالدولة المصرية، وبداية السُلم نحو حياة ديمقراطية سليمة، فمن خلالها تبدأ مهمة تلبية احتياجات المواطنين والمشاركة الجادة للشباب والمرأة وهما الفئتان المجهضتان حقوقهما في كثير من النظم السياسية في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية، بجانب إعداد الكوادر النخبوية على مستوي المؤسسات الرسمية وغير الرسمية.
فمنذ إبريل عام 2008 عُقدت آخر انتخابات للمجالس المحلية. وجاء عام 2011 بقرار حل تلك المجالس، فلم يشهد المجتمع المصري من حينها انتخابات جديدة، ولم تُشكل أي مجالس بديلة ولو معينة كما ينص القانون في حالة حل المجالس المنتخبة. وبذلك؛ أصبحت المحليات بلا مجالس، ومن ثم أصبحت كيانات تنفيذية فاقدة للرقابة، مما يجعلها أكثر عرضة للفساد.
وبناء علية؛ شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال جلسة “اسأل الرئيس” بالمؤتمر الوطني الثامن للشباب 14 سبتمبر 2019، على ضرورة سرعة خروج قانون المحليات خلال الدورة القادمة للبرلمان، وعقد انتخابات المحليات، داعيًا الشباب لتمثيل كبير في المحليات.
والجدير بالذكر ان مشروع قانون الإدارة المحلية الجديد يُعد واحدًا من أهم التشريعات المنتظر إصدارها من مجلس النواب. وتأتى أهمية القانون الجديد المنتظر في أنه أول قانون للإدارة المحلية ينص على التحول إلى نظام اللامركزية، والذي سيكون في حالة تطبيقه بشكل سليم بوابة لتحقيق التنمية الشاملة في المحافظات وتعظيم مواردها الذاتية.
ملامح قانون الإدارة المحلية الجديد
يأتي مشروع القانون نفاذًا للاستحقاقات المنصوص عليها في الدستور، ويتكون من 156 مادة موزعة على 4 أبواب، ومن أبرز المواد التي جاءت في القانون، المواد من 50 إلى 123، التي تتناول قواعد انتخاب المجالس المحلية ووضع تعريف لكل من الفلاح والعامل والشاب والمواطن ذي الإعاقة، حيثُ وضع لهم حصة من المقاعد وتناول بالتنظيم آلية انتخاب المجالس المحلية متبنياً تنظيماً يجعل انتخاب 25% من عدد المقاعد بالنظام الفردي، و75% بنظام القوائم المغلقة المطلقة.
وتناول القانون في مواده من 124 إلى 136 تنظيم إنشاء صندوق للتنمية المحلية يتضمن حسابات فرعية ويكون لهذه الحسابات موارد واستخدامات على وجه التحديد لتدعيم اللامركزية المالية.
وقد تم إدخال تعديلات على مشروع القانون، أبرزها استحداث نص يقضى بإنشاء أكاديمية متخصصة للإدارة المحلية بموجب قرار من رئيس الجمهورية على أن يتضمن هذا القرار الهيكل التنظيمي العام للأكاديمية والشهادات العلمية التي تمنحها في ضوء أحكام القانون رقم 69 لسنة 1973 بشأن الباحثين العلميين، وتهدف إلى منح الشهادات المؤهلة للعمل في وظائف قيادات الإدارة المحلية.
تحديد سن تعيين كلا من المحافظ ونائبة
كما تم تعديل المادة 13، برفع سن التعيين للمحافظ إلى 35 عاماً بدلا من 30، وإضافة بندين إلى شروط شغل منصب المحافظ يتضمنان ضرورة حصول المرشح لمنصب المحافظ على شهادة جامعية أو ما يعادلها، وعدم صدور أحكام نهائية في جريمة مخلة بالشرف والأمانة ضد من يرشح للمنصب.
واستحدثت اللجنة مادة برقم 14 تقضى بعودة المحافظ ونائبه إلى عملهما السابق مع مراعاة سن الإحالة للمعاش. وعدلت اللجنة المادة 15 لمساعدة المحافظ في حماية الأمن العام والأخلاق بالمحافظة يعاونه في ذلك مدير الأمن.
تشكيل المجلس المحلي
تم تعديل المادة 14 من مشروع الحكومة ووضعها تحت رقم 19، وشمل التعديل أن يكون انتخاب كل مجلس من المجالس المحلية بواقع ربع عدد المقاعد بالنظام الفردي والباقي بنظام القوائم المغلقة المطلقة، ويحق للأحزاب والائتلافات والمستقلين الترشح في كل منهما. بتخصص ثلث عدد مقاعد القائمة للشباب، وثلث عددها للمرأة، على ألا يقل نسبة تمثيل العمال والفلاحين عن ثلثي عدد مقاعد القائمة، وأن يمثل من بينهم المسيحيون وذوو الإعاقة تمثيلاً مناسباً.
مدة انعقاد المجلس المحلي
من أبرز التعديلات التي أدخلتها اللجنة المشتركة ما طرأ على المادة 47، للتأكيد على أن تكون مدة المجلس المحلى 4 سنوات تبدأ من تاريخ أول اجتماع له على أن يجرى انتخاب المجلس الجديد خلال الـ 60 يوماً السابقة على انتهاء مدة الـ 4 سنوات.
فئات تم حظر ترشحهم
تم إعادة الفقرة الثانية من مادة 48 بمشروع الحكومة، لتصبح 3 فقرات كالآتي: «ولا يجوز قبول أوراق ترشح كلًا من:
- رجال القوات المسلحة والشرطة
- أعضاء المخابرات العامة
- أعضاء الجهات والهيئات القضائية
- الوزراء ونوابهم، والمحافظين ونوابهم، ورؤساء وأعضاء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية.
وذلك قبل تقديم استقالاتهم من وظائفهم أو مناصبهم، ولا يجوز قبول أوراق ترشح العُمد والمشايخ ورؤساء الوحدات المحلية والعاملين فيها، للمجالس المحلية في نطاق المحافظات التي يعملون بها قبل تقديم استقالتهم، وذلك كله مع عدم الإخلال بالقواعد والأحكام المنظمة للاستقالة من هذه الوظائف أو المناصب».
الاشكالية حول قانون الادارة المحلية الجديد
تباينت آراء أعضاء مجلس النواب بشأن قانون الإدارة المحلية الجديد، الذي تعثرت مناقشته في الجلسات العامة المنعقدة، بين رفض عدة احزاب هذا القانون في حين تمسك مقدمو المشروع بموقفهم الداعم والمدافع عن نصوص مواده.
الجانب الرافض للقانون
هاجم بعض أعضاء البرلمان قانون الادارة المحلية الجديد وقامت العديد من الاحزاب برفض القانون، ومنها الوفد والمؤتمر والمصريين الأحرار وحماة الوطن والسلام الديمقراطي، والشعب الجمهوري ومستقبل وطن ومصر الحديثة، وطالب البعض الأخر بمزيد من الدراسة بشأنه. وتم شرط الموافقة على قانون المحليات بإعادة قانون المحليات إلى لجنة الإدارة المحلية، وتعديل بعض المواد لتكون الانتخابات بقائمة مغلقة بنسبة ١٠٠٪، وأن تكون صيغة تعريف العامل بأنه «من يعمل لدى الغير فقط»، والنص على مشاركة المصريين في الخارج في الانتخابات
بالإضافة الى معالجة عدد من الإشكاليات التي يتضمنها مشروع القانون ومنها، عدم مراعاة القانون تفعيل دور الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني بالمشاركة في صناعة القرار في الدوائر المحلية. ومعالجة الخلل الدستوري القائم بالقانون، لأنه لم يوضح كيفية الانتقال للامركزية.
كما برر المعترضون على القانون، سبب الرفض بأن المحليات ليست جاهزة لتطبيق نظام اللامركزية خاصة في غياب التخطيط العمراني وفصل التداخلات الكبيرة بين المراكز والوحدات المحلية، وأيضا ترسيم الحدود بين المحافظات.
أيضا استند المعارضون في رفضهم لمشروع القانون على ان الأحزاب السياسية بحاجة لعمل ورش لتدريب الشباب والعمال والفلاحين من أجل إعداد شخصية قيادية ومساعده للتنمية، خاصة وانه من المستهدف دخول قرابة 60 ألف عضو بالمحليات.
الجانب المؤيد للقانون
يري الجانب المؤيد لقانون الادارة المحلية الجديد بأن الإشكالية الدستورية التي تحدث بشأنها عدد من النواب، لا اساس لها من الصحة حيث أن اللجنة لم تختلق النصوص الخاصة بالعملية الانتخابية في القانون وتمثيل النسب المنصوص عليها من عمال وفلاحين وشباب ومرآة وغيرها، من لديها وإنما التزمت بالنص الدستوري بالمادة 180 من الدستور.
وبالتالي فان مشروع قانون الإدارة المحلية لا يوجد به عوار ومنضبط دستوريا ويواكب متطلبات التحديث حيث شارك في مناقشته وإعداده المئات من الخبراء والمحافظين والوزراء ورؤساء الأحزاب والنواب وأساتذة القانون الدستوري والمستشارين نواب رئيس مجلس الدولة وتم مراجعته بعناية شديدة حيث أنه يعد من أفضل المشاريع التي تمت مناقشتها بالبرلمان. بل واعتبر الجانب المؤيد المماطلة في اخراج القانون الي النور هو بمثابة مخالفة صريحة للدستور المصري.
وختامًا، فإن الخروج بقانون جاد للإدارة المحلية بمثابة الشريان الحقيقي للتنمية، خاصة؛ وان المحليات تقدم 70% من الخدمات للمواطن، بالتالي فان نجاح الحكومة واستقرار الحياة السياسية مرهونًا بإصلاح احوال المحليات في مصر.



