
في حوار مع المرصد المصري.. الملا ياسين ينقل شكر القيادات الكردية للقيادة المصرية
مازال يشهد الشرق الأوسط استمرار لمعاناة الأقليات الاثنية والعرقية، ولاسيما بعد موجات ما يُسمي بـ “الربيع العربي”، التي أفرزت حالات الاقتتال الداخلي بالمجتمعات، وانهاء احتكار الدولة المركزية للقوة الإكراهية علي نحو مهدّ لبزوغ النزعات الانفصالية، وتوظيفها من قِبل الدول الإقليمية الفاعلة والمنخرطة في الصراعات الدموية وخاصة تلك التي تعمل وفق مشاريع توسعية بالمنطقة تأتي علي حساب شعوب ومقدرات دول جوارها؛ كانت القضية الكردية الأبرز في مجمل التفاعلات الإقليمية، حيث أصبحت القوي الإقليمية والدولية الفاعلة لا تُعالج تهديدات وتحديات المنطقة دون الأخذ في الاعتبار المسألة الكردية. فالرغم من شغل الأكراد لمناطق هامة في الاستراتيجية الإقليمية، تمثل مسرح عملياتي يقع في قلب التحركات العسكرية والتغييرات الديموغرافية الحاصلة مؤخراً، إلا أنها باتت قضية عالقة لستة عقود، بعيدة كل البعد عن التسويات الشاملة، وأسيرة لتسويات الحد الأدنى التي تقوم على التهدئة المرحلية للصراع من خلال فرض هدنة مؤقتة في بعض البؤر الجغرافية التي تشهد أكثر المواجهات احتدامًا دون التعامل مع الجذور العميقة للصراع والمسببات الأساسية لاستمراره نتيجة إرث العداء المستحكم وتصميم كل طرف علي إنهاء الوجود المادي للآخر.
ومع دخول الشرق الأوسط لحالة من الانكشاف الأمني علي نحو شجع دول الإقليم الفاعلة علي استغلال وتوظيف الأقليات العرقية والدينية في تحقيق مكاسب لها، كما تبرهن عليه النشاطات التركية والإيرانية في المنطقة اللتان وظفتا جماعات مسلحة عديدة داخل الدول العربية للعمل ضمن مشاريعها التوسعية والضغط علي الدول الوطنية. اتسم التعاطي المصري مع القضية الكردية بالرفض القاطع لتوظيفها للضغط علي بعض القوي الإقليمية – التي تضم داخل مجتمعاتها مكونات كردية –، واتجاه القيادة المصرية لتبني قيم بناءة لحل المسألة الكردية تقوم علي أسس التعايش السلمي والتعاون المشترك بما يضمن حل عادل لها.
وقد عبرت تصريحات الرئيس السيسي في الجلسة الثانية للمؤتمر الثالث لمنتدي شباب العالم، عن الرؤية المصرية للمسألة الكردية بوضوح، حين أكد أن لا أحد يستطع طمس الهوية الكردية بعد مضي 60 عاماً علي تقسيم المكون الكردي بين ثلاث دول. بيد أن الرؤية المصرية التي عبّر عنها الرئيس السيسي كانت امتداداً لموقف مصري ثابت تجاه الأكراد بالمنطقة، مهدت لتبوء مصر مكاناً خاصة لدي القادة السياسيين الأكراد علي وجه الخصوص. فمن القاهرة صدرت أولي صحيفة للأكراد في تاريخهم، جريدة “كردستان” عام 1898، وكان رئيس تحريرها هو الأمير مقداد بك بدرخان المتحدر من كردستان الجنوبية، ولم يكن في مقدور الامير الكردي وقتها إصدار صحيفته في مدينته السليمانية ولا في أي مدينة كردية أخرى.
فقد توجه الأمير الكردي إلى القاهرة المستقلة لإطلاق مشروعه الثقافي ـ السياسي الرائد باللغتين الكردية والتركية، والذي يحتفل الاكراد بذكراه كل عام مع شعور عميق بالتقدير والعرفان لمصر التي كان لها فضل في إصدار أحد أهم وثائق إثبات الهوية القومية للأمة الكردية. الزعيم الراحل جمال عبدالناصر بدوره اعتبر أن للأكراد حقوقاً لغوية وثقافية يتعين أن يتمتعوا بها في البلدان العربية التي هم مواطنون بها.
كما أتاح ناصر للأكراد ان يطلوا على العالم من خلال محطة إذاعية هي الأولى من نوعها، في عام 1957م، كما استقبل الرجل الذي أصبح لاحقا زعيما تاريخًا للأكراد وهو مصطفى بارزاني، وأنشأ علاقة متواصلة معه، بل وناهض الحرب التي شنت على الاكراد.
ففي كتابه “كردستان والحركة القومية الكردية” الصادر 1971، يقول جلال طالباني الذي قابل عبد الناصر مرات عديدة ممثلا لبارزاني وللحزب الديمقراطي الكردستاني ان عبد الناصر كان يؤيد مطلب الاكراد بالحكم الذاتي ويعارض الحرب ضدهم.
من هذا الموروث الكبير والجامع للثقة المتبادلة والدعم المبني علي أواصر البناء والحد من النزاعات، تشكلت العلاقات المصرية المعاصرة مع المكون الكردي في المنطقة، ومع تزايد التوترات بالشمال الشرقي السوري، وتعرض المكون الكردي لأخطار التغيير الديموغرافي والإبادة جراء الاحتلال التركي بمناطقهم الممتدة من الشرق السوري وصولاً للبحر المتوسط في إدلب، أجري المرصد المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية حواراً مع الملا ياسين رؤوف، القيادي الكردي وممثل الاتحاد الوطنى الكردستانى بالقاهرة.. إلي نص الحوار:
ما رأيكم في موقف الحكومة المصرية من القضية الكردية بصورة عامة؟
الموقف المصري نعرفه جيداً علي المستوي الشعبي والحكومي، فالاتحاد الوطني الكردستاني له مكتب في مصر من سنة 1997، لم يتعرض المكتب لأي مؤثرات مرتبطة بتجاذبات السياسة والوضع الإقليمي، كما رحبت بنا الحكومة المصرية، واستقبلنا الشعب المصري بكل المودة والاحترام، وهذا دليل قاطع علي تعاطف مصري مع القضية الكردية.
طول المدة التي قضيتها في مصر، ومنذ 10 سنوات وأنا مدير مكتب الاتحاد الوطني الكردستاني في مصر، أعرف رأي القيادة المصرية جيداً ما عدا فترة حكم الإخوان، كان الأمر ضبابي ولم نكن نعرف أبعاد ومستقبل التعاطي المصري معنا.
كيف تري تعاطي الرئيس السيسي مع الأزمة الكردية؟
الرئيس السيسي مبادر تجاه الأزمة الكردية ويقدم مبادرات ورؤي نعتبرها تطور إيجابي كبير وأكثر شمولية للعلاقات الكردية المصرية، وإن شاء الله نأمل تطوير هذه العلاقات علي مختلف الأصعدة والنواحي، ولاسيما السياسية والاجتماعية.
ما تقييمكم وتقييم القيادة الكردية للوساطة المصرية الأخيرة بين الدولة السورية وقوات سوريا الديمقراطية؟
الدور المصري في كل الدول العربية الآن هو دور ريادي وسيادي، وفي تصاعد مستمر في كل منطقة الشرق الأوسط، ونحن الأكراد علي المستوي القيادي والشعبوي، لا نري أحسن من دور القيادة المصرية في هذا المجال وخصوصا مع دولة عربية، فالوساطة المصرية الأخيرة صبت في مصلحة القضية الكردية والدولة السورية معاً، وهي وساطة نادراً ما تنجزها دول حولنا تريدنا ممزقين ومشتتين. ونحن نطالب بهذا الدور من فترة طويلة، دور يعزز مفهوم الدولة الوطنية الجامعة لمكونات عرقية مختلفة، مع حفظ الحقوق والواجبات.
هل هنالك تعارض بين دور مصر الداعم للدولة الوطنية والقضية الكردية؟
لا يوجد هناك تعارض بل هناك توافق، والاكراد يريدون سوريا واحدة، وهي نفس الرؤية المصرية من حيث وحدة الأراضي السورية وتماسك مؤسساتها.
رأيك في تصريحات الرئيس السيسي المرتبطة بالقضية الكردية في منتدي شباب العالم؟
أنا شكرته علي هذه التصريحات وبينت تعاطف حقيقي وشريف لهذا الشعب الكريم، والرئيس كان مُلِم ومهتم بالموضوع، وقال نحن يجب أن نأخذ حقوقنا شاملة داخل الدول التي تختضن المكون الكردي.
كقيادي كردي، كيف تري التعاطي التركي مع الملف الكردي؟
تركيا لا تعرف سوي الاحتلال والغطرسة، وتحركاتها الأخيرة هي احتلال بكل ما تحمل الكلمة من معني، فهي لا تريد للأكراد أي وجود حولها أو داخلها.
ما رأيك في الدور المصري الاقليمي في تسوية النزاعات الخاصة بالاقليات؟
مصر رجعت لدورها الإقليمي الريادي خلال الأربع سنوات الماضية، وانا كتبت ذلك للقيادة المصرية ويجب أن يستثمر الكرد في هذه المسألة والتقرب مع الحكومة المصرية، فهي تقريباً الحكومة الوحيدة التي لا توظف الأكراد في مسارات ومكاسب سياسية خاصة، بل تعي أهمية ضم المكونات الاثنية والعرقية المختلفة داخل بوتقة الدولة الوطنية، مما يقلل من الصدامات والنزعات الانفصالية ويشجع علي التآخي ووحدة الأراضي السورية والعراقية.
العلاقات المصرية مع الحكومة المركزية العراقية هل اثرت على قضية الاكراد في العراق وكيف يري الجنرال مظلوم مصر الحالية؟
اثرت بالإيجاب و دفعت لتوطيد العلاقات أكثر، فكما ذكرت، مصر دولة وطنية، وتدرك أهمية التنوع الثقافي والاجتماعي، ويمكننا القول أننا في كردستان العراق ننظر إلي مصر بعين من الاحترام والعرفان بالجميل، فلم تقترب الحكومة المصرية من بغداد إلا وكان الأكراد حاضرين في أجندتها ولم تناصبنا أبداً العداء.
الجنرال مظلوم هو بطل كردي قومي، وكلامه تجاه مصر مؤثر في القيادات الكردية كلها، حيث توجه بالشكر للقيادة المصرية العليا علي دورها في الوساطة مع الحكومة السورية وتسليم نقاط تابعة لقوات سوريا الديمقراطية لوحدات الجيش السوري في الحسكة، كلنا أمل في الجنرال مظلوم، ونتطلع إلي تنسيق عالِ في الفترة القادمة مع الدولة المصرية بعد هذه الوساطة، إذ تمت بسرعة كبيرة نتيجة لدعوة جاءت من القاهرة بعد الاجتياح التركي للشمال السوري، وقد وصل للقاهرة وقتها وفد رفيع المستوي من مجلس سوريا الديمقراطية يضم رئيسه المشترك رياض درار ورئيسة لجنته التنفيذية إلهام أحمد وعضو مجلس الرئاسة سيهانوك ديبو. في الحقيقة يجب علي كل القيادات الكردية الاستثمار في الموقف المصري، لأن القيادة المصرية أثبتت بحق أنها تهتم للأقليات دون توظيفهم في طاحون الحروب الدائرة.