كتب عربية ودولية

“عندما تكون الواقعية بديلا عن الليبرالية” الكاتب : جون ميرشايمر أستاذ العلوم السياسية في جامعة شيكاغو الكتاب : “الوهم الكبير: الأحلام الليبرالية والواقع الدولي”

عرض : عبد المنعم علي

يقدم جون ميرشايمر في كتابه The Great Delusion Liberal Dreams and International Realities” رؤيته حول الليبرالية السياسية وانعكاساتها المختلفة على السياسة الخارجية للدول خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، وتحقيقا لفهم كيفية توظيف الليبرالية في السياسة الدولية حاول الكاتب ربط ذلك بالمدرسة الواقعية ساعيا لخلق مقاربة بين تلك المدرستين في طبيعة التفاعلات الخارجية وأيهما أكثر جدوى في خضم التفاعلات البينة بين الدول.

ويعد كتاب “الوهم الكبير: الأحلام الليبرالية والواقع الدولي” للكاتب جون ميرشايمر أستاذ العلوم السياسية في جامعة شيكاغو واحدا من الكتب السياسية الحديثة في إطار العلاقات الدولية الصادرة عن جامعة ييل بالولايات المتحدة الأمريكية عام 2018.

 ونستعرض في القادم أبرز الأفكار التي تناولها الكتاب كالتالي :

(الحلم المستحيل)

يبدأ جون ميرشايمر كتابه بعرض فكرة الليبرالية السياسية والتي يراها استراتيجية طموحة، تهدف من خلالها الدولة الديمقراطية إلى تحول أكبر عدد ممكن من البلدان مثلها نحو الديمقراطية، إضافة إلى تعزيز انفتاح الاقتصاد الدولي وبناء المؤسسات الدولية. حيث تسعى الدولة الليبرالية لنشر قيمها الخاصة على نطاق واسع، ويسعى الكاتب من خلال الكتاب تفسير الكيفية التي تسعى من خلالها الدولة لنشر تلك القيم، وانعكاس ذلك على توازنات القوى السياسية.

ويرى الكاتب أن الكثيرين في الغرب، خاصة النخب الليبرالية تنظر إلى الهيمنة الليبرالية على أنها سياسة حكيمة يجب على الدول أن تعتمدها بديهيا. وذلك لأن الديمقراطية تسعى إلى نشر القيم وذلك وفقا للمنظور الأخلاقي والاستراتيجي، الذي يرى أنه من المفيد أن يتم نشرها في الدول الاستبدادية، خاصة أن السياسة الليبرالية ترى أنها الدول الديمقراطية لا تتحارب مع بعضها، وبالتالي فإنه يوفر في نهاية المطاف صيغة لتجاوز الواقعية وتعزيز السلام الدولي، حيث تسعى الدول الليبرالية إلى القضاء على الدول الاستبدادية، تحسبا لأن تساعد تلك الدول بعض القوى غير الليبرالية الموجودة داخل الدول الليبرالية، مما يجعلها عرضة للتهديد.

وبالتالي يرى الكاتب أن تلك الحكمة التقليدية خاطئة، حيث أن الدول الليبرالية نادرا ما تعمل على اتباع سياسة ليبرالية كاملة، حيث أنه في النهاية أي قوتين متواجدتين ليس لديهم خيار سوى التصرف وفقا لإملاءات الواقعية. حيث يكمن الخطر دائما في النظام ثنائي القطبية، أو متعدد الأقطاب، من أن تعتدي قوى على القوى الأخرى، حيث أن القوى العظمى في تلك الحالة تتبنى خطابا ليبراليا، إلا أنها تتصرف من منظور واقعي.

ويعتقد شامير أن الدول إذ تبنت سياسات تتعارض مع الليبرالية، فإنها غالبا ما تندم عليها فيما بعد، لكن في أغلب الأحيان تواجه الديمقراطية الليبرالية بعض التوازن فيما بين الدول.

(احتضان أمريكا للهيمنة الليبرالية)

جاء فهم السياسة الأمريكية أول هدف للكاتب لكتابة هذا الكتاب، حيث أنها بلد ليبرالي خرجت إلى حد بعيد الدولة الأقوى بعد الحرب الباردة، حيث أن انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991 هيأ وضعا مثاليا لهيمنة الليبرالية، وفقا لما يراه الكاتب.

وفي البداية ، تبنت مؤسسات السياسة الخارجية تلك السياسية الطموحة بتردد وفي نفس الوقت بتفاؤل بشأن مستقبل الولايات المتحدة والعالم، وشاركها الجمهور هذا التفاؤل في البداية، وفي هذا السياق يرى أن فرانسيس فوكايما روج لهذا المنهج في ذلك الوقت، حيث رأي في كتابه ” نهاية التاريخ”، أن الليبرالية هي من هزمت الفاشية في النصف الأول من القرن العشرين والشيوعية في النصف الثاني، وبالتالي لا بديل آخر لتطبيقها.

ويرى الكاتب عدم صحة ما قاله فوكوياما، حيث إن الليبرالية بحسب ما يراها هي من جعلت العالم أقل سلما، ومن ثم فإنه توصل إلى أن خطر تقويض الليبرالية في الداخل هو النتيجة التي ينبغي أن تسبب التخوف في قلب كل النظم الليبرالية.

                             ( الطبيعة والسياسة الإنسانية)

ينطلق الكاتب في هذا المحور من فكرة مفادها، أن المعتقدات حول الطبيعة البشرية هي اللبنات الأساسية للحجج النظرية في النظريات السياسية. وتستند تلك النظريات في فرضيتها على الصفات المشتركة بين الناس لا تلك المختلفة، وبالتالي يرى شامير أنه عند تقييم الليبرالية يجب أولا التعرف على الطبيعة البشرية والتأكد من أنها تتفق مع تلك الطبيعة أم لا، حيث يرى الكاتب أنك يمكن التعرف على الإنسان الفرنسي والروسي والإيطالي على سبيل المثال، والذي تعرف عليهم الكاتب بفضل أفكار مونتسكسو، إلا أنه لا يمكنه التعرف على الإنسان بشكل عام وعلى الصفات اللصيقة حيث يرى أن هناك اختلافات مهمة بالفعل بين الشعوب، وهذه الاختلافات هي الحجج الأساسية للكاتب في هذا الكتاب.

وبجانب الاختلافات البشرية، يفترض الكاتب أن الأفراد يعيشون في جماعات تشكل هويتهم، حيث يتم تأكيد هويتهم الجماعية جيدا، وذلك قبل التأكيد على الهوية الفردية الخاصة بهم.

ويرى الكاتب، أنه لكي يتماسك المجتمع، يجب أن يكون هناك تداخل كبير بين أفراده وكيف يفكر أعضاء المجتمع، وفي سبيل ذلك، يرى أن الثقافة هي القادرة على عقد الأفراد معا عقدا داخل المجتمع، إضافة إلى ذلك، يؤكد الكاتب أهمية المؤسسات السياسية التي تضبط السلوك المجتمعي وتضع له الأطر التي تحدده وتحافظ عليه من أي تدخلات خارجية، خاصة من تلك الجماعات والأفراد، التي تعتقد أنها وجدت الهوية والدين والأيديولوجية الحقيقة، وبالتالي تحاول غزو المجتمعات الأخرى من أجل تصدير تلك الهوية، حيث يحاولون الهيمنة على المجموعة المهزومة وسرقة استقلالها الذاتي.

ويتساءل الكاتب عن المدى الذي يمكن به تحقيق تلك الهيمنة في ضوء محاولة المجموعات الاخرى للمقاومة وضمان بقائهم. حيث يحاول أن يجيب على هذا التساؤل من خلال استعراض حجج رئيسية في الكتاب.

                                    (الشقوق في الصرح الليبرالي)

تتجسد الفكرة الرئيسية للكاتب في هذا الإطار حول الليبرالية السياسية وتقييمها كإيديولوجية سياسية، حيث يرى “ميرشايمر” أن لليبرالية السياسة عددا من العيوب تتجلى في الاهتمام الذي تمنحه للفردية أو الفرد في مقابل الدولة والوزن الذي توليه للحقوق المختلفة غير القابلة للتصرف، ويقارب الكاتب في هذا الإطار بين الليبرالية والقومية حيث يشير إلى أن الالتزام بالنزعة الفردية بعيدة المدى يدفع الليبراليين السياسيين إلى التقليل من شأن القومية التي تعد بطبيعتها أيديولوجية سياسية قوية لها تأثيراتها المختلفة داخل الدول المختلفة وفي إطار سياساتها الخارجية، وإذا ما كانت الليبرالية كأيديولوجية سياسية لها تأثيرها الكبير في الدول وسياساتها بصفة عامة فإن القومية تفرض قيوداً على تأثيرات الليبرالية بما فيها الحقوق الطبيعية، وإذا ما كانت الليبرالية تسعى لفرض أهدافها على الصعيد العالمي إلا أن تلك العالمية زائفة فإذا ما توصلت مجتمعات معينة إلى اتفاق جوهري بشأن المبادئ الأولى إلا أنها لن تحقق أبدا اتفاقا عالميا.

وانطلاقا من القصور الذي يراه ميرشايمر في الليبرالية والمتمثل بشكل كبير في فرديتها الراديكالية التي لا تولي اهتماما كبيرا لحقيقة أن البشر يولدون في جماعات وتجمعات كبيرة مما يساعد على تشكيل جوهرهم والسيطرة على ولائهم، انتقل الكاتب لتناول القومية وفكرة الأمة التي تقدم وظائف أساسيه لأعضائها تتمثل في الحفاظ على بقائهم على قيد الحياة وتلبية الاحتياجات النفسية الهامة، كما أنها تُعد إطاراً ثقافياً أساسياً يتيح لأعضائها التعاون والفعالية مما يعزز من فرص تأمين الضروريات الأساسية لهم، الأمر الذي يحقق في مجمله تماسك الدول.

                            (الليبرالية مصدر للمتاعب)

يبرز الكاتب في هذا السياق النتائج العكسية لليبرالية السياسية خاصة في خضم التفاعلات الخارجية والتي يرى أنها ممزوجة بنزعة عسكرية مما يضع على عاتق الدول تكاليف باهظة، ويرجع جون ميرشايمر تلك النزعة العسكرية الليبرالية إلى عدد من العوامل تتمثل في السعي لإضفاء الطابع الديمقراطي على العالم الأمر الذي يؤدي إلى الدخول في صراعات ونزاعات متعددة يتبعها إنهاك لقوة الدول، ويرجع العامل الثاني إلى طبيعة صناع السياسات والقرار الذين يعتقدون أن لديهم الحق والمسؤولية لاستخدام القوة العسكرية لتحقيق أهدافهم، ونتيجة لذلك فإن الرغبة في الهيمنة الليبرالية يقوض المسار الدبلوماسي في التفاعلات الخارجية وبالتالي يجعل من الصعب تسوية النزاعات مع الدول الأخرى بشكل سلمي، كما أن الليبرالية تشكل عاملاً مقوضاً للسيادة.

ويصل ” ميرشايمر”  إلى نتيجة مفاداها أن العوائد الناجمة عن اتباع الدول لسياسة أكثر ليبرالية أقل بكثير من الإضرار التي تنتجها تلك السياسية خاصة في التفاعلات الخارجية، وفي هذا السياق يُقدم الكاتب الولايات المتحدة الأمريكية نموذجاً لذلك حيث يرى الكاتب أنه منذ انتخاب بيل كلينتون نوفمبر 1992 مروراً ببوش وإدارة الرئيس السابق باراك أوباما، أنها تبنت الهيمنة الليبرالية من خلال مشاركتها في العديد من الحروب الخارجية وانخراطها في زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط الكبير بدافع تحقيق الأهداف الليبرالية وعلى رأسها تحقيق الديمقراطية إلا أن نتائج ذلك جاءت بشكل سلبي على الولايات المتحدة الأمريكية.

(نظريات الليبرالية للسلام)

يسلط الكاتب في هذا الجزء الضوء على الأدوات التي تنتهجها الدول لبناء الهيمنة الليبرالية ولعل أهمها دعم الديمقراطيات الليبرالية في العالم وزيادة عددها فضلا عن دعم النظام الاقتصادي المفتوح إلى جانب بناء المؤسسات الدولية، وينطلق الكاتب من الأداة الأولى ألا وهي بناء الديمقراطيات ووضع صيغة للسلام الدولي للحديث عن النظريات الليبرالية للسلام والمتمثلة في ثلاث نظريات رئيسية في السياسة الدولية والتي يراها في النهاية بأنها تشكل عبئا على الدول داخليا وخارجيا لكونها حافزا للانخراط في الصراعات والنزاعات المتعددة.

وتتمثل أولى تلك النظريات في نظرية السلام الديمقراطي التي تؤكد أن الديمقراطيات الليبرالية لا تنخرط في الحروب مع بعضها البعض، ولكنها لا تتوقع أي انخفاض في الحروب بين الديمقراطيات وغير الديمقراطيات، ويوضح الكاتب أن التفسير الرئيسي للسلام بين الديمقراطيات الليبرالية هو أن احترامها الكبير لحقوق الأفراد، مقترنا بتأكيدها على التسامح وحل المنازعات بالوسائل السلمية، يطغى على أي أساس منطقي قد يكون عليها أن تبدأ في الحرب. 

بينما تتجلى النظرية الثانية في الترابط الاقتصادي التي تسعى إلى الدفاع عن حق الامتلاك وتعزيز الاستثمار والتجارة بين الدول لزيادة رخاء الدول وزيادة الاعتماد المتبادل بينها الأمر الذي من شأنه يشكل عاملاً مساعداً وراء تعزيز السلام ومكافحة الحرب، فمخاوف التأثير على حالة الرخاء لتلك الدول يجعها تطفو على الاعتبارات السياسية والأمنية، وتأتي النظرية الثالثة المتمثلة في الطابع المؤسسي الليبرالي لتدلل على رغبة الدول في وضع قواعد راسخة تنص على حقوق والتزامات الأفراد وبما يساهم في تقارب الدول طوعاً لتأسيس وتفعيل المؤسسات الدولية والتي يراها الكاتب أنه لن تكون حائلاً لدفع الدول بعيداً عن الحرب.

ويشير الكاتب إلى تلك النظريات الثلاثة تتوافق مع الأدوات المختلفة التي تعتمد عليها الدول خارجياً لتحقيق الهيمنة الليبرالية، كما أنها تعترف بأن الدول لديها أحياناً خلافات سياسية أساسية الأمر الذي ربما يدفعها إلى النزعة العسكرية في تفاعلاتها الخارجية، وأنه في حال غياب المؤسسات والترابط الاقتصادي، تتبع الدول إملاءات السياسة الواقعية، كما يوضح الكاتب أن المؤسسات الدولية تُعد أدوات مفيدة للدول عندما تكون لها مصالح مشتركة وتحتاج إلى المساعدة في تحقيقها.

                                  (قضية ضبط النفس)

يعد هذا الجزء هو المحور الأساسي للكتاب حيث يسعى الكاتب إلى الإجابة عن تساؤل رئيسي يتمثل في مدى احتمال أن تبتعد الولايات المتحدة الأمريكية عن الهيمنة الليبرالية والاعتماد على سياسة خارجية واقعية؟، وهو ما ربطه الكاتب باعتبارين الأول يتمثل في الهيكل المستقبلي للنظام الدولي والتوزيع العالمي للسلطة، والثاني درجة الحرية التي تتمتع بها الدول الليبرالية في اختيار السياسة الخارجية.

ويربط الكاتب بين سعي الدول لتحقيق الهيمنة الليبرالية وبين طبيعة النظام الدولي حيث يرى أنه لا يمكن لدولة قوية أن تسعى إلى الهيمنة الليبرالية إلا في نظام قطبي أحادي لا داعي فيه للقلق بشأن التهديدات التي تشكلها القوى العظمى الأخرى، وفي حال ما إذا كان النظام الدولي ثنائي القطبية أو متعدد الأقطاب فإنه ليس أمام القوى العظمى خيار سوى التصرف وفقا لما يمليه الواقعية بسبب وجود حالة من التنافس بينهم ويرجح الكاتب التعددية القطبية كبديل للأحادية التي شهدها النظام الدولي إبان سقوط الاتحاد السوفيتي ويدلل على ذلك بصعود الصين وعودة روسيا (بوتن) إلى الساحة الدولية مرة أخرى.

وفي إطار تناوله للواقعية كأحد النظريات المواجهة لليبرالية فإنه يرى أن هناك خطأ حول ربط الواقعية بالتنافس والصراع وإن كانت الحرب في المدرسة الليبرالية أداة لفن الدولة ويمكن استخدامها للحفاظ على توازن القوى، إلا أنها تعد أقل نزعة للبعد العسكري من الليبراليين الذي يراهم يسعون لاستخدام القوة لتعزيز السلام الدولي، ودلل “ميرشايمر” على ذلك برفض الواقعين للغزو الأمريكي للعراق عام 2002.

 ويرى الكاتب أن المصلحة الدولية في فرض ميزان قوى يحقق الاستقرار فيجب اتباع المدرسة الواقعية في التفاعلات الخارجية، فالواقعيون الأكثر تشددا وفقا للكاتب أقل احتمالا للدعوة إلى الحرب من الليبرالية وذلك لكون القوى العظمى التي تعمل بموجب الإملاءات الواقعية تهتم أساسا بزيادة حصتها إلى أقصى حد من القوة العالمية، ولا يوجد سوى عدد محدود من المناطق التي ينبغي أن تكون مستعدة فيها للمخاطرة بحرب والمتمثلة في  المناطق ذات الطبيعة والأهمية استراتيجية والحيوية منها أوروبا وشرق آسيا، لوجود عدد من القوى العظمى الأخرى داخل تلك الرقعة، أيضاً  الخليج، لأنه هو المصدر الرئيسي لمورد مهم للغاية، والنفط، ووفقا لذلك فإن الكاتب يرى أنه لا ينبغي للولايات المتحدة أن تخوض الحروب في أفريقيا أو آسيا الوسطى أو في مناطق الشرق الأوسط التي تقع خارج الخليج.

ويصل الكاتب إلى نتيجة مفاداه أن الفهم السليم للعلاقة بين الليبرالية والقومية والواقعية يوحي بأنه حتى القوى الأقوى على هذا الكوكب – بما في ذلك الولايات المتحدة – يجب أن تتبع سياسة ضبط النفس الخارجية وأي بلد لا يفهم تلك الرسالة الأساسية ويحاول بدلا من ذلك تشكيل العالم على صورته الخاصة من المرجح أن يواجه مشاكل لا تنتهي.

                       إلى أين تتجه الولايات المتحدة)؟)

طرح John J. Mearsheimer في نهاية كتابه تساؤلا حول توجه السياسة الخارجية الأمريكية والتي يرى الكاتب أنها تعتمد بشكل كبير على مقاومة أي تحرك يهدف إلى التخلي عن الهيمنة الليبرالية واعتماد سياسة خارجية تقوم على الواقعية، فكلا الحزبيين (الديمقراطي والجمهوري) يهدفان إلى تعزيز الليبرالية خارجيا على الرغم من أن تلك السياسة باتت غير ناجحة في العديد من المواقف.

ويؤكد الكاتب في هذا السياق على أنه وعلى الرغم من أن الرأي العام الأمريكي يميل إلى تفضيل ضبط النفس، إلا أن النخب الحاكمة لا تولي اهتماما كبيرا للرأي العام – حتى تضطر إلى ذلك – عند صياغة السياسة الخارجية ومع ذلك، هناك سبب وجيه للاعتقاد بأن هذا الوضع على وشك أن يتغير، لأسباب خارجة عن سيطرة مؤسسة السياسة الخارجية يتمثل في طبيعة وهيكل النظام الدولي الذي يبدو أنه يتجه نحو تعدد الأقطاب، بسبب صعود الصين اللافت للنظر وعودة روسيا الاتحادية ومن المرجح أن يعيد هذا التطور الواقعية إلى الصدارة في واشنطن، حيث أنه من المستحيل السعي إلى الهيمنة الليبرالية عندما تكون هناك قوى عظمى أخرى في النظام الدولي.

وفي الختام قدم Mearsheimer عددا من التوصيات بشأن سلوك السياسة الخارجية الأمريكية مستقبليا تتجلى في:

 أولا: ينبغي على الولايات المتحدة أن تتخلى عن طموحاتها الكبرى في الهيمنة الليبرالية حيث أثبتت تلك السياسة فشلها فضلا عن كونها عاملا مساعدا نحو تورط الولايات المتحدة في العديد من الحروب التي تحمل الخزانة الأمريكية أعباء مالية.

ثانيا: ينبغي على واشنطن أن تعتمد سياسة خارجية أكثر تقييدا تقوم على الواقعية وفهما واضحا لكيفية تقييد القومية حيث أن السياسة الخارجية الممزوجة بالواقعية ستقلل الحروب الخارجية الأمريكية وتحقق نجاحات دبلوماسية أكثر من تلك السياسات القائمة على الليبرالية، وبالتالي يجب على للولايات المتحدة أن تتعلم فضيلة ضبط النفس.


كاتب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى