
القمة الخليجية… وكيف تسعى “قطر” لتحييد “السعودية” لتفتيت “الرباعي العربي” لصالح “تركيا”
ترأس اليوم، الثلاثاء، الشيخ عبدالله بن ناصر بن خليفة آل ثان، رئيس مجلس الوزراء القطري ووزير الداخلية، وفد دولة قطر في القمة الخليجية الـ 40 المقامة في العاصمة السعودية الرياض، وذلك بعد أن أنهت وكالة الأنباء القطرية الجدال المثار حول احتمالية مشاركة وحضور تميم بن حمد آل ثان، أمير دولة قطر، في أعمال القمة الخليجية، وأكدت قبل انطلاق الاجتماعات الرئيسية للقمة عدم حضوره وتكليفه رئيس الوزراء علي رأس وفد يضم وزير الدولة القطري للشئون الخارجية سلطان بن سعد المريخي.
وبحسب المعلن وقتها كان من المفترض أن يترأس المريخي وفد قطر، كما حدث في قمة العام الماضي، إلا أن ذلك تغير بوصول رئيس الوزراء القطري.
وكان رئيس الوزراء القطري قد ترأّس وفد بلاده في سلسلة اجتماعات في مكة في مايو الماضي لبحث التوترات بين دول الخليج، في أول تمثيل قطري رفيع المستوى بين البلدين منذ مقاطعة مصر والإمارات والسعودية والبحرين لقطر سياسياً واقتصادياً في مطلع يونيو من العام 2017، بعد توجيه الرباعي اتهامات دعم التنظيمات الإرهابية والعبث بمنظومة الأمن القومي العربي حسب مخطط مدروس.
لكن المسؤول القطري لم يحظ حينها بالاستقبال ذاته الذي حظي به اليوم، الثلاثاء، في الرياض. وقد غادر آنذاك الوفد القطري الجلسة الافتتاحية لقمّة دول منظمة التعاون الإسلامي في مكة، بينما كانت تنقل مباشرة على الهواء، ما أثار ردود فعل مندّدة بالخطوة على وسائل التواصل الاجتماعي.
بيد أن هنالك ثلاثة مؤشرات قد أعادت الحديث عن احتمالية تحقيق انفراجة بالأزمة مع دولة قطر، كانت كالاتي:
- زيارة سرية:
زيارة سرية قام بها وزير الخارجية القطري للرياض الشهر الماضي، وقد نقلتها صحيفة الوول ستريت جورنال. التقي فيها الوزير القطري مسؤولين رفيعي المستوي بالمملكة السعودية، وقدم تعهد بقطع علاقة قطر بتنظيم الإخوان المسلمين نظير وضع نهاية لمقاطعة الرباعي للدوحة.
أثارت الزيارة السرية والإعلان عنها قبل موعد انطلاق أعمال القمة الخليجية الـ 40 الكثير من التكهنات حول مستقبل الأزمة ومصير المطالب الـ 13 التي قدمتها كل من مصر والإمارات والسعودية والبحرين لإعادة العلاقات مع دولة قطر. بيد أن المطالب المشار إليها تضمنت إغلاق القاعدة العسكرية التركية في الدوحة وتحجيم العلاقات مع إيران وعناصر الحرس الثوري الإيراني، وإغلاق قناة الجزيرة والمواقع المرتبطة بها ووقف دعم وتمويل التنظيمات الإرهابية.
طوال العامين ونصف، راوغت قطر ولم تستجب لمطالب الدول الأربعة وفضلت تعميق العلاقات والشراكات مع كل من تركيا وإيران.
- مشاركة منتخبات السعودية والإمارات والبحرين في خليجي 24
شاركت السعودية والإمارات والبحرين في كأس الخليج لكرة القدم في قطر هذا الشهر، قبل أن يعلن وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني عن إحراز “بعض التقدم” خلال مباحثات مع السعودية. وكان من المقرر أن تغيب منتخبات البحرين والسعودية والإمارات عن البطولة الخليجية هذا الشهر نظرا لقطع هذه الدول علاقاتها الدبلوماسية مع قطر. لكن الدول الثلاث عادت وقررت المشاركة للمرة الأولى بمنتخباتها الوطنية في بطولة تستضيفها قطر منذ 2017.
- استقبال العاهل السعودي لرئيس الوفد القطري
استقبل العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز رئيس الوزراء القطري الشيخ عبد الله بن ناصر بن خليفة آل ثاني لدى وصوله إلى المطار في العاصمة السعودية. في سابقة لم تحدث طوال فترة المقاطعة، في تطور يمكن ربطه بالزيارة السرية والمباحثات التي قام بها وزير الخارجية القطري مع كبار المسؤولين السعوديين قبل شهر من انطلاق أعمال القمة الخليجية.
دفعت المسارات الثلاثة السابقة إلي رفع احتمالات أن يشارك أمير دولة قطر في الاجتماعات الرئيسة للقمة الخليجية، وتباعاً تحقيق تقدماً ملموساً لحل الأزمة، لكنه تغيّب وأناب رئيس الوزراء عنه، ليعود النقاش حول أسباب تحركات الدوحة الأخيرة لحلحلة الأزمة ومصير المطالب الـ 13 لدول المقاطعة.
قطر والتنصل من العهود والمواثيق
كشفت وثائق اتفاق الرياض عام 2013 وملحق الآليات التنفيذية له لعام 2014 عن توقيع الأمير تميم بن حمد، أمير قطر ووزير خارجيته آنذاك محمد العطية على بند يعطي الحق لدول التعاون الخليجي إجراء تدابير لحفظ أمنها القومي في حال عدم التزامها بما جاء في هذا الاتفاق.
وينص هذا البند على أنه “في حال عدم الالتزام بهذه الآلية، فلبقية دول المجلس اتخاذ ما تراه مناسبا لحماية أمنها واستقرارها”.
وأظهرت الوثائق تعهد أمير قطر خطيا بتنفيذ بنود الاتفاقية أمام قادة دول الخليج. ووقع أمير قطر على بند يمنح دول الخليج الحرية في اتخاذ إجراءات ضد قطر في حال عدم التزامها وأبرز بنود الوثائق وقف دعم تنظيم الإخوان، وطرد العناصر التابعة له من غير المواطنين من قطر.
بيد أن قطر لم تلتزم ببنود اتفاق الرياض 2013 والاتفاق المكمل له في السنة التالية، بل أن السنوات من 2013 حتي 2019 شهدت أعلي سقف لعلاقات وارتباطات قطر بكل من تركيا وإيران وتنظيم الإخوان المسلمين.
هل تتجه قطر لفك الارتباط بين دول المقاطعة بمحاولة تحييد السعودية؟
دفعت التحركات القطرية الأخيرة، واهتمامها بالجانب السعودي دوناً عن مصر والإمارات والبحرين، التساؤلات حول مستقبل التفاهمات بينهما، ولاسيما بعد خفض دولة لقطر في الأونة الأخيرة لحمالاتها الإعلامية ضد دول الرباعي ولاسيما السعودية.
وبالرغم من تاريخ التنصل من الاتفاقات والعهود والمواثيق الشفهية والمكتوبة الرسمية للدوحة، إلا أنها لم تمنع بشكل أو بآخر اهتمام المسؤولين السعوديين بما قد تقدمه من عروض لحل الأزمة دون تحقيق وتنفيذ المطالب الـ 13 لدول المقاطعة.
حيث صرح وزير الخارجية القطري، الجمعة الماضية، بأن هناك محادثات قد جرت مع السعودية من أجل إنهاء الأزمة معربًا عن أمله في حدوث نتائج إيجابية. وأشار خلال كلمته بمنتدى حوار المتوسط بالعاصمة الإيطالية روما، إلى أن المحادثات انتقلت من “طريق مسدود في إلى الحديث عن رؤية مستقبلية بشأن العلاقات”. وكان وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية عادل الجبير، قال في كلمته بحوار روما، إن المملكة وجهت دعوة لأمير قطر لحضور قمة مجلس التعاون الخليجي، مضيفا في الوقت ذاته: “لكن تغير موقف من قطر مرهون بخطوات منها”.
تدفع المحاولات القطرية الأخيرة واهتمامها بإحراز تقدم مع الجانب السعودي بعينه، إلى اعتبار أنها تريد الانتقال من تنفيذ المطالب الـ 13 للحديث عن تطبيق رؤي مستقبلية تقوم على مزاعم التخلي عن تنظيم جماعة الإخوان المسلمين وفك ارتباطها الاستراتيجي به علي نحو مغاير لوقائع التاريخ والحاضر.
وفي هذا الصدد، غرّد قال وزير الدولة للشئون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش، إن “الالتزام بالعهود واستعادة والمصداقية والتوقف عن دعم التطرف هو بداية العلاج” للأزمة في مجلس التعاون الخليجي.
وكتب قرقاش “تشخيص حالة مجلس التعاون لمن يريد أن يكون صادقا وأمينا أساسه تغليب مصلحة المجلس، والمسؤولية تبدأ ممن كان سبب الأزمة بمراجعة سياساته الخاطئة التي أدت إلى عزلته”. كما أفاد في آخر تغريداته بعد انتهاء اعمال القمة الخليجية، أن أزمة قطر مستمرة، وأن غياب أمير دولة قطر، تميم بن حمد، مرده سوء ويبقي الأساس في الحل ضرورة معالجة جذور الأزمة بين قطر والدول الأربع.
في إشارة إلى الموقف الإماراتي الرسمي الرافض والحذر أكثر تجاه المبادرة القطرية الأخيرة، حيث كان من المقرر عقد دورة القمة الخليجية الحالية في الإمارات وقد تقرر نقلها للرياض قبل أسابيع من انطلاقها.
بدّوره، قال وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، أنه يفضل إبقاء موضوع مفاوضات حل الأزمة الخليجية بعيداً عن الإعلام.
أما عن الموقف البحريني، فقد أعلن وزير الخارجية البحريني خالد بن أحمد آل خليفة عن أسفه لعدم جدية دولة قطر في إنهاء أزمتها مع الدول الأربع، وهو الأمر الذي كان واضحًا تمامًا في طريقة تعاملها مع الدورة الأربعين للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج، وسلبيتها الشديدة والمتكررة بإرسال من ينوب عن أميرها دون أي تفويض يمكن أن يسهم في حل أزمتها”.
وشدد وزير الخارجية البحريني “دولنا تتمسك تمامًا بموقفها وبمطالبها المشروعة والقائمة على المبادئ الست الصادرة عن اجتماع القاهرة في الخامس من يوليو من العام 2017”.

ختاماً، مازال الارتباط الاستراتيجي بين كل من قطر وتركيا موجوداً وشاغلاً محوراً من المحاور الإقليمية في الشرق الأوسط والمنطقة العربية، وعلي إثره تتغذي الفواعل العنيفة من غير الدول من التنظيمات الإرهابية والجماعات المسلحة المنضوية تحت لواء مشروع “الإسلام السياسي” والذي توظفه كلتاهما لتحقيق مكاسب سياسية خاصة بهما في المنطقة وتشكل العامل الرئيسي لنشر الفوضى والاقتتال المسلح. وقد عبرت عن ذلك بتبنيها موقعاً محورياً في المشاريع التركية والإيرانية بالمنطقة والتي تمس صميم الأمن القومي العربي والإقليمي. بشكل يجعل من مبادرات التخلي عن تنظيم الإخوان المسلمين وخفض حدة التصعيد الإعلامي تجاه دول المقاطعة، محاولة منها لإضعاف محور الرباعي، أكثر منه تقديم حلول جدية عبرت عنها المطالب الـ 13 المقدمة منذ يونيو 2017. ما يدفع أكثر نحو تسويات الحد الأدنى والتي تفزر بدورها محفزات استمرار الأزمة. وهو ما انعكس علي البيان الختامي لأعمال القمة الخليجية والذي ركز علي الجوانب الاقتصادية والأمنية أكثر منه علي التوصل لآلية إلزامية لحلحلة الأزمة.