
الاستثمار المائي نافذة نحو المستقبل
يمثل الوصول إلى المياه العذبة تحدي هائل أمام الدول النامية، حيث ذكر تقرير Global Risks الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2015 أن أزمة المياه العالمية تعد تهديدا كبيرا يواجه كوكب الأرض على مدار العقد القادم. حيث أن هناك 785 مليون شخص يفتقرون إلى خدمات مياه الشرب الأساسية، وما لا يقل عن ملياري شخص يستخدمون مصادر مياه الصرف الصحي لأغراض الشرب، وهو ما يؤدي إلى موت حوالي 485 ألف شخص كل عام بسبب الأمراض المرتبطة بمياه الشرب الملوثة، بينما تتمثل المشكلات المرتبطة بالمياه في هذه المناطق في صعوبة توفير مياه الشرب وأنظمة الصرف الصحي لسكانها.
وأشار تقرير البنك الدولي إلى أن هناك حوالي 4 مليار إنسان يعيشون في المناطق الحضرية، وهو ما يوازي نصف سكان العالم، ويعيش 500 مليون منهم في المناطق الساحلية المُعرضة للفيضانات والمياه الجوفية الملوثة وذلك نتيجة لتسرب المياه المالحة، مما تسبب في زيادة حالات الإصابة بالإسهال والكوليرا والملاريا.
تحديات متعارضة
أوضح تقرير أجراه دانيال ف. روند مدير برنامج التنمية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية وكريستوفر ميتزجر الباحث في برنامج التنمية، أن المجريات التي تشغل الساحة الدولية الآن تُبرز تحديان أحدهما هو ازدياد الطلب على مياه الشرب النظيفة مع ارتفاع عدد سكان العالم، إلى جانب الانخفاض المتزايد في رقعة المياه العذبة. وهو ما يضعنا أمام تساؤل هام جدًا وهو لماذا تتجه البرامج التنموية التي تهتم بالمياه والنظافة والصرف الصحي إلى المناطق الحضرية بعد انسحابها من المناطق الريفية؟
فقد أوضحت الأمم المتحدة أن التحديات التي تواجه الكوكب الآن هي توفير مياه الشرب وتوفير مرافق الصرف الصحي المناسبة في المدن ورداءة البنية التحتية الموجودة، إلى جانب ندرة الموارد الطبيعية، والتلوث وارتفاع تكاليف النقل. بينما أوضح صندوق الإعانة الأمريكية USAID أن ضعف الوصول إلى المرافق الصحية والنظافة يكلف الاقتصاد العالمي حوالي 220 مليار دولار في السنة.
بل ودعت الحاجة إلى إنشاء عدد من المدن الجديدة حول العالم مما تطلب إيجاد شبكة من البنية التحتية المتكاملة والتي ستخدم قاطني هذه المدن، ولعل المثال الأوضح هو بناء مدينة مونروفيا كعاصمة لليبيريا عام 1824، مما أدى بهم إلى توفير الخدمات العامة، من مياه نظيفة، وصرف صحي، والإسكان وذلك ليخدم أكثر من مليون ونصف مواطن. بعد إتمام عملية بناء البنى التحتية الجديدة لشبكات المياه والصرف الصحي في مدينة مونروفيا بصعوبة بالغة بشكل بدائي، حيث تم بناءها من شبكات توزيع المياه الموجودة تحت الأرض باستخدام أدوات بداية، وتم تأجيل صيانتها لسنوات طويلة، مما أدى إلى انهيار واهتراء معظمها في السنوات المتتالية.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إنما أوضحت الدراسات أن الفئات الضعيفة من النساء والأسر ذات الدخل المنخفض واللاجئين هم أكثر الفئات تأثرًا بمشكلات المياه والصرف الصحي، حيث تقضي السيدات حوالي 200 مليون ساعة كل يوم في جمع المياه لتوصيلها لمنازلهن، وعلى الجانب الآخر تحظى الأسر ذات الدخل المنخفض في المناطق الحضرية بفرص أقل للحصول على الخدمات، فغالبًا ما تقوم بدفع 10 إلى 20 ضعف من دخولها للحصول على خدمات المياه والصرف الصحي.
ومن هذا المنطلق فإن التحديات التي تتعلق بتوافر مياه نظيفة والصرف الصحي والتلوث وتغير المناخ، فإنه من المُلاحظ أن مصادر المياه في المناطق الحضرية غالبًا ما توجد على طول الساحل، وهو ما يسمح للقمامة والمواد الكيميائية والمياه المالحة بتلوث المياه الجوفية. أكثر الأمثلة وضوحًا في هذا المجال هو الهند، حيث أنها واجهت الهند تلوث واستنفاد لشبكات المياه الطبيعية. وفقًا للمجلس المركزي الهندي لمكافحة التلوث، فإن هناك 63 % من مياه الصرف الصحي تتدفق إلى الأنهار في المناطق الحضرية كل يوم بدون معالجتها، وهو ما أدى إلى تلوث 70 % من المياه في الهند، واحتلت الهند المركز الـ 120 من أصل 122 دولة في نوعية المياه، وكذلك فإن هناك 21 مدينة في الهند ستنضب فيها المياه الجوفية بحلول عام 2020، وهو ما سيؤثر بدوره على حوالي 100 مليون شخص.
الاستثمار المائي فرص ضائعة
أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان لأول مرة عام 2010 بحق الإنسان في الحصول على مياه شرب نظيفة كجزء من القانون الدولي، بينما اعترفت الجمعية العامة للأمم المتحدة كذلك بشكل صريح بحق الإنسان في الحصول على خدمات الصرف الصحي عام 2015، وهو ما أثار اقتراحات حول اعتبار مياه الشرب مجانية؛ لأنها حق من حقوق الإنسان. تقع مسؤولية إنشاء شبكات المياه والصرف الصحي على الحكومات الوطنية، وبالتالي فهي تُعاني من افتقارها للتمويل المستدام، وليس هذا فحسب، وإنما تشتمل مصادر التمويل إلى جانب الحكومات الوطنية على التعريفات والرسوم والخدمات التي يدفعها مستخدمو المياه والصرف الصحي، وكذلك عائدات الضرائب المحلية والمنح الخارجية.
أظهر تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية أن نسبة التكلفة إلى الفوائد تُقدر بـ 5.5 و2.0 لتحسين الصرف الصحي وتنقية مياه الشرب، وهو ما يضع الدول في أزمة تمويل، حيث تعتمد العديد من الدول على الجهات الفاعلة والمانحة الخارجية، حيث أن هذا النوع من التمويل لا يكفي، إلى جانب كونه غير مستدام.
انخفضت المساعدات الإنمائية الرسمية لنظام المياه والصرف الصحي لأول مرة منذ عام 2011 في عام 2017، حيث وصلت إلى 4.9 مليار دولار، بينما يُقدر البنك الدولي التكلفة السنوية التي يتطلبها تحقيق الهدفين الأولين من الهدف السادس في أهداف التنمية المستدامة والمرتبطة بشكل مباشر بالمياه ومشروعاتها ستحتاج إلى 114 مليار دولار كل عام، وهو ما يُعادل ثلاثة أضعاف مستويات الاستثمار الحالية، وهو ما لا يشتمل على تكاليف التشغيل والصيانة والبنية التحتية.