
توجهات المفوضية الأوروبية برئاسة الألمانية ” أورسولا فون دير لاين “
تبدأ الألمانية “أورسولا فون دير لاين”، عملها كرئيسة المفوضية الأوروبية بداية شهر ديسمبر، بعد موافقة 461 من نواب البرلمان الأوروبي مقابل 157 صوتوا ضدها، فيما امتنع 89 عن التصويت، على ترشيحاتها الخاصة بتولي المناصب داخل المفوضية؛ حيث جرى انتخابها في يوليو 2019، ولكن تم تأجيل تسلم مهامها لمدة شهر لحين التوافق على المناصب الجديدة مع البرلمان الأوروبي، لتعد أول سيدة يتم اختيارها لهذا المنصب لمدة خمس أعوام مقبلة.
وسيضم الفريق الجديد للمفوضية 26 مفوضًا بجانب الرئيسة، ولكن لن يضم أي ممثل من بريطاني بالرغم من كونها مازالت عضوًا في الاتحاد، وشاركت في انتخابات البرلمان الأوروبي، إلا إنها رفضت ترشيح أي ممثل عنها. وقد حصلت “فون دير لاين” على تأييد حزب الشعب الأوروبي الذي يمثل يمين الوسط، ويعد أكبر كتلة سياسية داخل البرلمان الأوروبي والبالغ عددهم 182، بجانب دعمها من قبل الاشتراكيين الديمقراطيين وعددهم 154، فضلاً عن 108 من النواب الليبراليين.
أدوار متعددة للمفوضية الأوروبية
تعد المفوضية الأوروبية الجهاز التنفيذي المسئول عن وضع مقترحات للتشريعات الأوروبية الجديدة، وتعمل على تنفذ قرارات البرلمان الأوروبي ومجلس الاتحاد الأوروبي. وتستند عملية صنع القرار على أساس المسئولية الجماعية. فجميع المفوضين متساوون في عملية صنع القرار، ومسؤولون بنفس القدر عن القرارات، وليس لديهم أي صلاحيات فردية لصنع القرار، إلا عند التصريح في حالات معينة، كما تتمثل أهميتها على النحو التالي.
- اقتراح قوانين جديدة؛ تعتبر المفوضية المؤسسة الوحيدة في الاتحاد الأوروبي التي تضع القوانين الخاصة بحماية مصالح الاتحاد، ومواطنيه في القضايا التي لا يمكن التعامل معها بفعالية على المستوى الوطني. ويتم اعتمادها من قبل البرلمان والمجلس.
- إدارة السياسة المالية للاتحاد الأوروبي؛ تعمل المفوضية على تحديد أولويات الإنفاق في الاتحاد الأوروبي، مع المجلس والبرلمان. وتضع الميزانيات السنوية للموافقة عليها. علاوة على الإشراف على كيفية إنفاق الأموال، تحت التدقيق.
- تنفيذ القوانين الأوروبية؛ تتشارك المفوضية مع محكمة العدل، لضمان تطبيق قانون الاتحاد الأوروبي بشكل صحيح في جميع الدول الأعضاء.
- تمثيل الاتحاد الأوروبي دوليًا؛ تُمثل جميع دول الاتحاد الأوروبي في الهيئات الدولية، على الصعيد السياسي والتجاري والإنساني، كما تتفاوض على الاتفاقيات الدولية للاتحاد الأوروبي.
أولويات جيوسياسية لـ “فون دير لاين”
طرحت “فون دير لاين” عدد من القضايا ستكون ذات أولوية خاصة لها، مُوضحة “إذا قمنا بالعمل بشكل جيد فينعكس ذلك على أوروبا التي ستصبح أول قارة في العالم محايدة من الكربون بحلول 2050، وستكون قوة من الصف الأول في القطاع الرقمي، وستكون الاقتصاد الناجح الذي يوازن بين السوق والجانب الاجتماعي، وعليه ستكون قائدة في عملية صنع القرار العالمي “وذلك من خلال عدد تبني مجموعة من السياسات على النحو التالي:
- السياسة الخارجية للاتحاد؛ طرحت “فون دير لاين” إمكانية زيادة الإنفاق الخارجي بنسبة 30%، لتحويل أوروبا إلى فاعل جيوسياسي قوي، لديه القدرة على التأثير والتفاعل في التطورات المتلاحقة على الصعيد الدولي والإقليمي.
- الأمن والدفاع الأوروبي؛ أنشأت المفوضية الأوروبية الجديدة أول مديرية عامة للصناعات الدفاعية والفضائية، لتطوير سوق المعدات الدفاعية المحلية. كما تعد تتويجًا لعدة سنوات من السعي الأوروبي حول كيفية تزايد دوره على الصعيد الدفاعي والأمني. وسيرأسها الفرنسي “تييري بريتون” وزير الاقتصاد والمالية والصناعة السابق. وتركز أنشطتها على سوق الدفاع بدلاً من التركيز على سياسة الدفاع في حد ذاتها. لأن تنظيم السوق هو مجال خبرة للمفوضية وولايتها القانونية. فضلاً عن المساهمة في تطوير سوق معدات الدفاع لزيادة المنافسة وتقليل الازدواجية وخفض الأسعار.
- نظام اللجوء والهجرة؛ تسعى المفوضية إلى إصلاح نظام الهجرة واللجوء، لإنها أزمة مستمرة ولن تنتهي، كما سيتعين على الدول دمج المهاجرين داخل المجتمع الأوروبي، مع إمكانية عودة بعضهم إلى ديارهم.
- القطاع السيبراني؛ أوضحت إنها ستعمل على أتمتة الأعمال المجهدة للبشر، مثل الأحمال الثقيلة، وأداء المهام المتكررة في المصانع، لتوفير الوقت للإبداع والابتكار، مع اتخاذ عدد من التدابير لضمان الاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي، والإجراءات الخاصة بحماية الأمن السيبراني للتخفيف حدة المخاطر التي تتعرض لها شبكات الجيل الخامس 5G. وذلك استكمالًا لخطة “جان كلود يونكر” المنتهية ولايته المتعلقة بإصلاح قواعد الأمان لشبكات الجيل الخامس، في سياق التنافس الأميركي الصيني الذي عرض أوروبا لضغوط من نظرائهم الأميركيين لوقف التعاون مع شركة “هواوي” الصينية.
- الإصلاحات المالية؛ تسعى “فون دير لاين” إلى إعادة هيكلة وتحديث ميزانية الاتحاد الأوروبي، بزيادة الإنفاق على الابتكار مقابل تخفيض الإنفاق على المخصصات الزراعية، لضمان قدرة الصناعة الأوروبية على مواكبة المنافسين العالميين، بالإضافة إلى وضع قانون بشأن الحد الأدنى للأجور عادلة، وتدابير الشفافية الملزمة في الأجور لتعزيز المساواة بين الجنسين.
- تغير المناخ؛ أعربت عن أهمية التعامل مع تطورات التحول المناخي من خلال طرح ما يعرف باسم “الصفقة الخضراء” لإعادة تشكيل جميع جوانب الحياة الأوروبية في محاولة للحفاظ على الكوكب، لإنهاء تزايد الانبعاثات الكربونية بحلول منتصف القرن؛ قائلة إنها “مسألة وجودية لأوروبا والعالم؛ حيث يعيش ما يقرب من 85% من الأشخاص في فقر مدقع في البلدان العشرين الأكثر عرضة لتغير المناخ.
- البريكست؛ أوضحت أن علاقات الصداقة والصلات الممتدة بين الشعوب الأوروبية غير قابلة للكسر، مُتعهدة بالعمل بشكل وثيق مع المملكة لتنسيق عملية الخروج من الاتحاد، ومواجهة التحديات المشتركة، وخاصة فيما يتعلق بالمسائل الأمنية.
تحديات متداخلة
بالرغم من الرؤى الطموحة التي تسعى “فون دير لاين” التي تسعى من خلالها على جعل الاتحاد الأوروبي قوى رائدة في التوازنات العالمية، إلا إنه من المرجح أن تواجه عدد من التحديات خاصة مع وضعها عدد من الأولويات سيتم التعامل معها خلال أول 100 من أجل الفوز بتصويتها المؤكد في يوليو 2019 تتجسد في:
- تعقيدات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، واحتمالات الجمود السياسي الذي من الممكن أن تتعرض له بعد الانتخابات الوطنية المقرر انعقادها في 12 ديسمبر 2019؛ حيث يصعب التنبؤ بالخطوات المقبلة للاتحاد، ومدى استجابة المفوضية لإجراءات الخروج.
- التحدي القانوني لغياب مفوض للمملكة المتحدة داخل المفوضية الأوروبية ليمثلها، الأمر الذي سينعكس على عملية صنع واتخاذ القرار داخلها.
- من المرجح أن تواجه عثرات في سياسة الاتحاد الخارجية في سياق رفض الدول الأعضاء زيادة مخصصاتها، وتحمل جزء من الأعباء الخارجية، كما سيترك رحيل بريطانيا فجوة في الميزانية قد تتطلب مدفوعات متزايدة لتغطية البرامج الحالية فقط.
- التخوف من تمرد أحزاب الخضر في التعاون مع المفوضية في سياساتها المناخية التي تسعى إلى تنفيذها لكي تكون أوروبا خالية من الانبعاثات الكربونية، وذلك بعد امتناع بعضهم عن التصويت لصالح “فون دير لاين”.
- مقاومة مقترحاتها بشأن خفض مخصصات الإنفاق لصالح قطاع الزارعة مقابل توجيهها لصالح الابتكار في سياق استراتيجيتها المرتكزة على “السيادة التكنولوجية“، وخاصة من فرنسا وبولندا وإيطاليا وإسبانيا والعديد من برلمانيين الاتحاد الأوروبي.
- تنامي حالة عدم التوافق بين دول الأوروبية، على أهداف “فون دير لاين” المتمثلة في تحسين دفاع الاتحاد الأوروبي والتنسيق الأمني. فهناك ثلاثة معسكرات. الأول يشمل فرنسا التي تسعى إلى تحقيق “الاستقلال الاستراتيجي” الأوروبي وإنهاء الاعتماد على الولايات المتحدة. والثاني الذي تجسده بولندا وترغب في “العبودية الاستراتيجية“، من خلال شراء المزيد من المعدات الأميركية لإبقاء الولايات المتحدة منخرطة في القارة. أما الثالث، الذي تمثله ألمانيا، فيدافع عن “الصبر الاستراتيجي“، استنادًا إلى الأمل في أن رحيل “دونالد ترامب” سيسمح بالعودة إلى الحياة الطبيعية. وذلك بالتزامن مع انعقاد قمة الناتو في لندن في 3-4 ديسمبر 2019، فمن الناحية الرسمية، ليس للمفوضية مقعد على طاولة الناتو، لكن المناقشة، التي من المتوقع أن تتناول الانتقادات الأخيرة للتحالف من قبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يمكن أن يكون لها انعكاسات كبيرة عليها.
- عدم القدرة على إقناع الدول الأوروبية بحلول نهاية العام حول ما يسمى بـ “مجموعة أدوات الأمان 5G “. فمن بين الأفكار المقترحة، توصيات لوضع مراجعة للأمن القومي لصفقات الاتصالات وتنفيذ متطلبات تقنية أكثر صرامة على مستوى الاتحاد الأوروبي لمورديين مثل Huawei.
- ستكون العلاقة مع حلف شمال لأطلسي تحديًا آخر للمفوضية فيما يتعلق بعملية التخطيط والتنسيق العسكري؛ حيث يعمل الناتو والاتحاد الأوروبي معًا على “الحراك العسكري” لتيسير عبور الأفراد والمعدات للحدود داخل أوروبا وبالتالي الاستجابة بشكل أسرع للأزمات. وقد أطلقت المفوضية خطة للتنقل العسكري في مارس 2018، تلزم نفسها بتحديد الأجزاء من شبكة النقل الأوروبية المناسبة للنقل العسكري؛ لوضع خطط لرفع مستوى البنية التحتية القائمة، وتبسيط الإجراءات الجمركية للعمليات العسكرية.
إجمالًا؛ تشهد القارة الأوروبية عدد من التحولات الداخلية والخارجية، في سياق حالة عدم اليقين، التي يواجهها النظام العالمي، الأمر الذي سينعكس على عمل المؤسسات الأوروبية بشكل عميق.
باحثة ببرنامج العلاقات الدولية