السد الإثيوبي

تداعيات إطلاق الحملة السودانية لمناهضة السد الإثيوبي، والهدف منها؟

“الحملة القومية لمناهضة السد الإثيوبي”.. هي الحملة القومية السودانية التي علا صوتها داخل أروقة الدولة السودانية عقب تضارب الأنباء مؤخراً حول مفاوضات سد النهضة، والتي تم وصفها من قبل الدكتور أحمد المفتي مدير مركز الخرطوم لحقوق الإنسان، والعضو السابق بلجنة مفاوضات السد، أنها وصلت لمعدلات مشاركة قياسية، وفي ظل نتائج الاجتماع بين الدول الثلاث في ظل الوساطة الأمريكية؛ والحديث حول سنوات ملء السد أم التشغيل الفني وهل هي وساطة أم رقابة كما يحاول الإعلام الإثيوبي تصويرها، وهل السد يمتلك من الإمكانيات الفنية التي تؤهله لأن يصبح سد تنموي كما يصوره بعض الإعلاميين السودانيين والإثيوبيين؟ وهل سيقي النيل الأزرق السودان من مخاطر الفيضان فعلياً أم سيكون مصدر غرق السودان نتيجة العيوب الفنية التي أقرت بها الحملة، هذا إلى جانب المخاطر البشرية على إقليم بني شنقول الذي سيقام فيه السد؛ ليلقي الضوء مرة أخرى على مخاطر بناء السد على الجوانب الاجتماعية والاقتصادية لدولة السودان، كما نشرت صحيفة الاندبندنت بالعربية. 

ما هي “الحملة القومية لمناهضة السد الإثيوبي”؟

عمدت الحملة اختيار اسم “السد الإثيوبي” وليس “سد النهضة” لإلقاء الضوء على أنه هدف إثيوبي ولا يحقق النهضة لأحد، بل يمثل خوفاً أكبر من غرق الدولة السودانية. 

وأسست الحملة مجموعة “المخاطر من السد الإثيوبي”، وبحسب الأستاذ/ أحمد المفتي العضو المستقيل من مفاوضات السد الإثيوبي، فإن الفكرة بدأت في 26 مايو 2011 عقب زيارة وزير الري المصري للسودان، وكما نشر البيان الخاص بالحملة أنها بدأت لمناهضة السد الاثيوبي، بالخطاب المؤرخ ٢٦ مايو ٢٠١١ ، لوزير الري آنذاك المهندس / كمال علي، بصورة لوزير الدولة للري آنذاك المهندس د .صلاح الدين يوسف. 

تم فتح باب التسجيل في الحملة في 18 نوفمبر 2019.

نبذة عن بعض الشخصيات المشاركة في الحملة

د/ أحمد المفتي – مدير مركز الخرطوم الدولي لحقوق الإنسان، وشارك في اجتماعات ومفاوضات سد النهضة منذ الاجتماع مع وزير الري المصري ونظيره السوداني في 25 مايو 2011 والخاص بالموافقة على اللجنة الفنية عضوا في وفد السودان في مفاوضات دول حوض النيل منذ العام 1٩٩٥، ومستشاره القانوني، ومقرر اللجنة العليا للمجاري المائية الدولية بالسودان، والذي واصل مناهضته للسد الإثيوبي وأعرب عن رفضه للمفاوضات، وتم ابعاده عن الملف بعد اجتماعات وزراء الموارد المائية بدول حوض النيل، في الأسبوع الأول من يوليو ٢٠١٢ بمدينة كيجالي / رواندا، والذي قدم فيه مبادرة باسم السودان لتجاوز الخلاف في اتفاقية عنتبي والتي قابلها ترحيب مبدأي من كافة الدول مع تحديد اجتماع فوق العادة لمناقشتها، والتي وافقت عليها إثيوبيا عقب 10 سنوات من التفاوض برعاية 13 جهة دولية من بينهم الولايات المتحدة الأمريكية والبنك الدولي، والتي استبدلتها بحسب دكتور المفتي باللجنة الفنية والتي يعتبرها ضياع لحقوق السودان المائية الحالية والمستقبلية نتيجة التجاهل الإثيوبي المتعمد لكافة التزاماتها القانونية والدولية والإقليمية والثنائية. 

بدأ حركة مناهضة السد عبر العديد من المقالات، والتي جمعها في كتاب في عام 2018 بعنوان ” شهادتي للتاريخ عن الجانب القانوني والسياسي لسد النهضة الأثيوبي ٢٠١٢ _ ٢٠١٨ “، هذا إلى جانب المشاركة في جروبات مواقع التواصل الاجتماعي التي تروج لحركات المناهضة. 

ويرى أنه بدأ عمله بشكل فردي حتى لا يتم وأدها، وعقب الثورة تم تأجيلا ختى لا تحسب بأنها معارضة للثورة، ولكنها الآن أصبحت تجد تأييداً من بعض الثوار، وتم تحويلها لحملة “جماهيرية” شعبية وإطلاقها في 18 نوفمبر 2019.

الهدف من الحملة

  • رفض التصور الإثيوبي حول عقد لجنة فنية ثلاثية تنص على استمرار أعمال التشييد أثناء عمل اللجنة، وأن تكون تقارير اللجنة ملزمة للجانب الإثيوبي الذي وقع عقود التشييد بنهاية أبريل عام 2011، بموافقة رئيس الوزراء المصري آنذاك عصام شرف عند اجتماعه برئيس الوزراء الأثيوبي/ ملس زينازي، بأديس ابابا في منتصف شهر مايو ٢٠١١، والتي حملها وزير الري المصري للسودان في 25 مايو 2011. 
  • خلق رأي عام: من خلال الاعتماد على الكتابة في كافة وسائل الإعلام، والمشاركة في الأنشطة الإعلامية التي تتعلق بالأمر، كالمؤتمرات والندوات ورفع المذكرات والنشر، ولذلك يمكن تسميتها بانها “حملة إعلامية” وليس احتجاجية. 
  • التعامل مع سد النهضة بأنه أمر واقع، ولذلك يتطلب تقديم الجانب الإثيوبي لضمانات الأمن المائي للسودان الحالي والمستقبلي، وضمان عدم تحقيق أضرار لدولة السودان إثر انهيار السد. 

على الحكومة السودانية إصلاح الوضع لأن عملية تشييد السد لم تستوف الإلتزامات القانونية، من خلال: 

  • سحب التوقيع علي إعلان مبادئ سد النهضة  لتجريده من شرعيته التي وصفوها بـ “المزيفة”.
  • ايقاف المفاوضات الحالية، وطلب إعادة التفاوض، والتي وصفها المفتي بأنها مفاوضات لم تؤتي بثمارها وأعلنت مصر مسبقاً عن فشلها، والطلب من إثيوبيا ” إعادة التفاوض” وفق الالتام بالمبادئ الـ 15 والمنصوص عليها في  المادة 3 من اتفاقية عنتبي، و علي أساس أن تكتمل إعادة التفاوض خلال شهرين، وفي حالة الرفض الإثيوبي مطالبة وساطة الـ 13 جهة التي توسطت في اتفاق عنتيبي كالولايات المتحدة والبنك الدولي، وفي حالة الرفض يتم رفع الأمر لمجلس الأمن الدولي.
  • التعاون بين الحكومة السودانية والإثيوبية في تعويض الواطنون المتضررون من بناء السد والمتمثل في “بني شنقول”.

وأخيراً، أن تكون مصر طرفا ً في إعادة التفاوض؛ لأنها دولة مشاطئة ولها حقوق مائية.

أدوات الحملة ومدى فاعليتها 

تم إطلاق صفحة تحذر من مخاطر السد الإثيوبي على موقع فيسبوك منذ شهران، وانضم إليه حتى الآن 1,118 عصو لتأخذ على عاتقها توضيح الأمور الفنية ودعوة الأحزاب السودانية لتبني مشروع مناهضة بناء السد الإثيوبي.

ودعت الحملة على صفحتها إلى عقد ورشة عمل مقرر لها يوم 2 ديسمبر المقبل لإلقاء الضوء على مخاطر سد النهضة، والتي ستتزامن مع اجتماعات القاهرة حول استكمال مفاوضات اللجنة الفنية بالوساطة الأمريكية.

وفي حديث أجراه المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية مع الدكتور أحمد المفتي، حول الحملة ومعدلات وصولها، أوضح أن إطلاق الحملة بدأ في نوفمبر خوفاً من بطش الأنظمة، وأصبحت الآن ذو تأييد جماهيري، ولذلك تم الإعلان عنها، وأصبحت أنشطتها في العلن وبدء التسجيل لها “بمعدلات قياسية”.

ويرى المفتي أن الحملة الجماهيرية هي طوق النجاة لشعبي وادي النيل الشقيقين في مصر والسودان لتفادي “الغرق والعطش”، دون نكران حقوق إثيوبيا الشقيقة. 

كما أن حصر الحديث عن فترة ملء السد في 7 سنوات هو انتقاص للحقوق المائية المصرية والسودانية الحالية والمستقبلية، وأنه يجب عدم حصر الأمر في نقطة الملء الأول والتشغيل الثاني باعتبارها محاولات إثيوبية لغض الطرف عن الأهداف الرئيسية.

ويعتقد الفتي أن تحول الدور الأمريكي من الوساطة للرقيب قد يقيد المفاوضات التي أعلنت مصر مسبقاً بأنها لم تؤتي ثمارها، وستمثل قيداً على الدوليتن المصرية والسودانية من أجل تنفيذ عملية البناء طبقاً للاتفاقية الموقعة، والتى دعا إلى سحب الطرفين لتوقيعهما.

وعن ترأس وزير الخزانة الأمريكية لاجتماعات سد النهضةبواشنطن، يرى أنها إشارة بأن إثيوبيا تتجه نحو “بورصة المياه” وبيعها، وظهر ذلك جلياً في المرة الأولى عند دعوة وزراء الدول الثلاث للتعرف على التجربة الأمريكية في إدارة المياه المشتركة.

وفي صفحته على موقع التواصل الاجتماعي أكد أنه ليس للسودان الحق في الحديث عن مخاطر السد عقب موافقتها على اللجنة الفنية، والتي تم تقنينها عام 2015، طبقاً للمبدأ الثامن من اعلان مبادئ سد النهضة، الذي ينص علي أن السودان ومصر، يقدران كل ما سبق أن اتخذته إثيوبيا فيما يتعلق بأمان السد وأن إثيوبيا سوف تعمل بمبدأ “حسن نية” لتحقيق معدلات الأمان المطلوبة دون أي رقابة من السودان ومصر، ولذا يجب سحب التوقيع على اعلان المبادئ لسنة ٢٠١٥، والذي لن يكون مقبول دولياً إلا إذا استوفى التصور الموضوع في الحملة والذي يتضمن إلغاء التفاوض الحالي بتقاوض جديد بوساطة 13 جهة دولية تم الإشارة إليهم مسبقاً. 

الحملة السودانية المناهضة للسد الإثيوبي في الإعلام

تجدي الإشارة غلى لقاء الدكتور المفتي في تليفزيون الخرطوم، حول الحملة وأهدافها والتي أوضح ان عملية تحديد سنوات بناء السد لم تفي بالغرض من تحقيق الأمن المائي للبلدين مصر والسودان، كما حدث عند بناء السد العالي وتوجيه الفائض لأراضي توشكى، لأنه قد ينص على اتفاق مبدأي، وهو ما قد اشارت له مسبقاً صحيفة “الشرق الأوسط” حول ما تداوله الإعلام السوداني حول تصريحات وزير الري السوداني ياسر عباس إن مصر وإثيوبيا والسودان اتفقتا على ملء خزان سد النهضة الإثيوبي الكبير (GERD) “على مدى فترة تصل إلى سبع سنوات”،  من خلال تصريحات المتحدث باسم وزارة الموارد المائية والري المصرية محمد السباعي إن محادثات أديس أبابا ناقشت ملء السد على مراحل وعلى أساس النظام الهيدروليكي. لنهر النيل الأزرق، وقال إن هذه التقنية من شأنها أن تساعد في منع أي ضرر للبلدان المصب، دون الحديث عن اتفاق عن عدد سنوات معينة. 

ونشرت صحيفة “اندبندنت” بالعربية تقريراً بعنوان ” مخاوف من الغرق والعطش… حملة شعبية سودانية ضد سد النهضة الإثيوبي” مشيرة إلى أن الموقف السوداني المؤيد الذي ساد ايام البشير باعتبار السد الحلم الذي يتحقق كما تناوله موقع “دويتش فيليه”لحماية السودان من مخاطر الفيضانات وتوفير الكهرباء في إطار اتفاقيات التبادل والربط الكهربائي بين البلدين، وأكملت “الاندبندنت”  أن الأصوات الخافتة عادت لتطالب الحكم الحكم الانتقالي في السودان بتغيير موقفه من الأزمة نظرا لسوء إدارة الملف خلال حكم “البشير” وتعامله مع القضية بـ”طريقة كيدية”، وان تاثيرات السد على السودان ستكون مدمرة له بصورة أكبر من الآثار المحتملة على مصر, مما يتحتم على السودان اتخاذ موقف أكثر تشدداً في المفاوضات المنعقدة حالياً. 

وأشارت الصحيفة أن حملة التوعية من مخاطر السد تقوم من خلال سلسلة ندوات يحاضر فيها خبراء ومسؤولون سابقون في ملف المياه بالسودان، كما قال  محمد عثمان، مؤسس “مجموعة مخاطر السد الإثيوبي”، والتي حذرت من “غرق السودان” إذا لم تُراجع اتفاقيات سد النهضة، رغم تحفظ المجموعة على هذه التسمية، واصفه بأنه “سد الدمار”، موضحاً خطر أثره الاجتماع على شعب بني شنقول – هو الإقليم الحدودي بين إثيوبيا والسودان حيث يقام السد، تحتل إثيوبيا جزءا منه)،وهو ما تم تجاهل دراسته وتحديد آثره وتداعياته، في ظل الرفض الإثيوبي للتقرير الاستهلالي للمكتب الاستشاري الفرنسي. 

3.jpg

محمد عثمان مؤسس “مجموعة مخاطر السد الإثيوبي” (اندبندنت عربية)

وقال الدكتور أحمد المفتي، العضو المستقيل من اللجنة الرسمية السودانية حول سد النهضة، إن بدء ملء السد، من دون موافقة دولتي المصب مصر والسودان، يمثل “عملاً من أعمال الحرب”، لأنه يهدد وجود الدولتين. 

4.jpg

د.أحمد المفتي

وطالب إبراهيم الخناقي، رئيس مؤسسة بني شنقول لحقوق الإنسان حكومة رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك بتغيير نهجها الراهن إزاء سد النهضة نظرا لأضراره “المدمرة” على السودان وسيادته، معتبرا أن “وزير الري السوداني ياسر عباس كان أحد مهندسي المفاوضات مع إثيوبيا، بما في ذلك إعلان المبادئ عام 2015 خلال عهد الرئيس المعزول عمر البشير، الذي كان حريصا على إرضاء إثيوبيا التي تستضيف مقر الاتحاد الأفريقي لضمان دعم الاتحاد له في رفض تسليمه إلى المحكمة الجنائية الدولية”.

الرسائل التي تحاول الحملة توصيلها

تحاول الحملة العمل على توعية الرأي العام بالمخاطر المادية والحضرية من “السد الإثيوبي”، والأولى المتمثلة في “الغرق والعطش” الناتج من بناء السد على الشعبين المصري والسوداني، وما ينتج عنه من خسائر اقتصادية هائلة، أما على جانب الآثار الديموجرافية فقد تمت الإشارة إلى تأثير السد على إقليم “بني شنقول”، وتداعياته دون الحفاظ على حقوقه التاريخية والبشرية.

تجدر هنا الإشارة للتعرف على من “هم بني شنقول”؟ 

وتعني “بلاد الذهب” يطلق عليها أيضاً “قماز/ جماز الأمهرية” وهم جماعة عرقية تعيش على الإقليم الحدودي بين إثيوبيا والسودان، وتمثل أحد الأقاليم العشرة الإثيوبية عقب انفصال قومية السيداما، وعاصمتها “أسوسا” ويعتبره السودانيين اقليما محتلاً من إثيوبيا، ويعيش يه 4 ملايين نسمة معظمهم من أصول عربية وخاصة سودانية، ويمثل المسلمون أغلبية سكان الإقليم، ومساحته تقدر بحوالي 250 ألف كيلومتر مربع.

وفي حديث نشرته “البوابة نيوز” عام 2013 مع السفير يوسف ناصر حامد زعيم حركة تحرير شعب “بنى شنقول” المسلحة في إثيوبيا، أنها تناضل منذ عام 1962 ضد الاحتلال الإثيوبي لإقليمها الذى يقام عليه السد حاليًا، موضحاً زيادة وتيرة الكفاح على المستوى السياسي والعسكرى فى ظل تجاهل الدولة الاثيوبية لمصلحة بنى شنقول وتهجيرهم وقتلهم من أجل بناء السد. 

وأشارت “الاندبندنت” إلى هجوم مجموعة مسلحة تتبع لحركة تحرير بني شنقول الإثيوبية المعارضة في عام 2017 حسبما أعلنت الحكومة الإثيوبية انطلقوا من إريتريا من أجل الاعتداء على سد النهضة.

وتأتي حملة التوعية السودانية بمخاطر السد لتشير لبعد جديد، وتوجهات إعلامية من أجل الوصول بالحل الأمثل لقضية ملء السد لترد على الأبواق الإعلامية التي ترى فيه الحلم، وتريد من الجميع أن يستفيق قبل التحول لكابوس على غرق الأراضي السودانية، فبدلاً من الحفاظ عليها من مخاطر الفيضانات ستهدد حياة شعبين بأكملهم، هذا إلى جانب التغيرات الحقوق التاريخية لشعب بني شنقول الذي يعتبر نفسه تحت الاحتلال الإثيوبي. 

+ posts

باحثة بالمرصد المصري

رحمة حسن

باحثة بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى