
عقوبات ألمانيا العسكرية على تركيا…بين التنفيذ والظاهري
كانت برلين من ضمن عشر دول أعلنت عن عقوبات تسليحية على الجيش التركي، تصل إلى منعه من إبرام اية صفقات جديدة للتزود بالأسلحة والذخائر والمنظومات الدفاعية والهجومية. ولعل العلاقات بين أنقرة وبرلين، والتي تشوبها توترات كبيرة، تحكمها ملفات اساسية تجعل من العلاقة بين البلدين ضرورة ملحة يحرص عليها الطرفين خاصة برلين، فمن جهة تخشى من ملف المهاجرين الذي تلوح به أنقرة، ومن ناحية أخرى تخشى فقدان مصدر مهم من مصادر الدخل القومى الألماني وهو التصدير العسكري الى تركيا، وهذا يفسر بصورة كبيرة عدم تفعيل برلين لعقوبات عسكرية سابقة كانت قد أعلنتها على تركيا عام 2016، عقب العملية العسكرية للجيش التركي ضد عفرين السورية.
واقع العلاقة بين البلدين يرجح بصورة كبيرة ان يكون الإعلان العريض الذي قام به وزير الخارجية الألماني هايكو ساس عقب أيام من بدء العدوان التركي على شمال سوريا، والذي فيه أكد على أيقاف توريد الأسلحة الألمانية الى تركيا، هو مجرد إعلان مسرحي موجه للداخل الألماني أكثر من الخارج، مثله في ذلك مثل تصريحات المستشارة الألمانية أمام المجلس الأدنى للبرلمان الألماني التي أكدت فيه على عدم تسلم أنقرة لأية أسلحة المانية في المستقبل. حيث اتضح أن الأسلحة التي سيتم حظرها هي فقط ما قد تستخدمه أنقرة في عدوانها على سوريا، ولا يشمل هذا الحظر الصفقات التي تم توقيعها بالفعل، ولا الصفقات التي تتعلق بالجانب العسكري البحري، وهي تمثل السواد الأعظم من الصفقات الجاري تنفيذها او التي تم توقيعها ولم يتم تنفيذها حتى الآن.
الملف الاقتصادي أولاً وأخيراً
النظرة الألمانية إلى هذا الملف اقتصادية بحتة، فتركيا هي الدولة الأولي في قائمة الدول التي تصدر لها ألمانيا أسلحة وذخائر ومنظومات دفاعية وهجومية على مستوى العالم، حيث بلغت قيمة صادرات الأسلحة الألمانية عام 2018 إلى تركيا ما يناهز 250 مليون يورو، أي ثلث القيمة الإجمالية للصادرات العسكرية الألمانية خلال نفس العام، كما وصلت قيمة مبيعات الأسلحة الألمانية لتركيا إلى 200 مليون يورو في الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري، بمعدل يجعل هذا العام هو الأكبر بالنسبة لحكم الصادرات العسكرية الألمانية الى تركيا منذ عام 2004، وبهذا تصبح تركيا هي أكبر مشترٍ للأسلحة الألمانية داخل حلف شمال الأطلسي، وضمن الدول الخمس الأكثر تصديراً للأسلحة الى تركيا، بصادرات عسكرية تجاوزت قيمتها الإجمالية منذ عام 2000 وحتى الآن مليار وسبعمائة وخمسين مليون يورو.
الدليل الأوضح على حقيقة النوايا الألمانية تجاه أنقرة في الجانب التسليحي كان إحباط برلين لمحاولات تمت خلال اجتماع وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي في لوكسمبورغ من أجل فرض حظر جماعي على تصدير السلاح الى تركيا، وأوضحت ألمانيا خلال هذا الأجتماع انها تفضل مراقبة الوضع شمالي سوريا في الفترة القادمة، وكذا مراقبة صادرات السلاح المتداولة بين دول الاتحاد. اتضاح عدم جدية برلين في فرض هذه العقوبات على أنقرة “للمرة الثانية”، خلق جبهة معارضة كبيرة داخل المؤسسات الألمانية والبرلمان “البوندستاج” تجاه هذا النهج، هذه الجبهة تشمل الحزب الاشتراكي الديموقراطي الذي أعلن عن أحتمالية فرض عقوبات اقتصادية على أنقرة، وحزب الخضر الذي يعمل منذ أسابيع على أعداد قانون من ضمن مواده مادة تفرض حظراً تاماً على جميع انواع الصادرات العسكرية الى تركيا، وتشارك أحزاب وكتل معارضة في هذه الجهود مثل حزبي “اليسار” و”البديل من أجل ألمانيا”، بجانب الكتلة اليسارية المعارضة في البوندستاج “دي لينكا”، وكان لافتاً تصريحات لنائب رئيس هذه الكتلة أكد فيها أن الحديث الألماني عن عقوبات تسليحية على تركيا هو كلام مضلل لا يوجد له سند على أرض الواقع.
الأسلحة الألمانية في تركيا .. ما هو الثقل الأساسي
الثقل الأساسي للصادرات العسكرية الألمانية إلى تركيا يتركز في السلاح البحري، فأسطول الغواصات الذي تمتلكه البحرية التركية “ويتكون من 12 غواصة ألمانية الصنع يتوقع ان تنضم لها قريباً ستة غواصات أخرى”، تم تكوينه منذ أواخر ثمانينيات القرن الماضي، حيث تم توقيع الصفقة الأولى بين الجانبين لتوريد أربعة غواصات من الفئة “Type 209/1200” أواخر عام 1947، تسلمتهم تركيا خلال ثمانينيات القرن الماضي بعد تجميعهم على أراضيها تحت أسم “Atilay”، تبعها صفقة أخرى لشراء غواصتين من الفئة “Type 209T1/1400” عام 1987 بقيمة تصل الى 420 مليون دولار، وقد دخلتا الخدمة في سلاح البحرية التركية خلال عامي 1994 و1995 بعد تجميعهما محلياً تحت الأسم “Preveze”، وانضمت إليهما غواصتين من نفس النوع عامي 1998 و1999. أخر صفقة في هذه السلسلة تم توقيعها عام 1998 بقيمة 556 مليون دولار، لشراء أربعة غواصات من الفئة الأحدث “Type 209T/1400” تم تجميعها محلياً تحت الأسم “GUR”، وتسلمتها البحرية التركية خلال الفترة ما بين عامي 2005 و2007. وقع البلدين مؤخراً صفقة جديدة لتجميع أربعة غواصات حديثة من نوع “Type 214TN” في تركيا تحت أسم “REIS” بقيمة تتجاوز 2.5 مليار دولار، وهذه الصفقة لن تتأثر بقرار تعليق تصدير الأسلحة الألمانية الى تركيا، ويتوقع إتمام تسليم الغواصات الأربع في الفترة ما بين أواخر العام الجاري وعام 2024.
في ما يتعلق بالفرقاطات، فإن نصف الفرقاطات التي يمتلكها سلاح البحرية التركي حالياً هي صناعة ألمانية، تم توقيع الصفقة الأولى لتزويد البحرية التركية بأربعة فرقاطات من نوع “Meko-200T” عام 1987، وتم تصنيع أثنتين منهم محلياً، وتم أدخال الأربعة فرقاطات الى الخدمة في الفترة ما بين 1987 و1989 تحت اسم “Yavuz”. عام 1990 تم توقيع صفقة أخرى بقيمة 800 مليون دولار لشراء فرقاطتين من الجيل الأحدث “Meko-200T2” تم تصنيع واحدة منهما محلياً، ودخلتا الخدمة عامي 1995 و1996 تحت الأسم “بارباروسا”، ودخلت للخدمة فرقاطتين من نفس النوع عامي 1998 و2000.
تمتلك البحرية التركية ايضاً مجموعة كبيرة من سفن الهجوم السريعة الألمانية الصنع، منها ثمانية سفن من الفئة “FPB-57” حصلت عليها أواخر سبعينيات القرن الماضي وأدخلتها للخدمة تحت الأسم “Dogan”، ومازالت أربعة سفن منها في الخدمة حتى الآن، أوائل التسعينيات دخلت الى الخدمة سفينتين من نفس الفئة تحت الأسم “Yildiz” بقيمة 229 مليون دولار. في الفترة بين عامي 1998 و2010 دخلت الى الخدمة تسع سفن من الفئة “Kilic” من بينهم ستة من الجيل الثاني لهذه الفئة وبعضها تم تصنيعها محلياً بترخيص. بالإضافة الى ما سبق، تمتلك البحرية التركية قطع بحرية ألمانية الصنع أخرى، منها ست كاسحات ألغام من الفئة “Type-332 Frankenthal” تسلمتها تركيا في الفترة ما بين عامي 2005 و2010 بقيمة وصلت الى 625 مليون دولار.
القوة المدرعة التركية تعتمد في جزء كبير من دباباتها على دبابات ألمانية الصنع، حيث حصلت خلال الفترة بين عامي 1991 و1992 على 400 دبابة قتال رئيسية مستعملة من نوع “Leopard-1” بثلاث نسخ هي “A1 – A3 – T”، بموجب صفقة تم توقيعها عام 1985 تعدت قيمتها 345 مليون دولار. جزء من هذه الدبابات تم تحديثها بموجب عقد أبرمته شركة “Aselsan” التركية مع ألمانيا عام 2002 لكنه توقف بسبب تعقيدات مالية أواخر عام 2008 بعد ان تم تحديث حوالي 200 دبابة فقط. خلال الفترة ما بين عامي 2006 و2014 حصلت تركيا على 340 دبابة مستعملة من نوع “Leopard-2A4” على دفعتين، وتم تحديث هذه الدبابات بعد ذلك محلياً للمعيار NG بواسطة شركة “Aselsan”. تعد كذلك الشاحنات العسكرية الألمانية الصنع من اهم ركائز وحدات النقل العسكري للجيش التركي، خاصة الشاحنات التي تنتجها مصانع شركة مرسيدس في تركيا مثل شاحنات “Actros” و”NG” و”Axor” والشاحنات الأكثر أنتشاراً في الجيش التركي “Unimog”. ويتبنى الجيش التركي الشاحنة الألمانية الثقيلة “MAN26-372″ كمنصة لتثبيت منظومات المدفعية الصاروخية المنتجة محلياً مثل راجمات الصواريخ من عيار 122 مللم ” T-122 Sakarga”.
باحث أول بالمرصد المصري