المراكز الأمريكية

أوراسيا جروب: نهاية النظام الأميركي ….خطاب إيان بريمر في قمة GZERO 2019

نشرت مؤسسة Group Eurasia عدد من الملاحظات التي ألقاها رئيسها السياسي الأميركي “إيان بريمر ” في قمة مجموعة أوراسيا GZERO المُنعقدة في العاصمة اليابانية “طوكيو”. 

موضحًا أن العالم قد تغير بشكل ملحوظ؛ حيث سعت الصين إلى انتهاج سياسة خاصة بها تقوم على بناء نظام قائم على التكنولوجيا، ومشروعات البنية التحتية كمسار للتعاون الخارجي، تتنافس فيه مع الغرب.  وعليه تعد هذه السياسة ذات أهمية استراتيجية، كما إنها تمثل أكبر تهديد للعولمة التي ساهمت في انتشال مليارات الناس من الفقر في جميع أنحاء العالم. وعليه لماذا يشهد العالم حالة من عدم الرضا، كما أن العولمة أصبحت تواجه تهديدًا غير مسبوق في الآونة الأخيرة؟ 

ووفقًا لـ “بريمر” ترجع حالة الغضب من التحول الذي يشهده العالم، الذي دعم عدم القدرة على التنبؤ بمسارات الأحداث. نتيجة تدفق الأفكار والمعلومات والأشخاص والأموال والسلع والخدمات عبر الحدود بسرعة فائقة، وهي نفس القوى التي خلقت الكثير من الفرص والازدهار، الأمر الذي يدعو إلى الخوف أيضًا.  ويتجسد الخوف من أن يصبح العالم أكثر تعقيدًا وخطورة في الوقت الراهن، علاوة على الخوف من تنامي المتغيرات التي تجعلنا عاجزين عن مواجهتها.  

وفي هذا السياق، قد أعرب عن المكانة الفريد لدولة اليابان في عالم G-Zero، النابع من تمتعها بالاستقرار السياسي، والبصيرة، والموهبة التكنولوجية للمساعدة في قيادة العالم إلى مستقبل أكثر إشراقًا من المستقبل الذي نواجهه حاليًا. وموضحًا أن هناك ما يدعو إلى الأمل في أن يساعد قادة اليابان وشركاتها وإرادتها السياسية وشعبها على قيادة عملية الانتقال نحو نظام جديد، حيث يمكن للإبداع الإنساني والخيال الأخلاقي والشجاعة أن يساعدنا جميعًا في مواجهة التحديات التي تواجه تأتي.

الركود الجيوسياسي

يقول “بريمر” عندما بدأت مجموعة أوراسيا في عام 1998، كان عملاؤنا مهتمين بشكل حصري تقريبًا بما يسمى بـ “بلدان الأسواق الناشئة” التي قدمت فرصًا كبيرة للنمو والتحديات السياسية غير المألوفة. وعرّفت السوق الناشئة على أنها “أي بلد تهتم فيه السياسة على الأقل بقدر أهمية الأساسيات الاقتصادية لنتائج السوق”. وقد قدمت بلدان مثل اليابان والولايات المتحدة وكندا والدول الرائدة في أوروبا الغربية منظورًا سياسيًا أكثر استقرارًا يمكن التنبؤ به، ولكن فرصه في النمو كانت أقل. مع حدوث الأزمة المالية في عام 2008 والاضطرابات التي أعقبتها أدى ذلك إلى إدخال السياسة مباشرة في أداء الاقتصادات والأسواق حتى في أغنى دول العالم.  

وعليه فقد انتهى النظام العالمي بقيادة الولايات المتحدة. كما أصبحنا نواجه مسارات مختلفة من التهديدات عبر الوطنية بدءً من تغير المناخ إلى الصراع السيبراني، ومن الإرهاب إلى ثورة ما بعد الصناعة، التي تتحرك دون رادع عبر الحدود، تاركة الحكومات الوطنية أقل قدرة على تلبية احتياجات مواطنيها.

فاليوم، ليس الاقتصاد بل الجغرافيا السياسية هي المحرك الرئيسي لعدم اليقين الاقتصادي العالمي. لقد دخل العالم في “ركود جيوسياسي“. إنه وقت تتفكك فيه التحالفات والمؤسسات والقيم التي ترتبط ببعضها البعض. فمن وجهة نظر تاريخية، فإن حالات الركود الجيوسياسي نادرة أكثر من الركود الاقتصادي وطويلة الأمد. سنعيش في هذا الركود الجيوسياسي لمدة عشر سنوات على الأقل.

كيف وصلنا إلى هنا؟

يخبرنا الاقتصاديون أن عملية “التدمير الخلاق” هي التي تغذي محرك النمو الذي يبني المستقبل، وذلك وفقًا للتاريخ، ولكن الحياة وسُبل العيش دُمرت في هذه العملية، كما تزايدت أعداد الأفراد المُنتقدين لحكوماتهم باعتبارها إما عاجزة عن مساعدتهم على الإدارة أو لا تهتم بما يحدث لهم. هذا بجانب تنامي استياء النخب في كل مناطق العالم. 

في المقابل لا يمكن أن نقول إنهم مخطئون. الأمر الذي سيساهم في خلق جيل من الشعبويين، الذين ينتهجون مبدأ الحماية. فهؤلاء السياسيون لم يخترعوا هذه المشكلة. إنهم فقط يستفيدون منها. وهنا لابد من توضيح نقطة مهمة أن مصدر القلق الأكبر هو أن كل هذا الغضب يتصاعد في الأوقات الاقتصادية الجيدة. tماذا يحدث عندما تبدأ الاقتصادات في التباطؤ؟

وفي هذا الإطار يظهر التاريخ أن الحكومات التي لا تحظى بشعبية في الداخل، من المرجح أن تثير المشاكل في الخارج، خاصة مع جيرانها، لحشد الدعم العام وتحويل الانتباه عن المشاكل الداخلية. وهذا يولد ثقة أقل بين الحكومات؛ حيث تزايد خطر سوء الفهم، وتصاعد حدة الصراع.   

الأمر الذي سيخلق ثلاثة تداعيات على النحو التالي: تتركز الأولى على “مخاطر الذيل“، وهي الأحداث ذات الاحتمالات المنخفضة ولكن ذات التأثير الكبير التي أصبحت شائعة في عالم أعيد تشكيله من خلال صعود الصين، والاضطرابات في الشرق الأوسط، وأوروبا الشعبوية، وروسيا الثأرية، مع تزايد عدد النزوح بشكل قياسي الذي بلغ ما يقرب من 71 مليون نازح على مستوى العالم، والآثار المزعزعة للاستقرار الناجمة عن التغيرات التكنولوجية والمناخية.

بالإضافة إلى ذلك لفت “بريمر” إلى مدى تداعيات المواجهة غير المحسومة من قبل بعض القوى الدولية على الأمن والاستقرار العالمي طرحًا عدد من السيناريوهات، قائلاً تخيل وقوع حادث عسكري في بحر الصين الجنوبي، في الوقت الذي يخوض فيه الرؤساء الأميركيون والصينيون حرب الإرادة على التجارة والتكنولوجيا.

 وبالانتقال إلى الشرق الأوسط فقد واجهت الولايات المتحدة عدد من المخاطر منذ قيام الرئيس “ترامب” بالانسحاب من الصفقة النووية الإيرانية ثم أعاد فرض العقوبات. في المقابل ردت إيران بعملاً عسكريًا جريئًا – بما في ذلك توجيه ضربة إلى قلب البنية التحتية النفطية في المملكة العربية السعودية. وردت واشنطن بإرسال قوات إلى المملكة العربية السعودية.

وماذا لو هُزم الرئيس “ترامب” لإعادة انتخابه العام المقبل، واكتشف “كيم جونج أون” من كوريا الشمالية أن الرئيس الأمريكي المقبل لن يقبل مكالماته الهاتفية؟ ما العمل الاستفزازي الذي قد يتخذه؟ ما هي الحوادث التي قد يخاطر بها؟

وماذا لو حدثت أزمة ديون في إيطاليا، التي ستنشأ عندما تتحدى الحكومة الإيطالية المستقبلية قواعد ميزانية الاتحاد الأوروبي، مما يؤدي إلى خلق أزمة مالية لا يمكن للمقرضين إدارتها؟، أو يحدث سوء تقدير في أوكرانيا يدفع روسيا إلى حرب إطلاق النار؟ أم أن المواجهة الإلكترونية بين الولايات المتحدة وروسيا تضرب البنية التحتية الحيوية، مما يخلق أزمة إنسانية داخل مدينة أمريكية؟

لذا فإن الافتقار إلى القيادة المنسقة في عالم اليوم يجعل كل هذه الأزمات أكثر احتمالًا، ويحدث صعوبة في إدارتها عند حدوثها. وبشكل فردي، فهي لقطات طويلة. بشكل جماعي، فإنها تشكل خطرا غير مسبوق.  

ويُكمن الأثر الثاني للركود الجيوسياسي في انهيار المؤسسات الدولية، وعدم التوافق حول سياساتها. فعلى سبيل المثال لم يعد هناك إجماع بين الأوروبيين على حرية حركة مواطني الاتحاد الأوروبي عبر الحدود، وحول كيفية إدارة المهاجرين من خارج الاتحاد الأوروبي، أو حول أسئلة مهمة مثل أفضل السبل لإدارة العلاقات مع روسيا. علاوة على الخروج من الاتفاقيات الدولية الداعمة لاستقرار العالم، مثل انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق التجارة عبر المحيط الهادئ، ومعاهدة القوة النووية متوسطة المدى مع روسيا، واتفاق باريس للمناخ، على سبيل المثال لا الحصر. 

والنتيجة الحتمية لكل هذا هو عالم أصبح أكثر قابلية للتنبؤ به وأقل أمانًا. كما أن هناك فرصة ضئيلة في هذه البيئة لإبرام اتفاقيات جديدة ومؤسسات جديدة للمساعدة في إدارة أزمات الغد. وبدلاً من ذلك، ستتبنى الحكومات بشكل فردي قواعدها الخاصة في محاولة لاحتواء التحديات التي لا تحترم الحدود. الأمر الذي سيؤدي إلى تنامي العقوبات الاقتصادية، والانتقام العسكري من قبل الدول في عالم به عدد أقل من المؤسسات القادرة على تطبيق القواعد والممارسات المقبولة عمومًا.

ويتمثل الأثر الثالث للركود الجيوسياسي: في ضعف النظام الدولي الحالي الذي لا يجعل العالم أكثر عرضة للأزمة فحسب، بل يجعله أقل مرونة عند حدوث الأزمة.

ووفقًا لـ “بريمر” في السنوات الأخيرة، تجنبنا أزمة دولية كبيرة. في سياق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وانتخاب “ترامب”، ونمو الشعوبية في جميع أنحاء أوروبا، ومحاولة روسيا لتقويض استقلال أوكرانيا، وتوحيد “شي جين بينغ” للسلطة في الصين، وانهيار في فنزويلا، والكثير من الحرائق الفردية في الشرق الأوسط وفي الديمقراطيات في جميع أنحاء العالم. لكننا لم نر أي شيء خلال هذه الفترة يشكل تحديًا للنظام الدولي برمته، وظل الاقتصاد العالمي قويًا نسبيًا. فمازال هناك قوة عظمى واحدة في عالم اليوم، التي يمكنها التأثير على الصعيد السياسي والاقتصادي والعسكري في كل منطقة. تلك القوة العظمى لا تزال الولايات المتحدة. 

هذا هو السبب في أنه من الأهمية بمكان أن الأميركيين أنفسهم غير متوافقين حول الدور الأميركي في العالم. فمازال هناك مخاوف تجاه ” ترامب”، كما لو كان هو مصدر كل هذا الالتباس. وأن رحيله عن المسرح السياسي، سيضع أميركا والعالم على طريق العودة نحو فكرة طبيعية.

لن يحدث هذا، لأن “ترامب” هو عرض وليس مصدرًا لهذا القلق والارتباك. فبرغم من إن “ترامب” هو الذي يتساءل عن قيمة الناتو وما إذا كان يجب أن تتمركز القوات الأميركية في الخارج، إلا إنه هو الذي يقترح على اليابان وكوريا الجنوبية تطوير أسلحة نووية خاصة بها لتخفيف الأعباء على الولايات المتحدة، التي أعلنت الحرب التجارية على الصين، بينما تهدد أوروبا واليابان والمكسيك وحتى كندا.  

وبالرجوع إلى التاريخ الرئاسي والتفكير في سبب انتخاب الرؤساء السابقين مثل “باراك أوباما”، فإنه يعود إلى وعوده بإنهاء الحرب على الإرهاب في العراق وأفغانستان، بعد ثماني سنوات من حرب “جورج دبليو بوش” على الإرهاب، وليس بدء حرب جديدة. في المقابل كان هناك عدد من الديمقراطيين بمن فيهم “هيلاري كلينتون” مُرتبطين في أذهان العديد من الأميركيين بدعمهم للحرب على “صدام حسين”.

برجوع مرة أخرى. في عام 1992، استطاع “بيل كلينتون” أن يفوز بالانتخابات نتيجة وعده بضرورة إنهاء الحرب الباردة للتخلص من أعباءها، وهو المال الذي لم يعد ضروريًا لهزيمة السوفييت ويمكن استثماره لتقوية أميركا داخليًا. 

وعليه فإن إحجام الولايات المتحدة عن دورها كقوة عظمى يخلق فراغًا عالميًا في القيادة. ولكن لا يوجد قوة موازية يمكن أن تأخذ مكانتها الدولية، فأوروبا لا تزال مشغولة بعمق، لا سيما بشأن القضايا الاقتصادية التي تُقسم الشمال والجنوب، والقضايا السياسية التي تُقسم الشرق والغرب. وبينما أعلن الرئيس “شي جين بينغ” حقبة جديدة للصين في العالم، تظل القيادة الصينية حذرة للغاية عندما يتعلق الأمر بقبول الأعباء الدولية الثقيلة. لهذا السبب، عندما يتعلق الأمر بالقيادة الدولية، فإن بكين لن تصبح قريبًا مزودًا للسلع العامة أكثر موثوقية من واشنطن.

تداعيات العولمة 

لقد غيرت العولمة فهمنا لكيفية صنع الأشياء، وكيف يمكننا العيش. ففي جميع أنحاء العالم، نحتفل بأعيادنا الوطنية من خلال الألعاب النارية المصنوعة في الصين. يتم الرد على مكالمات خدمة العملاء التي نجريها لإصلاح أجهزة الكمبيوتر لدينا في الهند. كما أن سياراتنا المصنوعة من أجزاء تأتي من عشرات البلدان. فنحن جميعًا متكاملون عالميًا. 

فلم يعد هناك سوق عالمي مجاني. الصين، التي ستصبح قريباً أكبر اقتصاد في العالم، تمارس رأسمالية الدولة، وهو نظام يسمح للمسؤولين الحكوميين بضمان أن النمو الاقتصادي يخدم في النهاية المصالح السياسية والوطنية.

ويشوه النظام الرأسمالي للدولة في الصين الأعمال التقليدية لاقتصاد يحركه السوق من خلال الاعتماد بشكل كبير على الشركات المملوكة للدولة والأبطال الوطنيين المدعومين من الدولة لضمان الاستقرار الاقتصادي وبالتالي السياسي. ويعتمد الأمر على إعانات الدولة التي تسمح للمسؤولين السياسيين بتوجيه كميات هائلة من رأس المال والموارد الأخرى حسب اختيارهم. الحكومة تختار الفائزين والخاسرين.

ولكن لا يمكن إنكار نجاح هذا النظام بالنسبة للصين والحزب الشيوعي الصيني. والخبر السار لبقيتنا هو أن النمو الصيني قد دعم النمو العالمي. ومن الأهمية بمكان أن الاقتصاد العالمي المختلط الذي أنشأه لا ينهي العولمة. لا تزال النظم الرأسمالية للسوق الحرة والدولة تمكن السلع ورؤوس الأموال من التحرك في جميع أنحاء العالم. لكن مستقبل العولمة ليس بهذه البساطة. تتكيف أجزاء مختلفة من الاقتصاد العالمي مع نهاية النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة بطرق مختلفة.

أصبحت سوق السلع –خاصة الغذاء والمعادن والطاقة – أكثر عولمة. تهيمن التعريفات الأمريكية والصينية على الأخبار طالما هي مستمرة، لكن المسألة الأكبر هي توسع أسواق السلع العالمية. ويرى بريمر أن التقنيات الحديثة تساهم في جعل إنتاج الطاقة أكثر كفاءة بتكاليف أقل، لذا فإن الضربة الصاروخية على البنية التحتية النفطية السعودية وقللت نصف إنتاج النفط السعودي، فإن الارتفاع الناتج في أسعار النفط تركها عند مستويات نصف ما كانت عليه في 2008. تستمر عولمة سوق السلع في ظل دخول أكثر من مليار شخص إلى الطبقة المتوسطة عالميا في الجيلين الماضيين بسبب زيادة النمو. 

أضاف أن سوق السلع والخدمات سيصبح أقل عالمية بسبب تقلص العمال في الإنتاج ودخول التقنيات الحديثة إلى مكان العمل بسبب رغبة المصنّعين في تقليل تكلفة الإنتاج وزيادة أجور العمالة مع صعود الطبقات الوسطى في الصين والهند وجنوب شرق آسيا وأمريكا اللاتينية وأفريقيا جنوب الصحراء. علاوة على ذلك، فإن نمو الشعبوية في العديد من البلدان بسبب فقدان الوظائف، جعل المسؤولين أمام قضية حماية الوظائف المحلية من تقييد تدفق التجارة. 

الأمر الذي اعتبره “بريمر” سيؤدي لتعطيل سلاسل التوريد العالمية للسلع والخدمات في الشركات التي تتعرض بلدانها لنزاعات تجارية، وتفرض على مديريها اتخاذ قرارات صعبة في ظل تشديد الاقتصاد العالمي، للعمل على إنتاج السلع والخدمات الي يقبل عليها العملاء. أخيرًا، هناك سوق عالمي للبيانات والمعلومات، كانت الشبكة العالمية مدفوعة بمجموعة واحدة من المعايير والقواعد، لكن مع الاستثناءات، أصبح بإمكانية المستهلك الوصول لآخر.

وفقًا لبريمر، تعمل الصين والولايات المتحدة اليوم على بناء نظامين بيئيين مختلفين على الإنترنت. يقوم النظام الأمريكي على القطاع الخاص ويتم تنظيمه من قبل الحكومة، أما في النظام الصيني فتهمين عليه الدولة، وينطبق ذلك على جمع البيانات الضخمة وتطوير الذكاء الاصطناعي وتقنية شبكات الهواتف النقالة G5، والدفاع والانتقام من الهجمات الإلكترونية. 

وعليه، يفرض تساؤل حول: أين يكون جدار برلين الجديد؟ وأين ستكون الحدود بين نظام تكنولوجي وآخر؟ هل تصطف أوروبا مع الولايات المتحدة؟ أم أن الاتحاد الأوروبي سينفصل عن القرارات الفردية لدولة؟ كيف ستضع الهند نفسها؟ وكوريا الجنوبية؟ والبرازيل؟ ما الضغوط التي ستواجهها اليابان؟

وهناك سؤال أساسي آخر: هل سيستمر النموذج المعلوماتي الذي تعتمده الولايات المتحدة فيما يخص القطاع الخاص؟ أم ستؤدي المخاوف المستقبلية للأمن القومي لإنشاء “مجمع صناعي عسكري قائم على التكنولوجيا”؟ لذا فقد افترض “بريمر” أن الجهات العالمية الفاعلة في أسواق السلع والخدمات تعد منافسين وشركاء محتملين. يريد كل طرف الحصول على أكبر مشاركة في السوق، لكن يستفيد الجميع من نظام تداول مفتوح يوفر فرصًا للجميع. يمكن إطلاق الحروب التجارية لتحقيق أهداف محددة، لكنها ليست منافسة صفرية كما كان في الحرب الباردة التي تحد من وجود نظامين متنافسين. 

أميركا والصين

تساءل “بريمر” حول ما الذي يُفترض أن يحتاجه العالم من الصين؟ يحتاج العالم إلى أن تظل الصين مستقرة ومنتجة ومزدهرة بشكل متزايد لتغذية النمو العالمي، ولعب دورًا دوليًا بناءً حتى لو بشكل محدود. والعمل مع الحكومات الأخرى لمواجهة التحديات التي يفرضها الفقر والصراع ومخاطر الصحة العامة وسوء مستوى التعليم والبنية التحتية وتغيير المناخ وتقدم التقنيات المدمرة. بالطبع، هناك حاجة لمثل هذا الأشياء من الولايات المتحدة.  مُعتقدًا أن التهديد الذي تشكله الصين على الولايات المتحدة أقل مما يعتقده كثيرون في واشنطن. لدى الصين مصلحة أقل في خوض الحرب مع الولايات المتحدة، فهي قوة إقليمية وليست عالمية. سيستمر الترابط الاقتصادي رغم جهود الجانبين للحد من نقاط الضعف الاقتصادية. 

ولكن تعد التكنولوجيا أكبر مصدر للصراع بين الصين والولايات المتحدة، فالصين في هذا النطاق قوة عظمى حقيقية، لما سيؤثر على كل منطقة في العالم، ويجعل لدى الولايات المتحدة –الديمقراطيين والجمهوريين- مصلحة في رؤية فشل الصين، لأن تطورها التكنولوجي يشكل تحديًا أساسيًا للقيم التي يعتمد عليها الاستقرار والازدهار العالمي. تعد فكرة الانشقاق وإنشاء أنظمة تكنولوجية متوازية، ليس مجرد تهديد للعولمة، بل منافسة قد يخسرها الذين يؤمنون بالحريات السياسية. 

ماذا علينا ان نفعل؟

تقدّم “بريمر” باقتراحين. الأول إنشاء منظمة مكافئة للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة، تكون مسؤولة عن وضع قواعد أساسية للعالم الرقمي، والبيانات والذكاء الاصطناعي وتطويرها في المستقبل. إما الثاني هو حاجة العالم لمنظمة تجارة عالمية رقمية، تسمى منظمة البيانات العالمية. كما هو الحال في منظمة التجارة العالمية التي يجتمع فيها الدول التي تؤمن بالانفتاح والشفافية عبر الإنترنت، سيكون لدى الصين الحافز الاقتصادي والأمني للانضمام لها، خاصة إذا أصبحت الوسيلة الوحيدة التي تستطيع بها بكين تأمين الوصول إلى الأسواق المتقدمة. ستعمل الجزر بشكل أقوى من العصا. 

رأى أنه من الضروري أن تفكّر أميركا وأوروبا واليابان والشركاء الراغبين والمتقاربين معًا لوضع معايير مستقبلية للذكاء الاصطناعي والبيانات والخصوصية وحقوق المواطنين والملكية الفكرية، وتطوير أمانة دائمة لتحديد هذه المعايير وآلية قضائية لتطبيقها. هذه هي الطريقة التي يمكن من خلالها معالجة الحرب التكنولوجية الباردة بين الولايات المتحدة والصين.

رغم ذلك، أكد على أن هناك مجال أن يكون التعاون الصيني مع الغرب حاسمًا ومجديًا في الوقت الحالي. نحن بحاجة لبناء “خطة مارشال الخضراء” لمكافحة تغير المناخ، وهو مشروع يموله الغرب بشكل رئيسي ويتضمن أفضل أفكار القطاع الخاص والعلماء. 

وتخضع “الصفقة الجديدة الخضراء” للتدقيق الآن في الولايات المتحدة بافتراض أن الأميركيين يمكنهم حل مشاكل المناخ الخاصة بهم. تحتل الصين المركز الأول في انبعاث الكربون عالميًا، وتشترك في مكافحة تغيير المناخ. نيويورك وطوكيو ليست وحدهما من يواجه الأعاصير، بل شنغهاي أيضًا. 

الدور العالمي لليابان

لقد اعتقدت لفترة طويلة أن قمة GZERO يجب أن تعقد في مدينة طوكيو التي يحتاج العالم لها للقيام بدور فريد. ففي عالم تسوده السياسة، أصبحت اليابان هي الديمقراطية الصناعية الأكثر تقدمًا في العالم. رغم العديد من الخلافات في الحياة اليابانية، فهي الدولة الوحيدة التي تحدت الاتجاه العالمي نحو الاستقطاب.

ويرى أن المؤسسات اليابانية تتمتع بشرعية عامة أكبر من أي دولة أخرى، بالإضافة إلى أن القطاع الخاص هناك مبتكر وحركي. في الوقت الذي فشلت الحكومات في حماية أمن مواطنيها وازدهارهم على المدى الطويل، تمتلك اليابان شبكة أمان اجتماعي قوية. 

وتحتاج اليابان لزيادة نسبة النساء في سوق العمل، وخاصة المناصب العليا. ولا يزال التحدي الذي تواجهه اليابان في إدارة الديون العامة غير المستدامة مستمرًا، لكنها تمتلك من المزايا ما يمكنها من مساعدة العالم على مواجهة تحدياته، ظهر هذا من خلال مشاركة رئيس الوزراء “آبي” مع القادة السياسيين ورجال الأعمال في الهند وألمانيا وإيران والعديد من الحكومات في أفريقيا.

وعليه هناك خمسة مجالات تحتاجها القيادة اليابانية:

  1. يمكن لليابان توجيه العالم نحو النمو الاقتصادي المستدام. فقد أصبحت تكلفة “النمو بأي ثمن” واضحة، وظهرت في تلوث الماء والهواء. كما فرض فشل الحكومات في حماية العقد الاجتماعي الذي يربطها بالمواطنين على العالم ضرورة إقامة نموذج من “الرأسمالية المستدامة”. 
  2. يمكن لليابان تعزيز التعاون والحد من الصراع بين الصين والولايات المتحدة، عن طريق منح كل جانب حافزًا أكبر للتنسيق في المجالات التي تتوافق فيها مصالحهم ويتجنبا المواجهات.
  3. يمكن لليابان دعم المؤسسات المتعددة الأطراف؛ حيث يعتقد أن اليابان يجب أن تنضم إلى البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية والعمل على جعل المؤسسة أكثر مركزية لمبادرة الصين للحزام والطريق. وسيكون الأمر جيدًا لليابان والشركات اليابانية. وإقناع حلفائها الأميركيين بالانضمام أيضًا. ويجب على اليابان العمل مع ألمانيا وكندا والحكومات الأخرى التي توافقها الرأي للدفاع عن المؤسسات الدولية القائمة والمشاركة الكاملة في وضع القواعد العالمية للتجارة وسياسات نقل البيانات والابتكار. 
  4. يمكن لليابان مواصلة العمل على إنشاء مركز للتنسيق والمراقبة السيبرانية لتشجيع وتوجيه الاستثمار لمجال البحث والتطوير، يمكن أن يتحقق ذلك بالتعاون مع البلدان المشتركة في التحالف الاستخباراتي “Five Eyes” بالإضافة إلى ألمانيا.
  5. يمكن أن تقود اليابان كيفية توفير وتنسيق توزيع المساعدات الإنسانية التي يحتاجها العالم بشدة، والتنمية المستدامة خاصة في مجالات الرعاية الصحية وبناء المدن الذكية وذلك على اعتبارها واحدة من أغنى دول العالم، بالإضافة إلى تمتعها بالمصداقية.

نهاية النظام الأميركي

اختتم “بريمر” بأنه عند النظر لمستقبل العلاقات بين الأمم، هناك تنبؤ واحد يمكن توقعه: أنه بغض النظر عما يحدث في الانتخابات الأمريكية المقبلة، فقد انتهى النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة. لكن يجب إدراك أن التطلعات التي يمثلها هذا النظام لا تزال قائمة بالنسبة لكثير من الدول. لم تعد أمريكا تدعي أنها القوة الدافعة الأساسية في الدفاع عن قيم مثل الحرية والإنصاف وسيادة القانون وحرية التعبير والدافع الإنساني. 

المنافسة والصراع بين الدول أمر لا مفر منه. سيجلب احترار الكوكب وصعود الذكاء الاصطناعي تحديات وجودية، لكن سيكون العالم بلا قيادة يمكن الثقة فيها والتعويل عليها، فالأمر متروك للجميع لملء الفراغ، وسيكون من الجيد إذا كانت اليابان في هذا الموقف.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى