
خطوات مصر نحو “توطين” الصناعة .. رصد لما تم على الأرض
غالبًا ما تطمح الدول في زيادة استثماراتها بالقطاع الصناعي، وبخاصة الدول البترولية، والتي تسعى دائمًا إلى زيادة انتاجها وصادراتها من المنتجات الغير بترولية، وهو ما كان حلم الحكومة المصرية لبعض الوقت بل وزيادة حجم الانتاج البترولي ليغطي الاستهلاك المحلي، لكن كل تبدل إلى النقيض بعد الكشوف البترولية الاخيرة وعلى رأسها حقل ظهر والذي ينتج 2.7 مليار قدم غاز يوميًا ووضع مصر بقوة على خريطة التصدير.
أما بالنسبة للقطاع الصناعي، فاستطاعت مصر جذب العديد من الاستثمارات الاجنبية، نظرًا لاستقرار الأوضاع الداخلية، وتوفير المناخ الجيد للاستثمار، ولم يتوقف حلم القيادة السياسية عند هذا الحد، بل سعت إلى توطين العديد من الصناعات بمصر. مما يعمل على خفض اسعار المنتجات، وتنمية البيئة الاستثمارية، وامتلاك حقوق التصنيع والتصدير للدول المجاورة.
مساعي توطين بمختلف القطاعات الصناعية
- قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات
وكان آخر هذه المساعي، توصية الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، لوزراء الدولة للإنتاج الحربيّ الدكتور محمد سعيد العصار، والتربية والتعليم والتعليم الفنيّ الدكتور طارق شوقي، والتعليم العالي والبحث العلميّ الدكتور خالد عبد الغفار، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الدكتور عمرو طلعت، ومسئولي بعض الجهات المعنية. بضرورة توطين صناعة “التابلت” في مصر، بالتعاون مع كبرى الشركات العالمية؛ خاصة في ظل اعتماد منظومة التعليم الجديدة على استخدامه، وقرار المجلس الأعلى للجامعات بتطبيق نظام الامتحان الإلكتروني بالجامعات المصرية، وتعميم التجربة على كل الجامعات في جميع التخصصات في غضون عامين.
ولم يكن التوطين من أجل خدمة قطاع التعليم فقط، فقد سعت الدولة أيضًا لتوطين صناعة الحواسب والتابلت في مصر، بالتعاون بين شركة Dell، بمركز نظم المعلومات والحواسب التابع لوزارة الانتاج الحربي، وشركة بنها للصناعات الإلكترونية، وتدريب العاملين على استخدام الاجهزة وكل ما هو جديد في مجالي “Al” و “IOT”.
- الهواتف المحمولة
أنتجت مصر اول هاتف محمول مصري بأسم “سيكو ” الشركة المصرية لصناعات السيليكون ”سيكو مصر” بالصعيد، ومن المقرر تصديره لألمانيا وعدة دول اوروبية نوفمبر المقبل.
كما تسعى شركة لافا موبايل (LAVA mobile )، لتعزيز تواجدها في السوق المصري بقوة، كما تخطط لتوطين وتصنيع عدد من منتجاتها في مصر، لتكون مصر قاعدتها الصناعية والتصديرية، والبوابة الرئيسية لتوسعاتها القادمة في القارة الإفريقية.
- التكنولوجيا الصناعية
تجري الهيئة العربية للتصنيع مباحثات مع وفد اتحاد الغرف الإيطالية لصناعة الرخام، نقل الخبرة الفنية وتدريب الكوادر البشرية وتوطين تكنولوجيا صناعة معدات وماكينات الرخام وفقًا لمواصفات الجودة العالمية بمصر، لتلبية احتياجات السوق المحلي مع التوسع مستقبلاً لفتح منافذ للتصدير لإفريقيا والمنطقة العربية.
- قطاع النقل والمواصلات
ولم يكن توطين الصناعة غاية في حد ذاتها، لتوفير النفقات، بل كان هدف في حد ذاته، لذا لم تكن صناعة التابلت هي الصناعة الوحيدة التي تم توطينها، بل سبقها توطين عدة صناعات، ومنها صناعة الجرارات وعربات القطارات، في مصانع شركة “سيماف” التابعة لوزارة الإنتاج الحربي، وكذلك داخل ورش السكك الحديدية، مثل كوم أبو راضي والسبتية وإيرماس وغيرها. حيث تم توقيع اتفاقية على هامش منتدى «الحزام والطريق» لتطوير وتحديث مصنع سيماف وبقية خطوط الصناعة بالمصنع حتى يكون قادرًا على تصنيع عربات القطار السريع والمونوريل بتقنياته الجديدة التي تدخل مصر لأول مرة، كما نصت الاتفاقية أيضا على تدريب الكوادر الفنية والهندسية المصرية في الصين والاطلاع على التقنيات الفنية الحديثة تمهيدًا لتوطين هذه المشروعات في مصر. كذلك بحث التعاون المشترك مع شركة بومبارديه العالمية، لتوطين صناعة الجرارات بمصنع سيماف.
فضلا عن توجيه الرئيس السيسي بتوطين صناعة السيارات، منتصف العام الجاري، سواء السيارات التى تعمل بالوقود التقليدي، أو السيارات الكهربائية، فقد كان يقتصر الدور المصري في عملية التصنيع على التجميع فقط، ووفقًا لجهود فردية للشركات، بل في حال التوطين سيتحول الامر إلى كون مصر دولة مصنعة ومركز تصدير للدول المجاورة، ومركزًا إقليميا يتصدر قائمة مصدري المركبات الكهربائية مستقبلا.
وبالفعل، دشنت وزارة الإنتاج الحربي المصرية نهاية أكتوبر الماضي، مشروع توطين تصنيع الحافلات الكهربائية لخدمة قطاع النقل والمواصلات، بالتعاون مع شركة (فوتون) الصينية. في اتفاقية تتضمن تصنيع 2000 حافلة على مدى أربع سنوات، بحيث يتم تصنيع أول 50 حافلة في الصين، على أن يتم تدريجيا نقل الخبرات الصينية إلى مصنع 200 الحربي.
أما عن الصفقات الجاري بحثها، فأعربت شركة “جاز” الروسية لصناعة السيارات، خلال زيارة الرئيس السيسي الاخيرة إلى سوتشي، عن تطلعها لاقتحام السوق المصري وتوطين صناعة السيارات الكهربائية بها.
كما بحث الدكتور محمد سعيد العصار وزير الدولة للإنتاج الحربى مع مدير عام شركة ” منسك موتورز” البيلاروسية، بداية أكتوبر الماضي، توطين صناعة المحركات وإقامة خط تجميع لمحركات الديزل بقدرات من ( 15: 200 ) حصان، بالتعاون مع شركة “حلوان لمحركات الديزل” إحدى الشركات التابعة للهيئة القومية للإنتاج الحربى.
- قطاع التسليح
مصر تحارب الإرهاب بسواعد ابناءها ومعداتها، فقد شهدت الساحة المصرية والعالمية حالة من الارتباك، في اعقاب ثورة 30 يونيو، مما دفع بعض الدول إلى تجميد صفقات التسليح مع القاهرة، وإيقاف توريد قطع الغيار، مما أثر بشكل كبير على خطة مواجهة الإرهاب، لذا اتجهت الدولة حينها إلى تنويع مصارد السلاح، وتوطين صناعة الأسلحة المتقدمة على أراضيها، عبر التوسع فى سياسات التصنيع المشترك مع عدد من دول العالم، وصولا إلى التصنيع الكامل للمعدات والتطوير منها بمشاركة سلاح المهندسين.
وكانت البداية، بتصنيع سلاح مصرى مطور، بنسبة مكونات محلية تزيد على ٦٠ ٪، تمهيدًا لتوطين الصناعة بالكامل على أرض الوطن. وبتكلفة ٣ مليارات جنيه، أقيم مجمع «الصناعات الدفاعية» إلى جوار القسم الشمالى الشرقى من الطريق الدائرى بالقاهرة.
وفي نهاية 2015، تم استأنف التعاون المشترك مع الولايات المتحدة الامريكية للإنتاج المشترك لدبابات إبرامز «إم١ إيه١». كما تم تدشين خطة التصنيع المشترك لعدد من اللنشات، التى يتم تصنيعها بالشركة المصرية لإصلاح وبناء اللنشات، وبدأت بتصنيع لنش مرور ساحلى ٢٨ مترًا.
بينما كان التعاون مع فرنسا بحري جوي، فقد تقرر أن يقوم الجانب الفرنسى ببناء ٤ فرقاطات من طراز «جوويند»، داخل ترسانة الإسكندرية البحرية. واستكمال التصنيع المشترك لطائرة مروحية فرنسية متعددة المهام من طراز «جازيل»، التى تعد مصر أكبر مشغل أجنبى لها، ويتم إنتاجها بالفعل بالتعاون مع الهيئة العربية للتصنيع وشركة «إيروسبيسيال» الفرنسية.
كما تتعاون مصر مع بريطانيا، فى مجال التصنيع المشترك لمدفع «الهاوترز D -٣٠» ذاتى الحركة، وهو مدفع ميدانى خفيف، يستخدم مع القوات خفيفة الحركة، بالإضافة إلى ذلك، التعاون مع الصين في التصنيع المشترك لطائرة التدريب المتقدم، من طراز «كى ٨ إى» فى مصانع الهيئة العربية للتصنيع، ومن المقرر أن تصل نسبة المكون المصرى فى تصنيع هيكل الطائرة إلى ما يزيد على ٩٤٪.
- قطاع الكيماويات
استطاعت مصر اقتحام مجال الكيماويات بقوة، بهدف توطين صناعة فوق أكسيد الهيدروجين فى مصر والمستخدم فى صناعة المنسوجات والورق والمنسوجات الغذائية، واستغلال غاز الهيدروجين الناتج من صناعة الكلور. حيث يقدر حجم الاستيراد السنوى من فوق أكسيد الهيدروجين فى حدود 15 ألف طن.
- قطاع الفضاء، والاستشعار عن بعد
وفي سياق متصل، تنوي مصر اقتحام الفضاء وتصنيع الأقمار الصناعية، وكانت خطوة البداية بإنشاء وكالة الفضاء المصرية، إذ تصل أرباح المبيعات 400% من التكلفة الاصلية. وتدرس مصر إقامة شراكات دولية خاصة مع الصين وروسيا لتوطين صناعة الاقمار الصناعية بمصر
- الطاقة
تعمل وزارة الانتاج الحربي على وضع خارطة طريق توطين تكنولوجيا جديدة وهى الطاقة الشمسية المركزة ( CSP ) بمصر وتصنيع مكونات هذه المنظومة بشركات ووحدات الإنتاج الحربى وذلك في ظل اتجاه الدولة للتوسع في استخدام الطاقة الشمسية والتي تعد مستقبل الطاقة الجديدة والمتجددة في العالم كله.
كما أن هناك اتفاق مع مجموعة تنجسرام المجرية العالمية على البدء في الخطوات التنفيذية للشراكة وتوطين تكنولوجيا صناعة أنظمة الإضاءة الحديثة، من اللمبات الموفرة للطاقة الليد وكشافات إنارة الشوارع وحلول الإضاءة الذكية للمدن والمباني ووسائل النقل.
- الالعاب الالكترونية:
وكانت نقطة البداية، من خلال توصيات الرئيس السيسي بمنتدى شباب العالم 2018، بضرورة وأهمية توطين صناعة الألعاب الإلكترونية فى مصر ودول المنطقة، خاصة بعد قرار الرئيس بتدريب ١٠ آلاف شاب من مطورى الألعاب الإلكترونية فى مصر.
- الصناعات الدوائية:
عانت مصر لفترات من أزمة نقص الدواء، وهو ما دفع القيادة السياسية إلى العمل على توطين بعض الادوية الهامة، بالتعاون مع أذرع الدولة للإنتاج الدوائي والشركات التابعة لها، ونجحت في تصنيع الأنسولين محليًا، كذلك توطين صناعة مشتقات البلازما، حيث تقوم الوزارة بإنشاء عدد من مراكز تجميع البلازما، تمهيداً لإنشاء مصنع مشتقات البلازما من قبل إدارة الخدمات الطبية بالقوات المسلحة وفقاً للمعايير الدولية.
كما تعمل على توطين صناعة أدوية قطرات العين أحادية الجرعة من خلال الشركات المحلية والمملوكة للدولة، وبذلك تصبح مصر هي أول دولة في الشرق الأوسط تتميز في إنتاج هذا النوع من القطرات.
توطين جغرافي وصناعات واعدة
اتخذ توطين الصناعة شكل مخالف في عقود سابقة، حيث اتسم التوطين في هذه الفترة بالتركز الجغرافي، أو تميز محافظة ما بصناعة معينة وخروج أكبر كم من الانتاج منها، فعلى سبيل المثال:
- صناعة الاثاث: والتي توطنت لعقود سابقة بمدينة دمياط، حيث يتم انتاج اكثر من 50% من صناعة الاثاث بها، لتخدم السوقين المحلي والعلمي. ويتم العمل على تطويرها بمدينة دمياط الجديدة، بحيث تضم المنطقة الصناعية 2400 ورشة صغيرة ومتوسطة، و75 مصنعا، وتوفر المدينة الجديدة 100 ألأف فرصة عمل مؤقتة و30 فرصة عمل دائمة.
- صناعة الغزل والنسيج: والتي توطنت لعقود حتى تسعينيات القرن الماضي، بمدينة المحلة الكبرى، والتي اتسمت بجودة صناعة الغزل والنسيج، وتصدير المنتجات القطنية للخارج.
- صناعة الجلود: بمدينة الروبيكي والتي تقرر نقلها من منطقة المدابغ بوسط القاهرة إلى مدينة بدر، والمنتظر جني ثمارها خلال عام، وتوفر المدينة تعمل على توفير كافة الامكانات لصناعة متكاملة للجلود وليس الدباغة فقط، وتصدير منتج تام الصنع.
وعلى هذا الغرار يوجد الكثير من الصناعات التي يمكن توطينها بمحافظات معينة نظرًا لتواجد المواد الخام بها. واستغلال المزايا النسبية لكل محافظة، على سبيل المثال توطين صناعة الحديد والصلب من المفترض أن تكون فى جنوب مصر لتوافر المواد الخام، وصناعة الأسمنت فى سيناء حيث تمتلك 80% من خامات الأسمنت، وتوطين محطات توليد الكهرباء بالرياح في منطقة جبل الزيت، وصناعة المواد الغذائية نظرًا لتزايد أعداد البطالة بالمحافظة مما يجعلها ارض خصبة للصناعات كثيفة العمالة كالصناعات الغذائية.
باحث أول بالمرصد المصري



