
سد النهضة: جولة جديدة من المفاوضات بحضور أمريكي
بدأت أمس الجمعة الخامس عشر من نوفمبر 2019 في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا جولة جديدة من المفاوضات حول سد النهضة من أجل التوصل إلى اتفاق يحقق الفائدة لكل من مصر والسودان وإثيوبيا، وجاء هذا الاجتماع تنفيذاً لمخرجات اجتماع وزراء خارجية الدول الثلاث في واشنطن في السادس من نوفمبر الجاري بحضور وزير الخزانة الأمريكي ورئيس البنك الدولي، والذي تضمنت نتائجه عقد أربعة اجتماعات بين وزراء الموارد المائية والوفود الفنية للدول الثلاث، يتخللهما اجتماعان في العاصمة الامريكية واشنطن في التاسع من ديسمبر والثالث عشر من يناير المقبل، على أن يتم التوصل على اتفاق نهائي بحلول منتصف يناير 2020.
وتتناول هذه الجولة من المفاوضات والتي تستمر لمدة يومين مقترحات الدول الثلاث حول فترة ملء وتشغيل السد، حيث تشكل نسب تخزين المياه نقطة الجدل الأساسية بين الدول الثلاث منذ أن اقترح فريق الخبراء الفنيين للدول الثلاث عام 2018 ملء بحيرة السد على ثلاث مراحل: المرحلة الأولى تخزين 5 مليارات متر مكعب لتشغيل توربينات توليد الكهرباء، ولم يكن هناك خلاف حولها بين الدول الثلاث، والمرحلة الثانية اقترح الإثيوبيون تخزين 13.5 مليار متر مكعب من إجمالي إيراد النهر البالغ 48 مليار متر مكعب، وهو ما اعترضت عليه مصر السودان لأنه سيؤثر على حصة الدولتين من مياه النيل، الأمر الذي دفع مصر لتقديم مقترح مفاده أن تفرج إثيوبيا عن 40 مليار متر مكعب من المياه سنوياً، ولكن ذلك المقترح قوبل بالرفض من الجانب الإثيوبي الذي اقترح بدوره الإفراج عن 31 مليار متر مكعب فقط.
بدأ الاجتماع بكلمات افتتاحية لوزراء الموارد المائية للدول الثلاث، فعبر الوزير الإثيوبي في كلمته عن التزام بلاده بالتفاوض على مبدأ تحقيق الاستخدام العادل والمتساوي لنهر النيل، وسعي إثيوبيا إلى تحقيق ما اتفق عليه قادة الدول الثلاث، بجانب التوصل إلى اتفاق حول قواعد ملء وتشغيل سد النهضة، وتطرق الوزير الإثيوبي إلى أعمال البناء الجاري في السد، وقال إن إثيوبيا أكملت سد السرج الجانبي لسد النهضة وبلغ العمل في السد الرئيسي 91 في المئة والأعمال المدنية 85 بالمئة، فيما بلغت الأعمال الفنية الكهرومائية 29 بالمئة والبنية التحتية 70 بالمئة، وذكر أن أعمال البناء الكلية في السد وصلت إلى 69.37 بالمئة، وتعمل البلاد لإنهائه في الموعد المحدد، وقال نتوقع ملء السد في موسم الأمطار القادم 2020، وأضاف أن ممثلي الولايات المتحدة والبنك الدولي لن يبديا رأيهما بأي شيء في هذه الاجتماعات.
ووفقاً لبيان وزارة الري والموارد المائية المصرية فقد بحث اليوم الأول استعراض العروض التوضيحية التي تشمل رؤية كل دولة في قواعد الملء والتشغيل المقترحة، حيث تم التأكيد أن المقترح المصري جاء على أساس المبادئ والأسس التي سبق وتم التوافق عليها، وتم تبادل المناقشات الفنية بخصوص استفسارات الدول الثلاثة على العروض التوضيحية المقدمة.
وصرح وزير المياه والري المصري محمد عبد العاطي خلال كلمته بالجلسة الافتتاحية إن مصر ترحب بمشاركة ممثلي الولايات المتحدة والبنك الدولي لأول مرة في هذه المفاوضات، وأضاف أن مصر تعول على هذا الاجتماع بصورة كبيرة من أجل الوصول إلى اتفاق حول المسائل الفنية العالقة في تشغيل وملء سد النهضة، كما أكد الوزير المصري على التزام مصر بالوصول إلى اتفاق عادل ومتوازن سيكون فيه الجميع رابحاً، بحيث تحصل إثيوبيا على أهدافها من بناء السد في توليد الطاقة مع الحفاظ على مصالح دول المصب مصر والسودان وعدم إلحاق أي ضرر بهما.
أما وزير الري السوداني فقد عبر عن تفاؤله بأن تخرج هذه المفاوضات باتفاق عادل يراعي مصالح جميع الأطراف فيما يخص التعاون في ملء وتشغيل السد، وأشار إلى أن المقترحات المقدمة تضع في الاعتبار الظروف المائية التي يمكن أن تنتج عن فترات الجفاف.
وتجدر الإشارة إلى أن موقع “All East Africa” أوضح أن المقترح الإثيوبي الجديد يتضمن الإفراج عن 36.5 مليار متر مكعب من المياه بدلاً من 31 مليار متر مكعب في المقترح السابق، ويتوقع سيف الدين يوسف الباحث والخبير في مجال المياه أنه بنهاية المفاوضات سوف تقبل إثيوبيا أن تمتد فترة ملء السد إلى سبع سنوات استجابةً لضغط البنك الدولي وواشنطن عليها.
اتساقاً مع ما سبق، يمكن القول إن وجود الولايات المتحدة والبنك الدولي كوسيط أو مراقب في المفاوضات الجارية سوف يؤثر بشكل إيجابي على سير المفاوضات بما يمكن من الوصول إلى اتفاق يراعي الأهداف التنموية الإثيوبية والأمن المائي لكل من مصر والسودان، حتى وإن كان الموقف الإثيوبي يصر على اعتبار الولايات المتحدة والبنك الدولي مراقب لا يحق لهما إبداء الرأي أو فرض آليات تتحكم في سير المفاوضات.
باحث ببرنامج السياسات العامة