
النقل الجماعي بمصر خطوة بطريق التنمية المستدامة والنمو الاقتصادي
العلاقة بين التنمية المستدامة والنقل الجماعي تبدو للوهلة الأولى وكأنه لا يوجد أي علاقة، لكن في حقيقة الأمر فهناك علاقة وثيقة بين الأمرين، فمدى تمتع وسيلة المواصلات بالأمان وسرعة الوصول مؤشر هام للحضارة والتنمية والتقدم التكنولوجي، ومساهم قوي في تقدم عجلة التنمية، لأهميتها في نقل القوى البشرية العاملة والمتعلمة لغايات الوصول بسهولة ويسر وفي الوقت المحدد، وفضلًا عن كونها وسيلة للتقارب والتواصل الإنساني، فهي سبيل لتنمية وتشغيل آلاف الموظفين بقطاع النقل والقطاعات المساهمة (الصناعة، الطاقة، الطرق … وغيرها).
وبالرغم من أهمية النقل الجماعي، إلا إنها عانت من مشاكل عدة على مر العصور، ومنها عدم تناسب كم وسائل النقل مع الكثافة السكانية، وانخفاض جودة الخدمة، تهالك عربات النقل والذي ساهم فيها انخفاض جودة الطرق، وعدم القيام بالصيانة الدورية، أو نتيجة التعرض للتخريب من قبل بعض الركاب، عشوائية زمن الانتظار، وضعف الرقابة المرورية، وزيادة معدلات الحوادث المرورية، وعدم وجود شبكة طرق معبدة تغطي كافة المناطق والمحافظات، وهو ما دفع الكثيرين إلى الاتجاه نحو التحرك بسيارات خاصة، مما أدى إلى تفاقم ازمة المرور، وتحميل الشوارع بعدد عربات أكبر من طاقتها الاستيعابية.
لذا، ونظرًا لأهمية وسائل النقل الجماعي، أولت الدولة اهتمام كبير بهذه القضية، وعمدت إلى تطوير الطرق كلبنة أساسية في حل مشاكل النقل، لذا استهدفت بناء شبكة طرق وكباري بطول 7000 كم، تم تنفيذ 5000 كم منها، فضلا عن تطوير وصيانة شبكة الطرق الحالية بإجمالي 5000 كم، وهو ما ادي إلى ارتفاع مصر 90 مركزًا في الترتيب العالمي لمؤشر جودة الطرق خلال 5 سنوات لتحتل المركز 28 عالميًا.
النقل الجماعي بمصر .. تنوع وتطور
وكما تم الاهتمام بالبنية التحتية للطرق، حرصت الدولة على تنويع وسائل النقل الجماعي وتطويرها وتوطين بعض صناعتها، وتتنوع وسائل النقل الجماعي بمصر كالتالي:
- قطارات السكك الحديدية: وتستخدم للانتقال بين المحافظات وضواحيها، ويقدر عدد القطارات الشغالة بحوالي 323332 قطار، بطول سكك 9566 كم، وتخدم السكك الحديدية ما يقرب من 243152 ألف راكب سنويًا وفقا لتقديرات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء لعام 2017.
ويعد آخر مشروعات السكك الحديدية التي أعلن عنها، لربط شبكة السكك الحديدية بشبه جزيرة سيناء، مشروع كوبري “الفردان”، وهو أطول جسر متحرك في العالم حيث يبلغ طوله 340 متراً يمر فوق قناة السويس بالقرب من الإسماعيلية في مسارين.
وحققت الحكومة المصرية طفرة في تطوير قطاع السكك الحديدية، لتحقيق مزيد من الراحة والامان للركاب، حيث تستهدف بنهاية عام 2022 تجديد 1200 كم قضبان بتكلفة 4.5 مليار جنيه، وتطوير الاشارات واستكمال تطوير المزلقانات بتكلفة حوالي 15 مليار جنيه، وتجديد اسطول القطارات من خلال شراء عربات وجرارات جديدة بتكلفة حوالي 40 مليار جنيه، فضلا عن عقد شراكات مع شركة “جنرال الكتريك الأمريكية” لتصنيع وتوريد 100 جرار، تحالف روسى مجرى لتصنيع وتوريد 1300 عربة، كذلك عقد اتفاقية إطارية بين شركة تالجو الإسبانية مع مصنع سيماف للتصنيع المشترك لمعدات التشغيل، وقيام مصنع سيماف بتصنيع 40 عربة قوى كهربائية بمبلغ 800 مليون جنيه لخدمة القطارات المكيفة، لمواجهة الاعطال المتكررة خاصة بفصل الصيف.
ويرجع الاهتمام البالغ بتطوير السكك الحديدية، نظرًا لارتفاع عدد حوادث القطارات إلى 2044 حادثة عام 2018 بزيادة 14% عنها في عام 2017، أغلبها بقطارات الوجه البحري بإجمالي 1364 حادثة، وأسفرت الحوادث عن وفاة 48 شخص، وإصابة 140 مصاب، واغلبها بسبب اصطدام المركبات ببوابة المزلقانات.
- مترو الأنفاق: ويربط بين محافظات القاهرة، والجيزة، والقليوبية، وتم تنفيذ، يوجد 337 وحدة بالخدمة، تخدم 243152 ألف شخص، بمعدل تزاحم (متوسط عدد ركاب الدور الواحد/متوسط عدد المقاعد) 10.9، وتم تنفيذ الخطين الاول والثاني، ونصف الخط الثالث والمقرر أن يكون بطول 47.9 كم، ومن المقرر إنشاء ثلاث خطوط اخرى هي: الخط الرابع ويمتد (الطريق الدائري بجوار دريم لاند-القاهرة الجديدة) ينفذ على مرحلتين، والخط الخامس بعدد 17 محطة، تمتد من (مدينة نصر-الساحل)، الخط السادس بطول 30 كم وعدد 24 محطة تمتد (الخصوص – السيدة زينب-المعادي الجديدة)، وذلك لتخفيف العبء عن الخط الاول وخدمة المناطق المكتظة بالسكان ولا تخدمها أية من خطوط المترو.
ومن المقرر أن تصل طاقة شبكة خطوط مترو القاهرة الكبرى 8.9 مليون راكب/ يوم.
ولن تكون القاهرة الكبرى فقط صاحبة النصيب الاوحد من مترو الانفاق، فيجري الان التخطيط لإنشاء مترو انفاق بالمدن المليونية، ومن أهم المحافظات التي سيكون لها نصيب في ذلك المخطط:
- الاسكندرية: يجري حاليا التخطيط لتحويل قطار أبو قير في محافظة الإسكندرية إلى خط مترو أنفاق، بإجمالي طول حوالي 43 كم. تنفذ على ثلاث مراحل.
- القليوبية: يجري الآن إعداد الدراسات الاستشارية من قبل شركة “سيسترا” الفرنسية، لمد الخط الثاني للمترو “شبرا الخيمة- المنيب” إلى مدينة قليوب، بطول 8 كم، من أجل تخفيف الضغط بمنطقتي شبرا الخيمة وقليوب ومحيطهما.
- الدقهلية: ويتم دراسة تنفيذ شبكة مترو منفصلة في مدينة المنصورة داخليًا غير مرتبطًا بالقاهرة نظرا للزحام الشديد بها، لتخفيف الضغط على منطقة الكورنيش.
- أسيوط: والتي تتشابه مع نهج المنصورة، بدراسة شبكة مترو داخلية غير مرتبطة بالقاهرة.
- اتوبيس النقل العام: تقدر عدد الاتوبيسات العاملة بالخدمة 3810 أتوبيس (637 مكيف، 3173 عادي)، بإجمالي 2268 خط، بطول 273931 كم. وبمتوسط كفاءة تشغيل 72%، وتخدم 824235 ألف راكب سنويًا وتحقق إيرادات اجمالية بمقدار 1313430 ألف جنيه، ويقدر معدل التزاحم بـ 3.3، وذلك وفقًا لتقديرات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء.
- ميني باص: تقدر عدد الميني باصات العاملة بالخدمة والتابعة للقطاع العام 1022 ميني باص (387 مكيف، 635 عادي)، ويغلب تواجدها بمحافظات الصعيد، والوجه البحري مقارنًة بأعداد اتوبيسات النقل العام.
- الأجرة: وتتضمن أي سيارة مرخصة لنقل الركاب، بدون مسار محدد مسبقًا، ويقدر عددها بـ 376456 سيارة بنهاية 2018م.
- الميكروباص: وهي سيارة مخصصة لنقل الركاب، ولا يتعدى عدد الركاب 11 راكب، لكن لا يوجد أي إحصاءات رسمية لعددها، وغالبًا ما تنتشر بالأحياء العشوائية وتسير في مسارات عشوائية، دون الالتزام بالقواعد المرورية السليمة.
- التوكتوك: وهي مركبة بثلاث عجلات تستخدم لنقل الاشخاص بالمناطق الشعبية والقرى، وبدأ ظهروه منذ حوالي 14 سنة، كبديل عن عربات الاجرة لامكانية وصولها للشوارع الضيقة، لكن يعيبها عدم الالتزام بقواعد المرور، وغالبًا ما يقودها أطفال نظرًا لعدم ترخيص اغلبها، وعدم وجود تعريفة محددة للأجرة، وتصل تقديرات أعداد التوكتوك بمصر إلى 5 ملايين مركبة ولكن ما هو مرخص منها يقدر بـ 183884 توك توك، وقد أعلنت الحكومة في سبتمبر الماضي اعتزامها منع التوك توك بالشوارع المصرية، واستبدالها بسيارات صغيرة (ميني فان) مرخصة خلال ثلاث أعوام.
وظهرت في الآونة الأخيرة، أنواع متطورة للنقل الجماعي ومن أهمها:
- النقل الذكي: ويعني بخدمات النقل البري باستخدام تكنولوجيا المعلومات، فضلا عن استخدام التكنولوجيا في مراقبة الطرق وميكنة الاشارات، ومن أقوى الامثلة على هذا النوع من الخدمات، العربات التابعة لشركات (اوبر – كريم – سويفل)، وتتخطى أعداد سائقي هذه الشركات المليوني سائق
وانضمت لهم حديثا مواصلات مصر، تم تأسيسها في 2011، برأس مال 32 مليون جنيه، وتخدم مركباتها القاهرة الكبرى، ومن خلالها أصبحت القاهرة أول مدينة في الشرق الأوسط وأفريقيا تضع مسارات الأتوبيسات على موقع جوجل، وقد تم مؤخرًا إطلاق منظومة الأتوبيسات الكهربائية الذكية لأول مرة في مصر، والتي يتم فيها تطبيق منظومة الدفع الإلكتروني، بالتحالف مع الهيئة العربية للتصنيع مع شركة وانكسيانج الصينية العالمية وشركة يونيتد إنفستمنت.
- المونوريل: أو مشروع القطار الكهربائي «السلام – العاصمة الإدارية – العاشر من رمضان»، وهو إحدى وسائل النقل السريعة، التي من المتوقع أن تنقل 350 ألف راكب يوميا (60 ألف راكب في الساعة). وجاري إنشائه بتكلفة 461 مليون دولار، ويبلغ طوله 74 كم، في مسار موازيا لطريق القاهرة – الإسماعيلية بإجمالي 12 محطة، وصولا إلى المركز الطبي العالمي، ثم يتفرع شمالا إلى مدينة العاشر من رمضان، وجنوبا إلى العاصمة الإدارية الجديدة.
خريطة وسائل النقل الجماعي بمصر
وتتنوع وسائل النقل الجماعي بمحافظات مصر، لكن السمة الأبرز هي تزايد عدد سيارات الأجرة المرخصة، بالمقارنة بالاتوبيسات، فبعض المحافظات تعتمد عليها بشكل شبه كلي كمحافظات (شمال سيناء، الفيوم، بورسعيد).
وتعد الجيزة من أكثر المحافظات التي تحوي اتوبيسات خاصة، والتي غالبا ما تستخدم بالنقل الداخلي بالمحافظة، بينما كانت محافظة الدقهلية من أكثر المحافظات المرخص بها التوك توك.
ومن الملاحظ ايضًا أن تراخيص الاتوبيس لا تتعدي 25% من اجمالي المركبات باستثناء المحافظات السياحية كـ( الجيزة- الاقصر- البحر الأحمر- جنوب سيناء)، والتي أغلبها اتوبيسات سياحية. لكن هذا الوضع يتنافى تمامًا مع السعي نحو القضاء على الزحام المروري. وهو ما بدأ تداركه في الاونة الاخيرة برفض ترخيص المزيد من سيارات الاجرة، العمل على تنويع جودة وأسعار الخدمات المقدمة من قبل النقل الجماعي، بما يتناسب مع كافة الفئات الاجتماعية، لتقليل الاعتماد على السيارات الاجرة والسيارات الخاصة.
القواعد المنظمة للنقل الجماعي
ولكن يجب أن يكون للتطوير قانون يحميه، ففي كل دقيقة نرى صورة من صور المخالفة والتعدي على وسائل النقل، سواء كانت المخالفة من قبل السائق، متمثلة في عدم احترام قواعد المرور، أو من قبل أحد العاملين بمنظومة النقل، نتيجة لسوء استخدام السلطة المخولة إليه، أو عدم الكياسة في التعامل مع الجمهور، وهو ما قد يتسبب في تأفف متلقي الخدمة، وقد يصل الامر إلى حد الاصابة أو الوفاة، وقد تكون المخالفة أيضا من قبل الركاب، من خلال التهرب من دفع قيمة التذكرة أو التدخين أو تخريب المركبات وتشويهها.
لذا عمدت وزارة النقل إلى اعادة تدريب الموظفين المتعاملين مع الجمهور بشكل مباشر، لتلافي المشادات، وسوء التصرف، وعدم فهم مواد القانون. كما تضمن قانون المرور الجديد، بعد المواد تستهدف ردع المُخالفات التي تشهدها مصر يوميًا لأسباب مختلفة.
على خطى تجارب دولية ناجحة
لا يوجد دولة بالعالم تمكنت من التخلص من مشاكل النقل بشكل نهائي، لكن تسعى الدول إلى تحسين منظومة لنقل إلى افضل وضع ممكن، وتمكنت العديد من الدول من تحسين جودة النقل ببلادها ومن اهمها:
- السعودية: حيث تستقبل ما يقرب من 2.5 مليون حاج سنويًا، فضلا عن ملايين المعتمرين، يقوموا بأداء المشاعر المقدسة في وقت واحد، وبحاجة إلى التنقل في اوقات متزامنة، مما كان يخلق ازمات مرورية، وحوادث طرق وتدافع يروح ضحيتها المئات، لذا كان الحل من خلال قطار الحرمين السريع، وهو عبارة عن خط سكة حديدية كهربائي يربط بين منطقتي مكة المكرمة والمدينة المنورة خلال 120 دقيقة فقط مرورًا بمحافظة جدة[1]، ومدينة الملك عبدالله الاقتصادية بطول 450 كم، وبطاقة استيعابية تبلغ 60 مليون مسافر سنويًا، وسرعة تشغيلية تصل إلى 300 كلم/ساعة، وهو يشبه في كثير من مواصفاته “المونوريل” بمصر.
- الامارات: حققت الامارات طفرة مهولة في مجالات البنية التحتية لإنشاء شبكة السكك الحديدية، وأنظمة المواصلات المختلفة، وتسعى الآن إلى تحويل 25% من إجمالي الرحلات إلى رحلات ذاتية القيادة بحلول عام 2030، كما تدرس تطوير استخدام وسائل مواصلات تستخدم مصادر بديلة للطاقة مثل المركبات الهجينة والكهربائية. وهي نفسها الخطوة التي بدأت اتخاذها بالشراكة مع مواصلات مصر.
- البرازيل: اعتمدت البرازيل على نظام BRT أو الحافلة سريعة التردد. ويعتمد على حافلات ذات سعة كبيرة تسير على مسارات مخصصة، وتُقدم مستوى عال من الخدمات؛ إذ تسير بترددات تصل إلى دقائق معدودة. وكان أول استخدام له في مدينة كوريتيبا– البرازيل عام 1974، ويستخدم في 60 مدينة بأمريكا الجنوبية، وبالفعل تبحث مصر تطبيق التجربة في القاهرة والعاصمة الإدارية الجديدة.
عوائد تطوير منظومة النقل الجماعي
ففضلًا عن تحقيق مزيد من التنمية والراحة والامان للراكب، والمساهمة في دفع عجلة الانتاج بتوفير الراحة للعمالة، إلا أن تحقيق مزيد من التقدم في هذا القطاع يضمن تبوء مصر مراتب عليا في التصنيفات الدولية المختلفة، وعلى رأسها مؤشر التنافسية العالمية، كما إنها سبيل قوي لجذب المزيد من الاستثمارات الاجنبية، والتي تهتم عند اختيار الدولة المستثمر فيها بمراجعة جودة الطرق، لضمان سرعة توزيع المنتج، وانخفاض التكلفة المدفوعة في الطاقة، وانخفاض تكلفة الوقت المهدر بعملية توزيع المنتج من المصنع إلى مراكز التوزيع/البيع.
باحث أول بالمرصد المصري