
اغتيال “بهاء أبو العطا”.. تفكيك للقنبلة أم إشعال لفتيلها؟
ظهر رئيس الحكومة الإسرائيلية لتسيير الأعمال “بنيامين نتانياهو” في مؤتمر صحفي يرافقه رئيس الأركان للجيش الإسرائيلي “أفيف كوخافي”، ومدير جهاز الشاباك “ناداف أرجمان” الملقب بـ “مهندس الاغتيالات”، وذلك بعد إعلان نبأ اغتيال إسرائيل للقائد الميداني لكتائب سرايا القدس (الذراع العسكرية للجهاد الإسلامي) “بهاء أبو العطا”، في هذه الأثناء وصف نتانياهو “بهاء أبو العطا” بالقنبلة الموقوتة، الجاهزة للانفجار في أي لحظة، فكان من اللازم تحييد خطرها عن طريق اغتياله. وتزامن مع عملية الاغتيال، محاولة اغتيال أخرى لـ “أكرم العجوري” (المنسق العام للاتصالات الخارجية بين الجهاد الإسلامي وإيران وفيلق القدس).
لم يتوقف الجهاد الإسلامي من إطلاق الصواريخ صوب جنوب تل أبيب، ومستوطنات غلاف غزة؛ إذ تم إطلاق ما مجموعه 190 صاروخًا حتى الآن (حتى مساء 12 نوفمبر 2019)؛ ردا على حوادث الاغتيال. وأصدرت حركة حماس، وغرفة العمليات المشتركة بين حماس والجهاد، بيانا يقر فيه على ضرورة التكاتف لصد “الاعتداءات الإسرائيلية”، وضرورة الرد الانتقامي على عملية الاغتيال.
وهنا تدور مجموعة من الأسئلة، أهمها، لماذا في هذا التوقيت بالتحديد سعت إسرائيل لتسيير عمليات اغتيال ضد قادة الجهاد الإسلامي في غزة ودمشق، وإلى أين ستصل مسارات التصعيد بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في غزة.
استهلاك المشهد السياسي
لم يكن قرار اغتيال بهاء أبو العطا وليد اليوم، بل تم الاتفاق على اغتياله منذ نحو أسبوع تقريبا في جلسة اجتماع وزاري أمني مصغر في تل أبيب (حسب المصادر الرسمية الإسرائيلية). ذلك على المستوى السياسي الرسمي، أما على المستوى الشخصي: فكان هناك اعتزام شخصي من نتانياهو باغتيال بهاء أبو العطا لتسببه في إطلاق صواريخ على المؤتمر الانتخابي لنتانياهو في أشدود (سبتمبر 2019). وكان سبب تأخر تنفيذ القرار حسب ما جاء في الاجتماع الوزاري “إلا أن تتحين الظروف لذلك”. وهو ما يستدعي السؤال ما هي الظروف التي دفعت نتانياهو إلى تنفيذ قرار الاغتيال؟
يواجه نتانياهو نوعين من الأزمات على المستوى الداخلي في إسرائيل، أولا: أزمة قضائية يمكن إيجازها بعبارات بسيطة بالقول إن نتانياهو ينتظر قرار المستشار القضائي النهائي المصادقة على اتهام نتانياهو في عدد من القضايا، الذي يلزمه عقب ذلك حل الحكومة الإسرائيلية التي برئاسته. خاصة بعد أن اعترف شاهد الملك “رجل الأعمال: نير حيفتس” في القضايا المتهم فيها نتانياهو بتلقي الأخير (أي نتانياهو) الرشى مقابل تسهيل صفقات تجارية. ولا يعيق المستشار القضائي من حل الحكومة إلا بعد التحقيقات المعقدة المتعلقة بطريقة تعامل الشرطة الإسرائيلية مع شاهد الملك، حتى يثبت نزاهة الاعترافات الأخيرة.
أما الأزمة الثانية، فهي أزمة سياسية: تتلخص في نقطتين، هي:
- تضاؤل فرص تشكيل حكومة وحدة وطنية تستند على شروط نتانياهو وحزبه الحاكم “حزب الليكود”، أبسط هذه الشروط هي تقلده رئاسة الوزراء للفترة الأولى، وتأتي ثان الشروط هي تشكيل حكومة تجمع جميع الأحزاب اليمينية الدينية.
- ظهور تصدعات في معسكر اليمين الديني، الذي يحرص نتانياهو على تزعمه ليصبح قاطرة سياسية ضخمة يستطيع بها نتانياهو كسب أي انتخابات قادمة، ولكن يبدو أن حزب شاس الديني لا يؤيد فكرة إجراء انتخابات للمرة الثالثة (التي ستجرى في حالة إقرارها في 31 مارس 2020)، يستدل على ذلك تقديمه لاقتراح بموجبه تُجرى انتخابات جديدة على مقعد رئاسة الحكومة فقط، وهو ما رفضه نتانياهو، واعتبره شرخا (لا يبدو ظاهرا كفاية) ولكن يمكن أن تتسع هوته.
ربما ذلك يقدم تفسيرا حول سبب تعيين “نفتالي بينيت” وزيرا للدفاع بديلا عن نتانياهو (9 نوفمبر 2019)، أي قبل حادثة اغتيال أبو العطا بيومين فقط. وهو سعي نتانياهو لتعظيم الأسهم السياسية والانتخابية لـ “نفتالي بينيت” الذي يتزعم حزب “اليمين الجديد”، والتعزيز بذلك من خلال إعلان تشكيل تكتل يجمع حزب الليكود واليمين الجديد في الانتخابات القادمة. وبذلك يُحسب لوزير الدفاع الجديد أول إنجاز مشترك مع الجيش الإسرائيلي وجهاز الشباك هو التصعيد ضد فصائل غزة بالتحديد اغتيال “بهاء أبو العطا” قائد سلاح الجهاد الإسلامي، كذلك يُحسب له إدارة توابع التصعيد في مستوطنات غلاف غزة، حتى وإن كان ذلك التأثير سطحيا، ولكن سيسهم بشكل أو بآخر في رفع أسهم حزب اليمين الجديد (الحاصل على 7 مقاعد في الانتخابات السابقة).
مسارات التصعيد
لا تزل الجهود المصرية منذ لحظة التصعيد الأخير (الأسبوع الماضي) تستقر في إتمام المهمة وهي ضبط الأوضاع الأمنية في قطاع غزة، وهو ما عززه تصريح مستشار الأمن القومي الإسرائيلي مئير بن شبات، أن حركة “حماس” بعثت رسالة عبر الوسيط المصري بأنها لا تريد التصعيد في قطاع غزة. يترافق معها جهود فلسطينية من رام الله، إذ تحرص السلطة الفلسطينية على إتمام الزخم السياسي الأخير أي إتمام الانتخابات الفلسطينية بمستوياتها الثلاثة (أي التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني).
ومن المقدر أن تحرص أجهزة الأمن الإسرائيلية في ضمان عدم انضمام أي فصيل فلسطيني للتطورات للحيلولة دون تعاظم فرص المواجهة الشاملة.
لكن لن يمنع ذلك الجهاد الإسلامي من استمرار رده الانتقامي الذي أكسبه بحراك شعبي في شوارع غزة زاد من رصيده الشعبي، إذ نقلت صور الغزيين رافعين أعلام الجهاد الإسلامي تأبينا لاغتيال بهاء أبو العطا.
على كل حال يمكن القول إن الاعتبارات السياسية تحظى بحضور قوي في تفسير لماذا قرر نتانياهو تنفيذ عملية اغتيال بهاء أبو العطا. تلك الاعتبارات التي قد تتطور لمطالبة رسمية من نتانياهو بتشكيل حكومة طوارئ بشرط إقرار الكنيست باعتبار إسرائيل في حالة حرب تستلزم هذا النوع من الحكومة.
باحث ببرنامج العلاقات الدولية