
انتخابات الرئاسة الجزائرية.. انقسام ومسارات معقّدة
بعد النجاح في إسقاط حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، يعيش الشعب الجزائري حاليًا حالة من الضبابية السياسية، في ظل استمرار الحراك الشعبي للأسبوع الـ 38 على التوالي منذ انطلاقه في 22 فبراير الماضي، ورفضه إجراء الانتخابات الرئاسية التي حُدّد موعدها ليكون في 12 ديسمبر المقبل، قبل أن تتحقق مطالبه وهي إسقاط رموز النظام السابق.
الحراك يرفض إجراء الانتخابات
تخرج المظاهرات في الجزائر مرتين أسبوعيًا بشكل منتظم منذ بدء الحراك، الأولى يوم الجمعة وهو اليوم الأساسي للمظاهرات في “ساحة البريد المركزي” بالجزائر العاصمة وبعض المدن الجزائرية الأخرى، والثاني هو يوم الثلاثاء وهو يوم الحراك الطلابي الذي يؤكد على مطالب الحراك الشعبي وضرورة تحقيقها.
يرفض الحراك إجراء الانتخابات الرئاسية في ظل الحكم الحالي، معتبرين إياه امتدادًا لحكم النظام السابق، وبالتالي لا ثقة في الانتخابات التي سيجريها، كما يرون الانتخابات وسيلة لضمان بقاء النظام السياسي البائد غير المرغوب فيه شعبيًا، وخاصة بعد ظهور القائمة النهائية للمرشحين للانتخابات والتي تكوّنت من خمسة أسماء كلها عملت بشكل أو بآخر في ظل النظام السابق.
ولذلك فمطلب رحيل رموز النظام السابق وقادة المشهد السياسي الحالي، الذين أسموهم “الباءات الأربع”، مطلبًا رئيسًا لابد من تحقيقه قبل الشروع في أي انتخابات، وهم الرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح الذي شغل من قبل منصبي رئيس المجلس الشعبي ورئيس مجلس الأمة، وهما الغرفتان الأولى والثانية للبرلمان الجزائري. هذا بالإضافة إلى الوزير الأول نور الدين بدوي الذي شغل منصب وزير الداخلية في الحكومات المتعاقبة في عهد بوتفليقة منذ عام 2015 وحتى آخر حكومة برئاسة أحمد أويحيى. أما الثالث فهو الطيب بلعيز رئيس المجلس الدستوري الجزائري الذي استقال في 16 إبريل الماضي. والرابع هو معاذ بوشارب رئيس المجلس الوطني الشعبي الذي استقال في 2 يوليو الماضي.
المسار الانتخابي لا رجعة فيه
في مقابل رفض الحراك الشعبي لإجراء الانتخابات، ومطالبته بفترة انتقالية لا يكون فيها أي دور لأي من رموز نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، يأتي التأكيد من القيادة السياسة والعسكرية الجزائرية بأن موعد 12 ديسمبر هو موعد نهائي وأكيد للانتخابات الجزائرية، ولن تكون هناك عودة عنه. مثلما حدث من قبل بعدما أُجّلت الانتخابات التي كان محددًا لها الرابع من يوليو الماضي، بقرار من المجلس الدستوري الذي أعلن في الثاني من شهر يونيو الماضي تأجيل الانتخابات لاستحالة إجرائها في هذا الموعد.
فقد أكد الرئيس الجزائري المؤقت عبد القادر بن صالح أن الجزء الأكبر من مطالب الشعب الجزائري تحقق، وأن مستلزمات الذهاب إلى الانتخابات الرئاسية متوافرة، متعهدًا بالتصدي الصارم لكل “أشكال الإخلال بسريان المسار الانتخابي أو باختلاق الإرباك والتعطيل بنوايا وخلفيات مشبوهة”. وهو ما شدد عليه نائب وزير الدفاع وقائد أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح، واصفًا موعد 12 ديسمبر بـ “الموعد الحاسم”، محذرًا “كل من يحاول وضع العراقيل أمام المسار الانتخابي المصيري من أنه سيلقى جزاءه العادل”. كما أكد الجيش الجزائري في العدد الأخير من مجلته أن “المسار الانتخابي لا رجعة فيه وأن نظام العدالة تخلص تمامًا من كل الممارسات التي عُرف بها سابقًا”.
الخوف من تكرار حقبة بوتفليقة
أعلنت السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات بالجزائر في الثاني من الشهر الجاري عن القائمة النهائية للمرشحين لخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة، وهي قائمة تكوّنت من خمسة أسماء، غلب عليها طابع العمل بشكل أو بآخر، داخل نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وهو ما زاد من حدة رفض الحراك لإجراء الانتخابات، واعتباره إياها تمديدًا للعهدة الخامسة لبوتفليقة.
علي بن فليس
رئيس الوزراء السابق في عهد بوتفليقة في الفترة بين عامي 2000 و2003، استقال بعد خلاف مع الرئيس السابق، انتقل بعده إلى صفوف المعارضة وكان مرشحًا رئاسيًا ضد بوتفليقة في انتخابات 2004 وانتخابات 2014، ثم أسس حزب طلائع الحريات المعارض في عام 2015.
عبد المجيد تبون
شغل منصب وزير لأكثر من وزارة في حكومات مختلفة في عهد بوتفليقة، ثم اختاره الرئيس السابق رئيسًا للوزراء في مايو 2017، ولكنّه لم يمكث أكثر من ثلاثة أشهر وأقيل في أغسطس من نفس العام، ولكنه استمر في عضويته بجبهة التحرير الوطني التي كان يترأسها بوتفليقة.
عز الدين ميهوبي
تولى رئاسة حزب التجمع الوطني الحر بالنيابة في يوليو من العام الجاري، وهو الحزب الذي كان شريكًا في الحكم لحزب بوتفليقة “جبهة التحرير الوطني”، وشغل منصب وزير الثقافة من عام 2015 وحتى إبريل 2019.
عبد العزيز بلعيد
أصغر المرشحين للانتخابات الحالية والسابقة سنًا، والنائب بالمجلس الشعبي الوطني في الفترة من 1997 إلى 2007، وعضو اللجنة المركزية بحزب جبهة التحرير الوطني، قبل أن يتركه بعد خلافات ويؤسس في عام 2012 حزب جبهة المستقبل.
عبد القادر بن قرينة
أحد مؤسسي حركة مجتمع السلم “حمس” أكبر الأحزاب الإسلامية في الجزائر والتي تمثل نشاط تيار الإخوان المسلمين، اختير نائبًا بالمجلس الوطني الشعبي أكثر من مرة، ثم عُيّن وزيرًا للسياحة عام 1997، وأسس في عام 2013 حركة البناء الوطني.
مسارات مستقبلية معقّدة
تطرح هذه الحالة من الانقسام غموضًا يلُفُّ المستقبل السياسي الجزائري الذي سيكون أمام مسارين غاية في التعقيد:
المسار الأول هو إجراء الانتخابات في موعدها المحدد، وهو ما يجعلها عرضة للمقاطعة من بعض قطاعات الشعب الجزائري، وخاصة تلك المنخرطة في الحراك الشعبي أو المؤمنة بمطالبه، ولا سيّما الشباب الذين يمثلون أساس هذا الحراك، والفئة الغالبة في المجتمع الجزائري، إذ أن نصف عدد سكان الجزائر تقريبًا تقل أعمارهم عن ثلاثين عامًا، منهم نحو 30% تتراوح أعمارهم بين 15و29 عامًا، وبالتالي قد يكون بإمكان هؤلاء الشباب إحداث تغيير برفضهم المشاركة في الانتخابات.
وهو ما سيجعل أيضًا الرئيس الجزائري المقبل عرضة للكثير من القلاقل، فلو أجمع الشباب المشاركون في الحراك على مقاطعة الانتخابات، هذا يعني الاستمرار في المظاهرات في الساحات المختلفة.
المسار الثاني هو موافقة القيادة السياسية الجزائرية على تأجيل الانتخابات مجددًا، وهو ما يجعلها تتنازل للمرة الثانية عن المسار الدستوري الذي طالما أكدت الالتزام به، وستكون في هذه الحالة في انتظار فتوى أخرى من المجلس الدستوري تتيح لها تأجيل الانتخابات بعد الفتوى التي أُصدرت في يونيو باستحالة إجراء الانتخابات وهو ما سمح بتأجيل الانتخابات رغم أن المادة 102 من الدستور الجزائري تنص على ضرورة إجراء الانتخابات في غضون 90 يومًا من شغور منصب رئيس الجمهورية.
الفتوى الدستورية إذا صدرت ستفقد الشعب الثقة في المجلس الدستوري وفي الدستور كله، وتدخل البلاد في فوضى الفراغ الدستوري الذي سيتطلب تعديل الدستور، وربما لا تكون الفرصة مواتية لذلك.
باحث أول بالمرصد المصري