أفريقيا

نظرة على السياسة الخارجية الإثيوبية… رؤية تحليلية

نشر موقع “بوركينا” مقالاً تحليلياُ حول توجهات السياسة الخارجية الأثيوبية في محيطها الإقليمي وبالأخص مع التطورات القائمة أجاب فيها عن عدد من الأسئلة حول مستقبل العلاقات الثنائية الأثيوبية بمحيطها .

وقد بدأ الكاتب “ميتا أليم شبنشاو” تقريره باستعراض الاهتمام المتزايد من القوى الكبرى بزيادة نفوذه بمطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر، مذكراً بارتفاع عدد القواعد العسكرية بالمنطقة، حيث يرى الكاتب أن الولايات المتحدة حولت اهتمامها بالمنطقة من مكافحة الإرهاب فقط إلى ثلاث أهداف استراتيجية وهي زيادة الاستثمار وحجم التجارة و الاستثمار في الجانب الأمني .

أما روسيا فقد زادت من نفوذها بالمنطقة بالتعاون مع تركيا والإمارات وزادت نفوذها في السودان والصومال كما أنشأت ميناء بجيبوتي .

أما الصين فهي تعمل بقوة على تطوير البنية التحتية لبعض الدول الأفريقية مما يخدم استراتيجيتها في مشروع طريق الحرير، كما طورت علاقتها بأثيوبيا، ولديها قاعدة لوجستية في جيبوتي تحمي من خلالها مصالحها .

يضاف لذلك التنافس الواضح بين التحالف السعودي الإماراتي والتحالف التركي القطري للحصول على نفوذ أكبر بمنطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر .

وبسبب وجود الصراع اليمني بالقلب من التنازع التركي القطري والسعودي الإماراتي، زاد ذلك من سعي تلك الدول للحصول على نفوذ بمنطقة القرن الأفريقي اعتمادا على الدعم المادي، وبدورها تقبل الدول الأفريقية هذه الأموال مقابل النفوذ الخليجي دون النظر لما بعد انتهاء الأزمة بسبب ضيق الحال بتلك الدول.

مستقبل السلام بين أريتريا وأثيوبيا

C:\Users\DELL\Desktop\1531072576996099600.jpg

حاول الكاتب الإجابة على سؤال لماذا تبقى إتفاقية السلام الأثيوبية الأريترية مبهمة وغير واضحة المستقبل؟

وفقاً لوجهة نظر الكاتب تقوم أريتريا بتقويض الاستقرار بأثيوبيا منذ العام 1988 وقد ضغطت السعودية في وقت سابق على إريتريا لتمكين الإمارات من استخدام أحد موانئها لضرب الحوثين باليمن، بينما تتهم إريتريا كل من تركيا وقطر بالسعي لإثارة الفتن بين إريتريا والسودان اللتان تمتلكان قاعدة عسكرية مشتركه بها، ولكن تحافظ إريتريا على علاقاتها الجيدة بمصر لإهتمامهما المشترك في أثيوبيا، وكون البلدين طرفين في أزمة مع أثيوبيا، وكانت أريتريا قد ضغطت على الإمارات في وقت سابق لإنتهاج سياسات معادية لأثيوبيا مقابل نفوذ إمارتي بأريتريا قبل عقد اتفاق السلام بين الطرفين.

أريتريا دائماً ما فضلت التقارب مع الجانب الروسي على حساب الجانب الأمريكي بسبب تبني واشنطون نهج العقوبات من أجل الديمقراطية وإرسال الدعم في مقابل فرض الاستقرار،  بالإضافة لتبنيها موقف أثيوبيا سابقا وهذا ما يوضح سبب تفضيل أريتريا لروسيا عن الولايات المتحدة، كذلك فإن النفوذ الصيني المتزايد في أريتريا دعى الولايات المتحدة للبحث عن موقع جديد للنفوذ بالمنطقة .

وبالعودة للاتفاق بين أريتريا وأثيوبيا، فإن التحالف الإماراتي السعودي يرى في الاتفاق أداة لتقسم النفوذ بمنطقة القرن الإفريقي .

وقد أشار الكاتب إلى أن الاتفاق لايزال غامض ومبهم مع عدم تقديم أي من الطرفين رؤية مستقبلية له، ووفقاً للكاتب فإن الجانب الإريتري غير راضي عن وساطة جبهة تحرير شعب التغريتي في الاتفاق الحليف السابق والعدو اللدود لها حالياً.

كذلك برر الكاتب عدم تفائله للاتفاق بتشكك المحللين من السيطرة الإمارتية على ميناء صعب و مشروع بناء خط أنابيب غاز لها لتستفيد من السوق الأثيوبي، بجانب قيام أديس أبابا بتحويل خطوط التجارة البحرية، كل ذلك ينافي المصالح الإريترية بالأخص الاقتصادية منها في أتفاق السلام مما يهزم الهدف الإريتري الأساسي من الاتفاق وهو المنفعة الاقتصادية العائدة عليها .

كما لايزال الرئيس الإريتري لم يصدق على تعين السفير الأثيوبي في بلاده رغم مرور عام على إستضافته، كما يلاحظ الغياب الإريتري عن المناسبات الرسمية الأفريقية بأثيوبيا وعدم تهنئة الرئيس الأريتري لرئيس الوزراء الأثيوبي أبي أحمد على جائزة نوبل للسلام، وكلها دلائل تبرز عدم رضا الطرفين عن الاتفاق وتشكك في مستقبله.

وقد لخص الكاتب وجهة نظره في مستقبل العلاقات الأثيوبية الإريترية، أن التعاون في مجال النقل الجوي أسهم في التقارب بين البلدين وتناقص العداء بينهما وتحسين المناخ الإقليمي، ولكن برغم تفائل رئيس الوزراء الأثيوبي أبي أحمد فإن التفاعل الاقتصادي الذي طال انتظاره بين البلدين لم يفعل بعد، الأمر الذي يخلق حالة من التوتر لدى الجانب الأثيوبي، مع التشكك في النوايا الإريترية المستقبلية والطموح الإقليمي المتنامي لديهم بالتزامن مع التوتر القائم مع مصر وتزايد الإسلام الراديكالي في منطقة أوراميا.

العلاقات الأثيوبية الجيبوتية

C:\Users\DELL\Desktop\ethiopia-map.png

أنتقل الكاتب في تقريره للعلاقات الأثيوبية الجيبوتية، محاولاً الإجابة على سؤال هل تبقى العلاقات بين البلدين على حالها، وذكر الكاتب بأن أثيوبيا ومنذ حرب الحدود مع أريتريا تعتمد بنسبة 95% على موانئ جيبوتي لنقل صادراتها وبرغم العلاقات الجيدة بين الطرفين قامت جيبوتي برفع رسوم تشغيل الموانئ الخاصة بها مما دعى أثيوبيا للبحث عن منفذ أخر لها .

ذكر الكاتب كذلك أن النزاع الخليجي القطري السعودي، عجل من قيام السعودية بإنشاء قاعدة عسكرية لها في جيبوتي برغم تدهور علاقتها مع الجانب الإماراتي بسبب خسارتها لنزاع قضائي مع شركة موانئ دبي العالمية وإلغاء الإمارات لمشروع بناء قاعدة لها في جيبوتي، وبعد خسارتها  للجانب الإماراتي قامت جيبوتي بطرح عرض على الصين لتملك حصة بأحد موانئها في سبيل تطويره تمتلك أثيوبيا حصة به كلك في مقابل منحها أصول تعود للحكومة الأثيوبية تخص شركتي الكهرباء والاتصالات الأثيوبية .

ومن المتوقع أن تقوم الأمارات بتطوير موانئ الصومال المنافسة لجيبوتي بعد الغائها لمشروعاتها في جيبوتي وتوتر العلاقات بين الطرفين .

ووفقا للكاتب، ففي حالة أن قامت أثيوبيا بالاعتماد على موانئ أخرى ستخسر أثيوبيا ما يقرب من 2 مليار دولار سنويا وهو ما يهدد النظام في جيبوتي الموجود على رأس السلطة منذ 1999 بالإضرابات الداخلية  بسبب الفقر المتزايد .

أشار الكاتب بنهاية تحليله للموقف بين أثيوبيا وجيبوتي، أن رئيس الوزراء أبي أحمد قد قام بمناورة لتنويع مصادر وصول أثيوبيا للبحر بتملكه حصة في “ميناء بربرة”، وهو ما يعني أن جيبوتي لا تملك خيار إلا أن تخفض قيمة الرسوم وإلا ستواجه حكومتها إضرابات داخلية بسبب ضعف الدخل وعدم قدرتها على سداد الديون الصينية والتي ستتحصل على الأصول الجيبوتية حال عدم قدرتها على سداد الديون .

لذلك يرى الكاتب أنه على أثيوبيا أن تفكر جيداً وتدرس مصالح الدول التي تعتمد عليها في وصولها للبحر كالإمارات وجيبوتي وإريتريا وفرنسا .

مستقبل العلاقات الأثيوبية الصومالية

C:\Users\DELL\Desktop\karmajo2.jpg

هل تتحسن العلاقات الأثيوبية الصومالية برغم التاريخ الشائك؟

سؤال أخر طرحه الكاتب محاولاً الوصول لمستقبل شكل العلاقة بين البلدين، ويرى خلاله أن التدخلات الخليجية هي صاحبة الدور الأكبر في شكل العلاقة ، فمنذ خروج الإمارات من جيبوتي عززت وجودها في الصومال وعملت شراكة تجارية معها كذلك بسبب قربها من اليمن المهمة للإمارات ومحاولة الإمارات مجابهة الوجود القطري التركي بالمنطقة، وقد ساعدت أثيوبيا الإمارات في تعزيز وجودها بالصومال وبدورها سهلت الإمارات حصول أثيوبيا على 19% من أسهم ميناء بربرة مع تنفيذها طرق بتكلفة 400 مليون دولار لفائدة الطرفين .

ويرى الكاتب أن تملك أثيوبيا حصة من الأسهم بميناء بربرة هو سلاح ذو حدين، حيث من ناحية هو يضمن عدم الحاجة لأريتريا ومن ناحية أخرى قد يراه الصوماليين تعدي على سيادتهم وقد تخلق عداوة تستغلها مصر مستقبلا بحسب وجهة نظر الكاتب .

ويرى الكاتب أن مبادرة التكامل الإقليمي التي طرحها أبي أحمد ستحيد التدخل الخليجي بالمنطقة حال تفعيلها، كما أن التعاون الأثيوبي  مع تركيا في عمل المشروعات المختلفة ومجال الاستثمار، كذلك للصومال، سيعمل كحصن ضد الاختراق المصري لكل من السودان والصومال المهمين لأثيوبيا، ولكن تفتقد مبادرة التكامل الاقتصادي إلى إطار سياسي واقتصادي واضح.

بالإضافة إلى ما سبق، يرى الكاتب أن الصومال تتخوف من الدخول في نزاع مع الجانب الأثيوبي مذكرأ بحرب 1964 وحرب 1966 والتعدي على السيادة الصومالية في 2006 واصفاً الحكومة الصومالية الفدرالية بالضعيفة الخائفة من الاضطرابات الداخلية، ولكن عاد الكاتب وأكد أن الجماعات المتشددة المدعومة من الخليج والتي تسعى لإثارة الفتنة في أثيوبيا والحملة التي شنت على أديس أبابا من المتشددين في الصومال على حد وصفه كلها دلائل على صعوبة حدوث تحسن في العلاقات بين الطرفين وذهب لأبعد من ذلك معبراً عن خوفه بأن يتعاون كل من جماعة الشباب والمتشددين في منطقة أوراميا الأثيوبية لهز الاستقرار .

العلاقات السودانية الإثيوبية 

لينتقل الكاتب بعدها للعلاقات السودانية الأثيوبية المهمة لأثيوبيا بسبب أزمة مياه النيل وقد أضح أن أثيوبيا قد أقامت علاقات استراتيجية مع دول حوض النيل مما أضعف الموقف المصري، وبرر الكاتب تحيز السودان للجانب الأثيوبي فيما يخص أزمة سد النهضة أنه مجابهة للاستعمار والهيمنة المصرية التاريخية للسودان وتعبير عن استقلاليته ومن هذا المنطلق تتحيز السودان لأثيوبيا في الأزمة برغم الضغوطات المصرية والأريتيرية عليها .

السودان بعد ثورتها الإسلامية كانت حليفاً لإيران قبل أن تغير وجهتها منها إلى السعودية والإمارات اللذان يوفران لها الدعم المادي التي لا تستطيع إيران تقديمه .

وبرغم التشكك الإماراتي من الجانب السوداني دعمت السعودية علاقاتها بالسودان وساهمت برفع العقوبات الأمريكية من عليها وقدمت لها الدعم المادي وبالأخص للمجلس العسكري للحفاظ على مشاركة السودان ب14 ألف مقاتل بالتحالف الخليجي بحرب اليمن، وتجميد علاقتها بإيران .

وقد سهلت السعودية عمل تعاون بين تركيا والسودان مما اغضب مصر في وقت سابق ، وفقاً للكاتب الذي يرى أن العلاقات السودانية المصرية المتراجعة أصلاً بسبب أزمة مثلث حلايب  قد تدهورت اكثر مع شراء تركيا لجزيرة سواكن السودانية وتهديد السيطرة المصرية على البحر الأحمر.

ومع حدوث الثورة السودانية تضارب الموقف الأمريكي من حول دعم الديمقراطية أم دعم الاستقرار في الشارع بينما هم الجانب الصيني لحماية استثماراته في السودان خوفاً من تكرار السيناريو الليبي أو الصومالي.

النزاع القائم بين التحالف السعودي الإماراتي والتحالف القطري التركي أدى لدعم كل منهما طرف من أطراف النزاع بالسودان للوصول لنفوذ أكبر بالمنطقة، الأمر الذي يضعف احتمالية انتقال السودان إلى المعسكر السعودي من المعسكر الإيراني والذي هو على مقربة من التحالف القطري التركي مما يعني وجود احتمال كبير لخسارة التحالف الإماراتي السعودي معركته على النفوذ على الأراضي السودانية وبالأخص بعد الثورة .

بينما لا يزال الموقف التركي من الثورة السودانية غير واضح لكنها تسعى لحماية مصالحها واستماراتها في السودان ولتقوض وتهزم التواجد المصري، بينما تسعى مصر لاستعادة نفوذها وتقويض النفوذ التركي المتنامي من حولها ومن المتوقع أن تأتي حكومة سودانية معادية لمص والسعودية والإمارات بسبب محاولاتهم المتعددة لخطف الثورة السودانية وفقاً لوجهة نظر الكاتب.

أما رئيس الوزراء الأثيوبي فيرى الكاتب أنه أستطاع من خلال شخصيته ” الفذة” ودهائه السياسي من تحقيق السلام بين المجلس العسكري السوداني والرموز المدنية للثورة السودانية من خلال الاتفاق الذي طرحه مما أكسبه احتراما أفريقياً .

ويرى الكاتب أن على أثيوبيا الاستثمار أكثر في علاقتها مع السودان والتحول فيها لمجابهة الأطماع من حولها وأشار إلى أن النجاح الأثيوبي في تعزيز العلاقات مع السودان الجديد سيقوض تدخل مصر في سد النهضة .

الملخص 

وفي رؤيته لملخص السياسة الخارجية الأثيوبية يرى الكاتب أن التقلبات في المنطقة والنزاعات الإقليمية للدول الغير مهتمة بحقوق الإنسان والصراع المستمر لن يساعد في تحقيق التنمية الاقتصادية الأثيوبية المأمولة ولن يعزز الحكم الرشيد بالمنطقة وحذر من رجال الأعمال الإثنيون على حد وصفه الذين يستغلون الشباب العاطل لقلب نظام الحكم بأديس أبابا في الوقت الذي تشهد فيه أثيوبيا والسودان ثورتين إصلاحيتين تعدان بمستقبل أفض تواصل أريتريا وجيبوتي مواجهة الانتفاضات الشعبية.

أشار الكاتب إلى أن أبي أحمد كان له دور محوري في السياسة الخارجية الإثيوبية حيث أتبع سياسات جزرية قربت أثيوبيا من دول الخليج وحصلت على دعم منها مما أسهم في فتح موانئ جديدة أمام المنتجات الأثيوبية ، لكن تحالف الخليج مع مصر وإعلان البرلمان العربي بالوقوف إلى جانب مصر في أزمة سد النهضة سيكون له تأثير سلبي طويل الأمد على أثيوبيا في السنوات القادمة 

وعلى الرغم من عدم اكتمال مبادرته للتكامل الاقتصادي إلا ان أبي أحمد تمكن من صنع السلام في السودان مما أكسبه تقديراً دولياً وإفريقياً وبحسب الكاتب لا يسهم هذا النجاح فقط في فرض الأمن الإقليمي بالمنطقة بل يستبق التدخل المصري ويجابه الضغوطات المتوقعة مستقبلياً من الجامعة العربية اعتمادا على السودان 

كذلك أشار الكاتب في ملخصه للتقرير أن بناء قوة بحرية أثيوبية يستهلك من الموارد الأثيوبية الضئيلة كما يذيد حالة العداء مع جيرانها يضاف إلى ذلك حصة أثيوبيا في ميناء بربرة الذي يقلل الاعتماد على جيبوتي لكنه يزيد من حجم الأزمة معها ومع الصين ويضر بالعلاقات مع الصومال بسبب ارتباط الموضوع بالسيادة الصومالية ويقوض الأطماع الأريتيرية في أن تكون قوة إقليمية مجابهة لأثيوبيا .

أخيراً تحدث الكاتب عن الشؤون الداخلية الإثيوبية قائلاً أنه وعلى الرغم من تفاءل أبي أحمد، فإن الإصلاح الاقتصادي لم يخفض أسعار المعيشة أو عزز النمو ولكن جائزة نوبل للسلام عززت مظهر الإدارة الأثيوبية المتعثرة في حل المشكلات الاقتصادية والعاجزة عن تحقيق التوازن بين الجماعات القومية والغير قومية المختلفة وبرغم تعهده بتحويل الائتلاف الحاكم لحزب سياسي كخطوة إصلاحية وتحذيره من أنه لا تهاون أو تسامح مع مثيري النزعة القومية لم تستطع إدارة أبي أحمد كبح جماح عدم الاستقرار الواسع وتصاعد النزاعات العرقية بالبلاد .وفقأ لتقرير نشره موقع “بوركينا” 

+ posts

باحث ببرنامج السياسات العامة

محمد هيكل

باحث ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى