
الإرهاب ما بعد الحقبة البغدادية.. موجة خامسة تنتظر العالم
يعتبر إعلان الولايات المتحدة الامريكية عن مقتل “أبو بكر البغدادي” زعيم تنظيم داعش أحد الضربات الهامة في استراتيجيات مكافحة الجماعات والتنظيمات الإرهابية، الأمر الذي جعل البعض يتساءل عن مصير التنظيم في اعقاب مقتل قائده، خاصة وان تنظيم داعش قد لحقت به عدد من الهزائم العسكرية والميدانية في دولة المركز سوريا والعراق الامر الذي تسبب في فقدانه جزء من الزخم التي تمتع به في ميلاده الأول عام 2014، ورغم أن مقتل البغدادي يمثل تحولا نوعيا في عمر تنظيم داعش، إلا ان ذلك لا يعني انتهاء التنظيم.
ترتيباً على ما سبق حاول ” سيث جي جونز” Seth G. Jones” مدير مشروع التهديدات العابرة للحدود وكبير مستشاري برنامج الأمن الدولي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية “CSIS”، أن يُعالج تلك الظاهرة عبر الإشارة الي موجات ومراحل بروز وصعود الجهاد العنيف، وما هي العوامل والمحفزات التي قد تتسبب في بروز موجة جديدة من الإرهاب في اعقاب مقتل البغدادي وذلك في مقاله المعنوان بــــ ” ما وراء البغدادي: الموجة التالية من العنف الجهادي” والذي نُشر على موقع المركز بتاريخ (4 نوفمبر2019).
يُقتل القائد ويبقى التنظيم
لفت ” سيث جي جونز” إلى أن مقتل البغدادي يمثل انتكاسة كبيرة للحركة الجهادية التي استحوذت على العالم منذ عام 2014، وعلى الرغم من أن تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” فقد سيطرته المكانية بعد هزيمته العسكرية في معاقله الأخيرة بسوريا والعراق والتي اقتربت في أكبر نقطة لها من حجم بلجيكا، إلا أن ذلك لا يُعني انتهاء التنظيم، وقد استدل الكاتب على ذلك من خلال الخبرة التاريخية والتي تؤكد أن موت قادة التنظيمات لا يؤدي إلى كتابة شهادة وفاة للتنظيم، ففي الوقت الذي أعلنت فيه الولايات المتحدة القبض على ” خالد شيخ محمد” احد العقول المدبرة لهجمات 11 سبتمبر، اشارت بعض التحليلات إلى ان القاعدة في طريقها إلى الاندثار، بالمثل وصف ” جورج بوش” وفاة ” أبو مصعب الزرقاوي” مؤسس تنظيم القاعدة في العراق بانه ضربة قاصمة لشبكات الجهاد إلا أن ذلك لم يكن كافيا لانتهاء التنظيم، الامر ذاته تكرر مع مقتل ” أسامة بن لادن” 2011 حيث أعلنت وزيرة الخارجية الامريكية ” هيلاري كلينتون” آنذاك أن القاعدة على طريق الهزيمة. وشدد الكاتب على ان كافة المسؤولون الامريكيون وغيرهم كانوا مخطئون في تقديرهم لهه الحالات، بدليل عودة داعش في العراق خلفا لتنظيم القاعدة بصورة أكثر عنفا ودموية.
موجات العنف الجهادي.. بين الصعود والتراجع
لفت الكاتب إلى ان الحركة الجهادية مرت بعدة مراحل بين الانحسار والتدفق بداية من عام 1988 حتى الآن، وان استراتيجية قطع رأس التنظيم او قتل قيادته لا تؤدي إلى اضعاف الحركة الجهادية، وعليه فقد تُشكل الموجة الجهادية الجديدة عبر احياء تنظيم الدولة الإسلامية، او صعود تنظيم القاعدة او فرع من كلاهما او من خلال دمج شبكات كلا التنظيمين.
وقد أشار ” جونز” إلى بروز أربع موجات من النشاط الجهادي بداية من تأسيس القاعدة، وقد تميزت هذه الموجات بكثافة وارتفاع اعمال العنف والإرهاب، تبعت هذه الموجه العنيفة موجات عكسية تناقص فيها العنف، وقد اخذت هذه الموجات طابع دولي، إذ امتدت الأمواج الجهادية إلى بلدان متعددة ورغم ارتفاع وتزايد هذه الموجات العنيفة في كل مرحلة إلا أن جهود واستراتيجيات مكافحة الإرهاب من جانب الحكومات كانت تؤدي إلى تراجع هذه الظاهرة وكمونها.
وقد بدأت الموجة الأولى في نهايات 1980 حيث ارهاصات انشاء وبروز القاعدة على يد ” بن لادن” وايمن الظواهري خلال الحرب ضد السوفيت في أفغانستان، وقد بدأت هذه الموجة في الانحسار في اعقاب هجمات سبتمبر 2001 عندما قتلت الولايات المتحدة وشركاؤها قادة وعناصر القاعدة في أفغانستان، باكستان، وعدد من المناطق الأخرى، وقد شكل الغزو الأمريكي للعراق 2003 بداية الموجة الثانية وقد تصاعد معها العنف في عدد من المناطق حول العالم وقد شهدت هذه الموجة تراجعا ملحوظا في اعقاب 2006 حيث تم اضعاف القاعدة في عدة مناطق بفعل الجهود الدولية، لتأتي الموجة الثالثة والتي تشكلت خلال الفترة من 2007 / 2009 بعد صعود تنظيم القاعدة في شبة الجزيرة العربية، إلا أن هذه الموجة اعقبتها موجة عكسية بمقتل “أسامة بن لادن” ، وقد مثل الربيع العربي ساحة ملائمة لميلاد الموجة الرابعة من موجات النشاط الجهادي والتي اتسع وجودها في عدد من البلدان مثل سوريا، اليمن، العراق، أفغانستان، لبيبا والصومال، وقد اعتبر الكاتب إن انهيار سيطرة الدولة الإسلامية على الأرض وموت أبرز قادتها يُشير إلى أن الموجة الرابعة آخذة في الهدوء إلى ان تطل علينا الموجة الخامسة.
المشهد الجهادي الراهن
أشار الكاتب إلى أن على الرغم من فقدان الدولة الإسلامية للسيطرة الترابية ومع مقتل البغدادي وغيره من القادة، إلا ان الدولة الإسلامية لا تزال تحتفظ بوجود مستمر في الشرق الأوسط وافريقيا وآسيا، ويمكن للتنظيم ان ينشط عبر بعض الزعماء والقادة المؤثرين في الدولة الإسلامية وقد يكونوا دافعاً وسببا في بروز الموجة الخامسة من العنف الجهادي ومن بين هؤلاء ” أمير سعيد عبد الرحمن المولي” وقد كان مختص في ذبح الأقلية الدينية اليزيدية في شمال غرب العراق، ناهيك عن ” سامي جاسم الجبوري” والذي كان يشرف على الشؤون المالية والبيع غير المشروع للنفط والغاز والمعادن، بالإضافة إلى ” معتز نعمان الجبوري” ولديه صلات بالقاعدة وخبرة واسعة في صنع القنابل وأنشطة الإرهاب والمتمردين، وفي خارج العراق وسوريا هناك عدد من القادة المؤثرون ومن بينهم ” عدنان أبو وليد الصحراوي” زعيم تنظيم داعش في الصحراء الكبرى.

وقد شدد الكاتب على جهود الدولة الإسلامية في استعادة شبكاتها في سوريا والعراق في عدد من المناطق منها شرق وغرب نهر الفرات كجزء من استراتيجيتها الصحراوية، حيث اقام عناصر التنظيم ملاذات في الصحراء وفي المناطق الحدودية بين العراق وسوريا، وقد تبنت الدولة الإسلامية نهج السقوط المؤقت للمدن كطريقة عمل للمجاهدين وكذا شن حروب العصابات بما يمهد الطريق امام السيطرة الدائمة على الأرض.
من ناحية أخرى تواصل داعش هجماتها الإرهابية فخلال الفترة من (يناير حتى سبتمبر 2019) نفذ داعش نحو 572 هجوما في 21 مقاطعة في العراق وسوريا، كما لا يزال لدى التنظيم ما بين 30 إلى 37 ألف جهادي في كلا البلدين بخلاف مجموعات أخرى مرتبطة بالقاعدة وهم هيئة تحرير الشام، حراس الدين، كما يوجد نحو 10 آلاف إرهابي في السجون التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية
محفزات ظهور الموجة الخامسة
أكد الكاتب على وجود عدد من العوامل قد تُساهم في عودة وظهور الطبعة الخامسة من الإرهاب ومن بينها المظالم المحلية والتهميش التي تعانيه بعض المناطق، فضلا عن ضعف الحكومات وغياب الدور الفاعل للمؤسسة العسكرية والأمنية بشكل عام، فضلا عن ان توافر الموارد يزيد من احتمال عودة الظاهرة مرى أخرى، ونوه الكاتب إلى أن كافة هذه الظروف والعوامل لا تزال قائمه في سوريا والعراق، فالواقع في سوريا يشير إلى دولة مُحطمة، وحكومة ضعيفة، وبنية تحتية مُدمرة ومشاكل اقتصادية كبيرة، إذ يٌقدر عدد من يعيشون تحت خط الفقر بنحو 83% من السكان، كما ان الطائفية وانتشار الميليشيات والمظالم العرقية والدينية في العراق تؤهل أيضا لبروز الموجة الخامسة من العنف الجهادي.
وقد لفت الكاتب إلى ان تحديات الحكم في سوريا والعراق تظل محفزا لنمو وتغذية الإرهاب، إذ لا تزال أجزاء في سوريا لا تخضع لسيطرة الحكومة ومن بينها إدلب في الشمال الغربي، كما ان أجزاء من الشمال لا تزال تحت سيطرة تركيا قوات سوريا الديمقراطية، بالمثل لدى العراق عدة مشاكل خاصة بالحكم وهو ما اظهرته الاحتجاجات المتزايدة المناهضة للحكومة في الفترة الأخيرة، في القوت ذاته لا يزال لدى داعش موارد مالية تتراوح ما بين 50 إلى 300 مليون دولار، الأمر الذي قد يساعد داعش على مواصلة عملياته كل هذه العوامل قد تجعل من سوريا والعراق أكثر عرضة لانبعاث الموجة الخامسة للجهاد العنيف.
وقد رأى الكاتب أن الولايات المتحدة الأمريكية بدلا من اتخاذها خطوات جادة للتعامل مع الظروف الهيكلية لمنع الموجة الخامسة، نجد أنها تسير في الاتجاه المعاكس من خلال الانسحاب من عدد من المناطق كــــ ” الشرق الأوسط، وجنوب آسيا وافريقيا، حيث ان الانسحاب الأمريكي من أفغانستان سيزيد من احتمال حدوث موجة خامسة عن طريق حركة طالبان المتطرفة، كما يمكن للقاعدة في شبة القارة الهندية ومقاطعة خراسان التابعة لداعش من النمو في هذه المناطق، كما سيؤدي الانسحاب العسكري الأمريكي من سوريا إلى عودة الظاهرة مرة أخرى، ولفت الكاتب إلى ان البغدادي قد حث اتباعه في ابريل 2019 على مواصلة العمليات بعد وفاته، وقد شجع ولاياته في الخارج على مواصلة العمل الجهادي حيث تعهد بضرورة شن معركة طويلة وقد نجم عن ذلك نحو 92 عملية إرهابية في 8 دول حول العالم.
وخلص الكاتب إلى أن منع الموجة الخامسة لن يكون سهلا بل سيتطلب وجودًا عسكريًا واستخباراتيًا ودبلوماسيًا في عدد من الساحات ومنها العراق، أفغانستان، ليبيا والصومال، كما ستحتاج الولايات المتحدة إلى العمل مع شركاء محليين في هذه المناطق وجمع معلومات عن الجماعات الجهادية في تلك المناطق وتنفيذ الضربات عندما يكون ذلك ممكناً، ناهيك عن ضرورة معالجة المظالم المحلية وتحديات الحكم التي قد تشجع على ظهور الشبكات الجهادية من جديد، كما أن منع ظهور تلك الموجة يحتاج إلى تقويض الأيديولوجية الفكرية لداعش والقاعدة، في الوقت ذاته لا يمكن تجاهل النشاط الجهادي عبر الانترنت حيث تخوض هذه الجماعات معارك افتراضية باستخدام منصات التواصل الاجتماعي، وأنظمة مشاركة المحتوى، وقد استدل الكاتب على فاعلية التنظيم على مواقع التواصل الاجتماعي من خلال قيام تطبيق ” TikTokبإزالة ما يقرب من 20 حساب مرتبطا بتنظيم داعش خلال شهر اكتوبر2019، حيث تستغل هذه الجماعات تلك التطبيقات لنشر مقاطع فيديو جذابة ومُصممة لتجنيد واستقطاب المؤيدين، كل هذه التطورات تُشير الى ان الصراع لم ينته بعد وان ما يحدث ما هو الا مُجرد دخول مرحلة جديدة من العنف والإرهاب.
باحث ببرنامج قضايا الأمن والدفاع