
مصير الحكومة العراقية.. الشعب في مواجهة إيران
دخلت الاحتجاجات الشعبية التي اجتاحت العاصمة العراقية بغداد والعديد من المدن الأخرى، شهرها الثاني، وسط إصرار من المتظاهرين على تحقيق مطالبهم المتمثلة في إنهاء النفوذ الإيراني وإسقاط الحكومة والقضاء على الفساد ومواجهة البطالة وتحسين الأحوال المعيشية، وهي الاحتجاجات التي خلّفت حتى الآن أكثر من 250 قتيل وآلاف الجرحى.
ولم تفلح الإجراءات الإصلاحية التي جاءت من البرلمان أو الدعوات التي انطلقت من قادة التيارات والمرجعيات في العراق في إقناع المتظاهرين بإنهاء الاحتجاجات أو باستشراف مستقبل يحلمون به لعراق جديد تعود فيه الدولة الوطنية الخالية من الطائفية.
إجراءات من مجلس النواب
صوّت مجلس النواب العراقي في جلسته التي عقدها يوم الاثنين 28 أكتوبر لمناقشة مطالب المتظاهرين، على حزمة من القرارات الإصلاحية التي راهَن عليها لتهدئة الشارع العراقي الغاضب، وتشمل تشكيل لجنة ممثلة من المكونات الرئيسية في المجتمع العراقي تكون مهمتها تقديم تقرير إلى المجلس خلال مدة لا تتجاوز أربعة أشهر لتقديم توصية بالتعديلات الضرورية على الدستور، على أن تُعرض التعديلات المقترحة دفعة واحدة للتصويت عليها ومن ثم تطرح على الشعب للاستفتاء عليها خلال مدة لا تزيد على شهرين.
إضافة إلى إلغاء جميع امتيازات مخصصات الرئاسات الثلاث وامتيازات أعضاء مجلس النواب وكبار المسؤولين والمستشارين والوكلاء والمدراء العامين وإلغاء امتيازات رؤساء الهيئات المستقلة والسلطة القضائية وهيئة النزاهة والمحكمة الاتحادية ومجلس القضاء، والمحافظين ومن هم بدرجتهم. وتشكيل “مجلس الخدمة الاتحادية” الذي سيضمن العدالة في عمليات التعيين بالمؤسسات الحكومية.
كما صوّت المجلس على إلغاء مجالس المحافظات غير المنتظمة بإقليم، وإلغاء مجالس الأقضية والنواحي، وتولي البرلمان العراقي الإشراف والمراقبة على المحافظين لحين إجراء الانتخابات المحلية وتقديم المحافظين موازناتهم المالية للجنة المالية البرلمانية. وتزامن ذلك، مع حظر المحكمة الاتحادية العليا بالعراق توزيع المناصب وفق قرار المحاصصة.
إجراءات عدّها مراقبون أنها خطوة ممتازة على طريق الإصلاح السياسي والاستجابة لمطالب المتظاهرين، إلا أن الاحتجاجات لم تُعرها أي اهتمام، معتبرة إياها خطوات لتهدئة الشارع دون تطبيق فعلي، بل وصعّدت مطالبها لتصل إلى رحيل الحكومة وإلغاء الدستور وتغيير النظام وحل جميع السلطات.
إسقاط الحكومة والنظام
ظهرت العديد من الدعوات من قادة التيارات في العراق إلى إقالة رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، وإجراء انتخابات نيابية مبكرة، وإجراء تغييرات جوهرية في النظام السياسي العراقي، إذ دعا زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر إلى إجراء انتخابات مبكرة وبإشراف أممي، وحث هادي العامري الذي يقود تحالف الفتح البرلماني، للتعاون من أجل سحب الثقة من الحكومة، واصفًا الإجراءات التي صوّت لعيها البرلمان بأنها “صورية وخالية من محاسبة الفاسدين”،
كما دعا المرجع الشيعي الأعلى في العراق علي السيستاني الشعب العراقي إلى إجراء استفتاء عام لتحديد طبيعة النظام السياسي في البلاد، وهو ما وٌصف بأنه خارطة طريق طرحتها المرجعية للخروج من الأزمة.
فيما أصدر رئيس تحالف الفتح هادي العامري بيانًا أكد فيه ضرورة إعادة صياغة العملية السياسية من جديد تحت سقف الدستور، ومن خلال إجراء تعديلات دستورية جوهرية، فالنظام البرلماني ثبت فشله ولم يعد يجدي نفعًا، ولذلك لا بد من تعديله إلى نظام آخر.
ويبدو أن رئيس الوزراء العراقي عوّل على موقف العامري وتحالفه البرلماني وفصائل الحشد الشعبي التي يتولى قيادتها، الداعم له بإيعاز من طهران، ولذلك رفض دعوة الصدر له بالاستقالة، مؤكدًا أنه إذا كان لابد من استقالة الحكومة وإجراء انتخابات مبكرة فيمكن أن يتم ذلك عبر الاتفاق بين الصدر الذي تنتمي إلى تياره كتلة سائرون البرلمانية وهادي العامري قائد تحالف الفتح البرلماني، فبإمكانهما الاتفاق على تشكيل حكومة جديدة تتولى المهمة خلال ساعات، أو التصويت داخل البرلمان على إقالة الحكومة.
وهو ما أكده الرئيس العراقي برهم صالح في خطاب أعلن فيه موافقة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي على تقديم استقالته بشرط تقديم الكتل السياسية بديلاً مناسباً وإجراء انتخابات مبكرة.
ثورة ضد هيمنة إيران
تأتي احتجاجات العراق في مشهد مغاير تمامًا عما سبق في تاريخها السياسي منذ عام 2003، يحاول من خلالها العراقيون تغيير كل المسارات الحالكة التي أخذتهم باتجاهها المحاصصة والطائفية التي زرعتها إيران داخل النظام السياسي العراقي مما جعله عاجزًا أمام كافة التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي واجهته وتواجهه.
وتجلّت مظاهر الرفض الشعبي للوجود الإيراني بالعراق في محاولة المتظاهرين حرق القنصلية الإيرانية في كربلاء، وقيامهم بتغيير اسم “شارع الخميني” في مدينة النجف إلى شارع “شهداء ثورة تشرين”، وتشويههم صور المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، واللافت أن تلك المظاهر كانت في المحافظات والمدن العراقية ذات الأغلبية الشيعية مما يؤكد أن العراقيين بكل طوائفهم قد ضاقوا ذرعًا بممارسات إيران وهيمنتها على النظام السياسي في العراق.
ويبذل العراقيون من أجل هدفهم هذا الغالي والنفيس من دمائهم الزكية، إذ وصلت حالات القتل في المظاهرات ببغداد والمدن العراقية المختلفة إلى نحو 270 مواطنًا، وأكثر من 12 ألف مصاب، منذ بدء الاحتجاجات في أول أكتوبر الماضي، وتشير أصابع الاتهام في الوقوف وراء إسالة هذه الدماء إلى إيران وميلشياتها، وخاصة الحرس الثوري والحشد الشعبي، التي تتسلل وسط قوات الأمن العراقية وتقوم بإطلاق الرصاص الحي صوب المتظاهرين حسب بعض التقارير.
فيما أشار تقرير لجنة التحقيق حول مقتل المتظاهرين، والذي صدر يوم 22 أكتوبر الماضي، إلى أن قوات الأمن استخدمت القوة المفرطة والذخيرة الحية لقمع الاحتجاجات، وأن الضباط والقادة فقدوا السيطرة على قواتهم خلال التظاهرات مما تسبب بحالة من الفوضى. وقد نفت القيادة السياسية العراقية ممثلة في رئيس الوزراء عادل عبد المهدي والرئيس برهم صالح إصدار أي تكليفات لقوى الأمن بإطلاق الرصاص صوب المحتجين، مؤكدين أن مهمة القوى الأمنية هي حماية حقوق المواطنين.
استقالة الحريري تعقّد المشهد
جاءت استقالة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري بعد 13 يومًا من الاحتجاجات، لتزيد من إصرار المتظاهرين العراقيين على تحقيق مطالبهم بإسقاط الحكومة العراقية وعلى رأسها عادل عبد المهدي، في الوقت الذي لم تفلح فيه الكتل النيابية الكبيرة في الاتفاق على إقالة عبد المهدي سواء بتشكيل حكومة جديدة أو بالتصويت داخل مجلس النواب على حل المجلس وإجراء انتخابات نيابية مبكرة في غضون 60 يومًا حسبما ينص الدستور العراقي.
وهو ما يعقّد المشهد السياسي العراقي أكثر، ارتهانًا للكثير من المعطيات أهمها استمرار الاحتجاجات الشعبية التي يبدو أنها لن تهدأ قبل أن تحقق مراميها بعدما دفعت ثمنًا باهظًا نظير ذلك وهو الدماء، بالإضافة إلى مواقف الكتل السياسية العراقية وأهمها “سائرون” و”الفتح” التي يبدو أنها مازالت دمى تتحرك بأصابع إيرانية، فمقتدى الصدر زعيم التيار الصدري الذي تنتمي إليه “سائرون” قام بزيارة إيران خلال اليومين الماضيين بعد أن أعلن انضمامه للمظاهرات، وهادي العامري رئيس “الفتح” عاش في إيران لسنوات طويلة وتؤكد الكثير من الوقائع علاقته الوثيقة بالمرشد الأعلى علي خامنئي.
باحث أول بالمرصد المصري