
“الخزانة الأمريكية” … هل تملك مفتاح الحل في قضية سد النهضة
من أجل تجاوز وكسر الجمود الذي يكتنف مفاوضات “سد النهضة”، تستضيف العاصمة الأمريكية واشنطن أولى اجتماعاتها حول السد غدا الأربعاء.
يضم هذا الاجتماع إلى جانب وزارة الخزانة الأمريكية -صاحبة الدعوة- وزراء خارجية مصر والسودان وإثيوبيا، بحضور رئيس البنك الدولي “ديفيد مالباس”. وذلك على ضوء وصول المفاوضات بين الدول الثلاث إلى “طريق مسدود” بعد مرور أكثر من أربع سنوات من المفاوضات المباشرة منذ التوقيع على اتفاق إعلان المبادئ في 2015.
أعلنت الدول الثلاث في بيانات منفصلة قبولها المشاركة في المفاوضات، على الرغم من أن إثيوبيا كانت ترفض تدخل طرف دولي رابع، استنادا إلى المادة العاشرة من إعلان اتفاق المبادئ الموقع في مارس 2015، في الخرطوم، والذي ينص على أن “اللجوء إلى وساطة طرف خارجي يتم بموافقة الأطراف الموقعة على الاتفاق”.
وقد سبق أن اقترحت مصر تدخل البنك الدولي كطرف رابع في المفاوضات منذ العام الماضي، لكن إثيوبيا رفضت ذلك، فيما لم يعلق السودان، مما أدى إلى تعطيل المساعي في ذلك الوقت. ودخول طرف دولي محايد في المفاوضات ليس ببدعة سياسية، وإنما أمر معمول به في كل القضايا الخلافية بين الدول. ولوقف الفكرة المغلوطة التي يروجها الإثيوبيون بأن مصر لا تريد لبلدهم أن يحقق التنمية المنشودة لتحسين معيشتهم ببناء السد الذي سيولد الكهرباء التي تحتاجها التنمية.
لذا يعقد هذا الاجتماع لوقف التباين في وجهات النظر بين مصر وإثيوبيا حول قواعد الملء والتشغيل للسد، وفق اتفاق إعلان المبادئ. حيث ترفض مصر سياسة الأمر الواقع وترغب في التوصل لاتفاق مرض للدول الثلاث، ويحفظ حقوق مصر المائية. وطبقا للمخطط الخاص بتنفيذ مشروع السد. فإن إثيوبيا تريد بدء توليد الطاقة الكهربائية من السد بحلول سبتمبر 2020، حيث من المزمع أن تبدأ توربينات السد في العمل، وتحديداً توربنين اثنين من أصل خمسة عشر توربيناً لتوليد باكورة إنتاج السد من الكهرباء بواقع 700 ميجاوات، ما يعني أن إثيوبيا ستبدأ قريبا في ملء خزان السد.
على الجانب الآخر، فإن مصر التي تعتمد على نهر النيل كمصدر وحيد للمياه العذبة. تريد أن تقوم إثيوبيا بملء الخزان خلال سبع سنوات، وطالبت في مقترح رسمي أديس أبابا بإطلاق 40 مليار متر مكعب من المياه سنوياً. ولكن ما إن تقدمت مصر بمقترحها حتى أعلنت إثيوبيا رفضها القاطع لها دون مناقشة، بل ورأت في الأمر تعديا على “سيادتها”.
لماذا وزارة الخزانة الأمريكية؟
لم يتم التعبير عن الموقف الأمريكي من قضية بناء سد النهضة ، إلا من خلال عبارات دبلوماسية، ففي الخامس من أكتوبر الماضي صدر بيان من البيت الأبيض وليس وزارة الخارجية. تضمن دعم الولايات المتحدة لمصر والسودان وإثيوبيا في السعي للتوصل لاتفاق على قواعد ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي يحقق المصالح المشتركة للدول الثلاث، كما تضمن البيان مطالبة الولايات المتحدة الأطراف الثلاثة بإبداء حسن النية للتوصل إلى اتفاق يحافظ على الحق في التنمية الاقتصادية والرخاء وفي الوقت ذاته يحترم بموجبه كل طرف حقوق الطرف الآخر في مياه النيل.
ويعود السبب الرئيسي لاختيار وزارة الخزانة الأمريكية للعب هذا الدور إلى عاملين رئيسيين: الأول، يرتبط بوعود سابقة قطعها الرئيس الأمريكي لمصر بعدم المشاركة في دعم مشروع “سد النهضة”، والمشروعات المنبثقة منه بشكل رسمي، خاصة أن وزارة الخزانة هي المسئولة عن تقديم المشورة للرئيس بشأن القضايا المالية والاقتصادية وتشجيع النمو الاقتصادي والاستثمار في الداخل والخارج.
أما العامل الثاني، يرتبط بطريقة إدارة الرئيس الأمريكي التي تسعى إلى حلحلة الأمور بطريقة غير تقليدية، وهو ما أكدته تصريحات مستشارة البيت الأبيض “كيليان كونواي” عندما قالت إن إدارة ترامب “نشطة جداً حول العالم، وتعقد اجتماعات مختلفة، وتقوم بالأمور بطريقة غير تقليدية تماماً”. لذا فقد وقع الاختيار على وزارة الخزانة لتكون هي نقطة الاتصال بين الدول الثلاث وليس وزارة الخارجية، للوصول إلى نتائج ملموسة بعيداً عن العبارات الدبلوماسية.
الرعاية الأمريكية للمفاوضات .. إلى أين؟
جاءت الوساطة الأمريكية بناء على اقتراح مصري، حيث طلب الرئيس عبد الفتاح السيسي من ترامب التوسط لكسر الجمود، الذي يخيم على المفاوضات، وذلك عندما التقيا في سبتمبر على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة. ووافق ترامب حينها على التواصل مع إثيوبيا وقد عرض وساطة وزير الخزانة، ستيفن منوتشين.
وأكد ترامب خلال اتصال هاتفي مع الرئيس السيسي في 4 نوفمبر، حرصه على نجاح مفاوضات سد النهضة. وقال ترامب إنه سيستقبل شخصيا وزراء خارجية مصر وإثيوبيا والسودان في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض في مستهل المفاوضات، تأكيدًا على حرصه البالغ على خروج هذه المفاوضات بنتائج إيجابية وعادلة، تحفظ حقوق جميع الأطراف.
ومن المتوقع أن تسفر اجتماعات الدول الثلاث في واشنطن عن حلحلة الوضع المتجمد حول قضايا سد النهضة الفنية والتوصل إلى توافق إيجابي، والعودة إلى طاولة المفاوضات للوصول إلى شكل من التوافق والتقارب، لإنهاء الأزمة. ولكن هناك من يرى أن الإدارة الأمريكية ليست جاهزة برؤية واضحة لحل الأزمة، وأنه سيكون اجتماعا أوليا ولن يخرج باتفاقات محددة، وان هذا الأمر سوف يحتاج لفترة من الزمن.
في المقابل هناك مخاوف من ثبات الموقف الإثيوبي الذي يرى أنه من حقه الاستفادة من موارده الطبيعية، طالما أنها ظلت تقر بضمان حقوق جيرانها المائية.
إجمالا، يتيح للولايات المتحدة لعب دور أكبر في هذه القضية، انطلاقا من أنها أكبر جهة داعمة لمصر وإثيوبيا من حيث كم المساعدات العسكرية والاقتصادية الذي يتخطى ملياري دولار سنوياً. ويتيح ما تقدمه واشنطن من مساعدات كبيرة للطرفين، إضافة لمكانتها المؤثرة داخل المؤسسات المالية الدولية الرئيسية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، ثقلاً لا تستطيع الأطراف المتفاوضة تجاهله.