
من التل الى الشمال السوري.. إردوغان يعيد مذابح الخلافة العثمانية ” قراءة تاريخية”
واصلت الدولة التركية سلسلة جرائمها باحتلال الشريط الحدودي الفاصل بينها وبين الدولة السورية، حيث بدأ الهجوم التركي في 10 أكتوبر 2019 بغارات جوّية استهدفت بلدة رأس العين ومحيطها، قبل أن يطال قصف مدفعي مدناً وقرى عدّة على طول الشريط الحدودي، في المنطقة التي تأمل أنقرة إقامة “منطقة آمنة” فيها بحسب وصفها، مما أسفر عن سقوط العديد من المدنيين السوريين بالإضافة الى تهجير وتدمير قرى بأكملها في هجمات وُصفت “بجرائم حرب” بحسب منظمة العفو الدولية. وجاء ذلك بالتزامن مع تصويت مجلس النواب الأميركي الثلاثاء 29 أكتوبر 2019، لصالح الاعتراف بقتل الأرمن قبل نحو قرن من الزمن بوصفه “إبادة جماعية”.
وبقراءة سريعة للتاريخ، لم يكن هذا العدوان الوحيد للدولة التركية، فعبر ستمئة عام، سيطر العثمانيون على ما يقرب من نصف بلاد العالم، فذاق من ظلمهم كل الشعوب التي وقعت تحت حكمهم، وعلى رأسهم الشعوب العربية في الخليج وشمال إفريقيا، ومنذ سقوطها في الأول من نوفمبر 1923م، على يد مصطفى كمال الدين أتاتورك، بإعلان تأسيس الدولة التركية الحديثة، لم يخفى على أحد من المحيط إلى الخليج ومن الغرب إلى الشرق، تلك الجرائم والمذابح التي ارتكبها العثمانيون في تلك الفترة التاريخية من الزمن، باستثناء النظام الحاكم للدولة التركية.
مجازر العثمانيون للعلويين في حلب
يأخذنا التاريخ، عندما دخل السلطان سليم الأول مدينة حلب بعد معركة مرج دابق عام 1516، حينها ارتكب مجزرة بحق الطائفة المسلمة العلوية والتي أدّت إلى شبه إنهاء الوجود العلوي في مدينة حلب، وتعرف هذه المجزرة بـ “مجزرة التلل“. إذ عمد الجيش العثماني على استباحة دم العلويين وقتلهم بأقسى الطرق لمدة اسبوعًا كاملًا وتجميع رؤوس القتلى على شاكلة تلة وسط المدينة على بعد 2 كم غرباً من قلعة حلب، ولذلك عرفت المجزرة بهذا الاسم.
ويقدر عدد العلويين الذين ذبحهم وقتلهم العثمانيون في حلب بـ 40 ألفاً، في حين قدرتها مصادر أخرى بـ 90 ألفاً من الرجال والنساء والأطفال، فيما أجبر من نجى من الموت على الفرار إلى جبال اللاذقية.
مذبحة القاهرة 1517
غزا العثمانيون بقيادة سليم الأول، الدولة المصرية، وطوال حكمهم لمصر، ظلت صلة مصر بالدولة العثمانية ضعيفة غير وثيقة، حيث اقتصر مبتغى العثمانيين على جباية أموال وخيرات الأمة المصرية، فلم يكن شهر المحرم من عام 923 هجرية، الموافق يناير 1517، شهرًا عاديًا مرَّ كغيره من الأشهر على أيام مصر، ولكنه كان يوم نكبة وحسرة، سليم خان، الإمبراطور التركي، الذي اقتحم القاهرة، كان رجلاً سفاكًا للدماء شديد الغضب، وروي عنه أنه قال: “إذا دخلت مصر فأحرق بيوتها قاطبة والعب في أهلها بالسيف”.
هكذا كان عزم النية لاقتحام القاهرة وقتل المصريين ونهب خير البلاد، وسرقة منجزها الحضاري، وليس نصرة الدين كما كان يدعي الأتراك، وإنما كان الغرض هو هدم الدين ذاته، ليصل الأمر إلى سقوط 10 آلاف من عوام المصريين قتلى في يوم واحد، وغيرها من جرائم الاستعباد الذي كان يقوم به الأتراك للمصريين.
مذبحة القسطنطينية عام 1821
وهي مجزرة قامت بها سلطات الدولة العثمانية ضد المجتمع اليوناني في مدينة القسطنطينية (إسطنبول) انتقامًا لاندلاع حرب الاستقلال اليونانية (1821-1830) وقعت في المدينة عمليات إعدام جماعية وفي حين ادعت السلطات على أن المجازر مجرد رد فعل سياسي لاندلاع الثورة اليونانية، والتي تركزت في جنوب اليونان. فلم تكن هناك علاقة بين ضحايا هذه الأعمال وبين الثورة، فقام المعتدي العثماني بتدمير الكنائس ونهب ممتلكات السكان اليونانيين في المدينة. كما وذبح أيضًا عدة مئات من التجار اليونانيين في المدينة.
وتُوجت تلك المجازر عندما أمر السلطان العثماني محمود الثاني بشنق بطريرك القسطنطينية الأرثوذكسي غريغوريوس الخامس المقيم في إسطنبول وتم ذلك مباشرة بعد احتفال البطريرك بقداس عيد الفصح عام 1821 وأعدم وهو مرتدٍ كمال زيه الديني، وإكراماً لذكراه تم إغلاق بوابة المجمع البطريركي منذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا.
10 الاف من القتلى في كربلاء
وبالأسلوب نفسه أمعن العثمانيون في إذلال أهل كربلاء وفرضهم الضرائب الباهظة وعقاب كل من يتخلف عنها دون مراعاة للفقر الذي ألم بالسكان بالإضافة الي الاضطهاد المذهبي وانعدام الأمن الذي ادي الي سوء الحالة الاقتصادية. وأدت تلك الافعال المشينة التي مارسها العثمانيون الي قرار اهل المدينة بالثورة ورفض تلك الممارسات، حينها قبل عدد من ولاة الأتراك باستقلال المدينة مقابل مضاعفة الضرائب، وظل الحال هكذا حتى عهد الوالي نجيب باشا المشهور بكرهه للعرب، فقرر الانتقام منهم في كربلاء، فهاجم المدينة عام 1842م، واستباحها وأمطرها بوابل من القذائف ذبح الأتراك خلالها آلاف من سكان المدينة والعشائر القريبة منها وقتلوا ما يقرب من 10 آلاف من النساء والرجال والاطفال.
مذبحة مسيحيي جدة.. جريمة نامق باشا
لم يحصد العثمانيون أرواح عشرات الآلاف من الأبرياء بأيديهم وأيدي جنودهم فقط، وإنما وكلوا من ينوب عنهم ليقوم بالمهمة الوحشية، فالمذبحة التي وقعت في مدينة جدة خلال العام 1858 نتاجا طبيعيا للامتيازات الأجنبية الواسعة التي منحها العثمانيون للقوى الأجنبية – خاصة إنجلترا وفرنسا – لتتصرف بالشكل الذي يحلو لها في الشرق فتفننت في القتل دون رقيب.
وراح ضحية المجزرة العشرات من التجار الأجانب في جدة، وأخذت أبعادًا دولية خطيرة في حينها، خاصة بعد مقتل زوجة القنصل الفرنسي وإصابة قنصل بريطانيا خلال الاشتباكات، حيث أرسلت بريطانيا سفينة حربية قصفت المدينة العربية بوحشية ودمرت مبانيها، وقتلت العديد من الأبرياء فيها دون أن يدافع عنها الحاكم العثماني نامق باشا.
مذبحة الأرمن الكبرى 1915
انتهز السلطان محمد الخامس رشاد نشوب الحرب العالمية الأولى لتنفيذ مخطط إبادة الأرمن، فبعد تعرض القوات العثمانية لهزائم متتالية، قرر أنور باشا وزير الدفاع التعجيل بمخطط التخلص منهم والسبب وراء هذه الإبادة كان محاولة تغيير ديموغرافية هذه المناطق لخشية الأتراك من تعاون الأرمن مع الروس والثوار الأرمنيين، حيث اعتقل 250 مثقفا أرمنيا في إسطنبول، ووجه لهم تهمة التخابر لصالح قوات الحلفاء ثم أعدمهم، وفي مايو العام 1915 أصدر أوامره بتهجير الأرمن من موطنهم في شرق الأناضول إلى صحراء سورية والعراق فمات منهم الآلاف جوعا وعطشا.
كلف طلعت باشا وزير الداخلية حينها ميليشيا الجيش الخمسيني بذبح الأرمن، الذين هاجموا القرى والمدن ونهبوها ثم أحرقوها، واستباحوا أعراض النساء، وتلذذوا بتعذيب وقتل الأبرياء، وصدرت الأوامر لوالي حلب بإبادة جميع الأرمن الهاربين من الذبح، حتى خلفت المجزرة 1.5 مليون قتيل وآلاف الجرحى والمفقودين، ورغم ذلك لم يزل العثمانيون الجدد ورئيسهم إردوغان في حالة إنكار كاملة لتلك الواقعة.
مذابح سيفو
مذابح سيفو- أي (السيف) في اللغة السريانية – إذ شنَّت القوات العثمانية سلسلة من العمليات الحربية بمساعدة مجموعات مسلحة شبه نظامية كردية عام 1915 استهدفت الآشوريين والكلدان والسريان في مناطق شرق تركيا وشمال غرب إيران. قتلت هذه العمليات مئات الآلاف من الآشوريين، كما نزح العديد منهم من مناطقهم. ويقدر المؤرخون العدد الكلي للضحايا بحوالي 250 – 500 ألف قتيل.
مأساة سفربرلك بالمدينة المنورة
تعتبر من أبشع الجرائم التي قام بها الأتراك، حيث سعت تركيا إلى تحويل المدينة المنورة إلى ثكنة عسكرية وفصلها عن الحجاز وإلحاقها بالدولة العثمانية. ففي عام 1915م، دخل عدد كبير من الجنود الأتراك المدججين بالسلاح، إلى المدينة المنورة بقيادة فخري باشا، الذي أمر بتهجير قسري لكل رجل أو امرأة أو طفل من سكان المدينة، وتجفيف المدينة من سكانها وترحيلهم قسرياً إلى مناطق بعيدة في الشام وتركيا والعراق والأردن وفلسطين، حيث قام جنوده باقتحام البيوت الآمنة وكسر أبوابها عنوة وتفريق الأسر وخطف الأطفال والنساء، وجرهم إلى عربات قطار الحجاز ليتم إلقاؤهم عشوائيًا. لتخلف خلال خمسة أعوام مدينة منكوبة يسكنها 2000 من العسكر الأتراك وبضع عشرات من النساء والأطفال ممن حالفهم الحظ ونجوا من ذلك الترحيل الجماعي.
وتسبب قائد الاحتلال العثماني في أكبر نكبة حدثت بالمدينة المنورة، ونهب الوثائق والآثار والأمانات المقدسة من الحرم ونقلها إلى اسطنبول وحول المسجد النبوي الشريف الي ثكنة عسكرية لجنوده.
مجمل القول، ان الحقيقة المؤرخة والتي يشهد بها التاريخ هو السجل الدموي الحافل بأبشع الجرائم التي قام بها الأتراك ضد كل الطوائف تحت قناع الخلافة وراية الاسلام، والتي يحاول إردوغان اليوم بكافة السبل الي استعادة هذا الارث الوهمي الذي عانى منه الالاف عبر التاريخ.
الابادة الجماعية اليونانية
كانت هذه الابادة الممنهجة ضد السكان المسيحين اليونانيين والتي نفذت بالأناضول خلال الحرب العالمية الأولي وما تلاها (1914-1922) وبتحريض من قِبل الحكومة العثمانية ضد السكان الأصليين من اليونانيين للإمبراطورية اليونانية في البنطس، وغيرها من المناطق التي تقطنها الأقليات الإغريقية. وتضمنت الحملة عمليات قتل واسعة ضد هذه الأقليات؛ وعمليات ترحيل قسري من خلال مسيرات الموت فضلًا عن تدمير المعالم المسيحية الأرثوذكسية الثقافية والتاريخية والدينية. وخلال حقبة الاضطهاد والمذابح ضد اليونانيين في القرن العشرين، كانت هناك العديد من حالات التحول القسري تحت تهديد العنف إلى الإسلام. ووفقًا للمصادر المختلفة، فقد توفي عدة مئات الآلاف من اليونانيين خلال هذه الفترة. وهرب معظم اللاجئين والناجين إلى اليونان. ولجأ البعض، وخاصةً في المقاطعات الشرقية، إلى الإمبراطورية الروسية المجاورة. وكان عدد الضحايا اليونانيين وفقاً للمصادر يتراوح بين 450,000 إلى 750,000.
