دول المشرق العربي

الاحتجاجات والمشهد السياسي اللبناني.. السيناريوهات والمآلات

مع تواصل الاحتجاجات اللبنانية لليوم الثاني عشر على التوالي، بزخم غير مسبوق، وإلحاح على تحقيق المطالب وعلى رأسها “إسقاط الحكومة” تبدو الأزمة اللبنانية في طريقها نحو التعقيد، خاصة في ظل استمرار الاحتجاجات رغم حزمة الإجراءات الإصلاحية التي أعلنتها حكومة سعد الحريري التي لم تنجح في اقناع المتظاهرين بإنهاء الاحتجاجات.

مسار الأزمة

بدأت الاحتجاجات في ساحة رياض الصلح بالعاصمة بيروت يوم الخميس 17 أكتوبر احتجاجًا على الفساد والأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها اللبنانيون، وسوء الخدمات العامة. ومع تصاعد الاحتجاجات يوم الجمعة أعلن رئيس الوزراء سعد الحريري إمهال شركائه في الحكومة 72 ساعة للاتفاق على إصلاحات من شأنها تجنيب البلاد أزمة اقتصادية، والاستجابة لمطالب المتظاهرين.

C:\Users\m.abdelrazik.ecss\Desktop\50893748_303.jpg

أفضت الساعات التي حددها الحريري إلى ورقة إصلاحية عرضها على الرئيس اللبناني ميشال عون، وأخذ موافقة الشركاء السياسيين عليها. وتتضمن هذه الإصلاحات، إقرار موازنة 2020 من دون أي عجز، من خلال المزيد من التقشف في النفقات العامة، وزيادة ضريبة الأرباح على المصارف من 17% إلى 34% لسنة واحدة، بالإضافة إلى خفض أجور النواب والوزراء الحاليين والسابقين بـ 50%، وخصخصة قطاع الاتصالات إما جزئيًا أو بالكامل، وإقرار قانون استعادة الأموال المنهوبة.

وتعاطيًا مع احتجاجات اللبنانيين على الفساد والاتهامات بسرقة المال العام، أعلن الرئيس عون في خطاب للشعب اللبناني أنه يؤيد إنشاء محكمة خاصة بالجرائم المتعلقة بالمال العام، واسترداد الأموال المنهوبة، ورفع الحصانة والسرية المصرفية عن الرؤساء والوزراء والنواب وكل من يتعاطى بالمال العام، مجددًا التزامه بمحاسبة كل من سرق المال العام، ولكنّ كل ذلك لم ينجح في النهاية في إخماد الاحتجاجات، بل زادها اشتعالًا وإصرارًا على “إسقاط الحكومة”.

مواقف التيارات السياسية

رفضت بعض التيارات وعلى رأسها حزب الله استقالة الحكومة وفق ما أكد الأمين العام للحزب حسن نصر الله، الذي لوّح بشبح الحرب الأهلية، بالإضافة إلى التيار الوطني الحر الذي ينتمي إليه الرئيس ميشال عون الذي أكد في خطابه الأخير أن “النظام لا يتغيّر بالساحات، بل من خلال المؤسسات الدستورية”.

C:\Users\m.abdelrazik.ecss\Desktop\5dad607942360440a937adb3.jfif

إلا أن تيارات أخرى وفي مقدمتها حزب القوات وحزب الكتائب وحزب الوطنيين الأحرار أكدت ضرورة استقالة الحكومة وتشكيل حكومة جديدة، بل وصعّد حزب القوات اللبنانية الذي يرأسه سمير جعجع الأمر بإعلان استقالة الوزراء الأربعة الذين يمثلون الحزب في تشكيل الحكومة.

حزب الله وشبح الحرب الأهلية

باعتباره أقوى الأطراف السياسية في لبنان يعد موقف حزب الله من أهم المواقف من بين التيارات السياسية المختلفة. ولذلك فإن تصريح الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله بأن الحزب لا يؤيد إسقاط الحكومة أو إجراء انتخابات نيابية مبكرة، بدعوى أن ذلك سيؤدي إلى فراغ سياسي سيؤدي للفوضى، يعد دلالة واضحة على ما يمكن أن تؤول إليه الأمور في لبنان.

C:\Users\m.abdelrazik.ecss\Desktop\6ae3777665.jpg

ولم يكن رفض حزب الله لاستقالة الحكومة شفهيًا فحسب، بل تعدى ذلك إلى إغلاق الحزب للضاحية الجنوبية، وحشد أنصاره للتظاهر في عدة مناطق لبنانية، أبرزها الضاحية وبعلبك والجنوب، بالإضافة إلى إطلاق بعض عناصره نحو ساحات التظاهر لمحاولة تفريقها، بعد هتاف المتظاهرين “كلن يعني كلن ونصر الله واحد منن”، وهو ما أنتج اشتباكات بين المتظاهرين وعناصر حزب الله، أدت إلى وقوع عدد من الجرحى، وبعدها حدوث اشتباكات بين الأمن اللبناني وعناصر حزب الله أثناء محاولة تفريق الاشتباكات.

C:\Users\m.abdelrazik.ecss\Desktop\حسن-نصر-الله-1.jpg

وكان ظهور نصر الله في خطابه بعد الاشتباكات ومن ورائه علم لبنان فقط دون علم حزب الله أو الشعارات الدينية المعهودة، أمرًا لافتًا، ربّما أراد من خلاله أن يؤكد أن الحزب لبناني ويعلي مصلحة لبنان، ويبعد بذلك الأنظار ولو مؤقتًا عن التاريخ المعهود له في الانصياع لإيران وتبعيته لها، وتنفيذه لأوامر طهران داخل بيروت، في ظل تصاعد حالة الاحتجاج الشعبية ضد كل ما هو تابع لإيران في العراق ومن بعده لبنان، وخوفًا من أن تلقى مكاتب الحزب نفس مصير مكاتب الحشد الشعبي التي تم إحراق بعضها في الاحتجاجات التي يشهدها العراق.

السيناريوهات المتوقعة

السيناريو الأول

استقالة الحكومة، وإحداث تعديلات جذرية في النظام السياسي اللبناني عبر تعديل الدستور وإنهاء مبادئ المحاصصة الطائفية التي رأى الرئيس اللبناني في خطابه أنها أساس كلّ المشاكل التي يعانيها لبنان، مؤكدًا السعي إلى الدولة المدنية حيث يصل كلّ صاحب كفاءة إلى المنصب الذي يستحقه وإلى اللامركزية الإدارية. بالإضافة إلى إجراء انتخابات نيابية مبكرة وتشكيل حكومة تكنوقراط مؤقتة.

السيناريو الثاني

إجراء تعديل وزاري واسع برئاسة سعد الحريري، امتصاصًا لغضب المتظاهرين، إذ تبتعد بعض الوجوه التي يرى فيها المتظاهرون أنها سببًا فيما آلت إليه الأمور، مع البدء في إجراءات إصلاحية اقتصادية حقيقية، وإدخال بعض الوجوه الجديدة غير المحسوبة على أيٍ من التيارات السياسية المعهودة؛ لإعطاء الأمل بأن النظام السياسي اللبناني في طريقه نحو التغيير. وهو السيناريو الأكثر ترجيحًا، ولكنّه يتوقف على المشاورات التي يجريها الحريري حاليًا مع التيارات السياسية المختلفة، وفي مقدمتها حزب الله الذي من المتوقع أن يدعم هذا الخيار.

السيناريو الثالث

بقاء الحكومة ورفض مطالب استقالتها، مع الوعد بالمزيد من الإصلاحات الاقتصادية والتشريعية، وهو ما يعني استمرار الاحتجاجات واشتعالها، وبالتالي استمرار حالة عدم الاستقرار السياسي الذي يشهده لبنان.

محمد عبد الرازق

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى