المنتدى الاقتصادي.. منعطف تاريخي للعلاقات الروسية الإفريقية
الرئيس عبد الفتاح السيسي ألقى كلمته خلال الجلسة الافتتاحية للمنتدى الاقتصادي الروسي – الإفريقي، في سوتشي، ويأتي ذلك في إطار رئاسة مصر للاتحاد الإفريقي، والرئاسة المشتركة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهي القمة الأولى من نوعها، ويشارك بها نحو 50 من رؤساء إفريقيا، ومن المقرر أن يتضمن المنتدى جلستين عامتين، ويعقبهم إعلان ختامي، والذي أوصى الرئيس السيسي بضرورة الخروج بتوصيات فاعلة خلال كلمته أمام القمة والتي أكدت على عدة محاور، وأكدتها كلمة الرئيس بوتين.
التأكيد على العلاقات الإفريقية الروسية:
كعادة الخطابات الرئاسية في القمم الإفريقية التي تقوم على استراتيجية واضحة تعتمد على التكامل الاقتصادي والاندماج القاري والانفتاح الخارجي، وذلك في إطار استراتيجية 2063، وركزت الكلمة على التعاون الإفريقي الروسي وخاصة في مجالات التجارة والاستثمار.
ويتمثل التعاون الروسي الإفريقي في مجالات الطاقة والنقل والتجارة واستثمارات البنية التحتية والعلوم والتكنولوجيا والأمن القومي، والزراعة التي تأخذ حيز على قائمة أجندة أعمال القمة.
فرص الاستثمار بين البلدين وكلمة الرئيس بوتين:
ترى التقارير الإعلامية أن معظم البلدان الأفريقية لا تزال تعتمد على استخراج وتصدير المواد الخام، إلا أنه هناك سعي حثيث من مؤسسات التنمية لزيادة الإنتاج الصناعي وتعزيز الناتج المحلي الإجمالي الصناعي، وهو ما يعد فرصة أمام روسيا في التشارك نحو تسريع التصنيع والتنمية المستدامة وتدفق الاستثمار الأجنبي المباشر إلى القارة الأفريقية لتحقيق معدلات نمو اقتصادي سريع.
وهو ما أكده الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في كلمته الترحيبية بالمشاركين بالمنتدى الاقتصادي الروسي الأفريقي بإن التحرك نحو روسيا وإفريقيا تجاه بعضهما البعض في مجال التجارة والاستثمار والتكامل الصناعي يسير بخطى أسرع، ويتضح ذلك التحرك من خلال ديناميكيات المؤشرات الاقتصادية المرتفعة واعتبر المنتدى شاهداً على هذا الاهتمام الكبير، بما يجمع أكثر من 3000 ممثل عن الشركات الأفريقية، فضلا عن رؤساء الشركات الروسية وكبار الخبراء الدوليين.
وأشار الرئيس بوتين في كلمته إلى أن حجم التبادل التجاري بين روسيا والدول الإفريقية بلغ نحو مليار دولار، وشكلت حصة مصر 40% من هذه التجارة.
وأشارت التقارير الإعلامية المنشورة إلى أن حجم التبادل التجاري بين روسيا وأفريقيا بلغ نحو 20.414 مليار دولار أمريكي، وتمثل نحو 3% من التجارية الخارجية لروسيا عام 2018، ونحو 7.792 مليار دولار أمريكي في النصف الأول من عام 2019.
وتأتي مصر على قائمة أهم الشركاء التجاريين لروسيا في الدول الأفريقية، حيث بلغت قيمة التبادل التجاري السلعي بين روسيا ومصر نحو 7.664 مليار دولار أمريكي لعام 2018، ثم الجزائر 4.812 مليار دولار أمريكي، ثم المغرب 1.476 مليار دولار أمريكي، ثم نيجيريا 767 مليون دولار أمريكي، تليهم تونس بحجم تبادل تجاري بلغ 820 مليون دولار أمريكي لعام 2018.
وتغيرت القائمة في النصف الأول من 2019 لتضم مصر في المركز الأول 3.335 مليار دولار أمريكي، والجزائر في المركز الثاني 1.126 مليار دولار، والمغرب في المركز الثالث 658 مليون دولار، وجنوب أفريقيا في الترتيب الرابع 511 مليون دولار أمريكي، والسنغال في الترتيب الخامس 419 مليون دولار أمريكي.
ومن المقرر أن يشهد المنتدى جلسة حوار حول تبادل الرؤى لتجربة التكامل بين البلدان بعنوان “الاتحاد الاقتصادي الأوراسي أفريقيا: اتجاهات وآفاق تطوير عمليات التكامل والتعاون”.
الإنجازات القارية، وفرص الاستثمار في القارة:
عمد الرئيس السيسي على توضيح الجهود الإفريقية في تحقيق الإصلاحات الاقتصادية والسياسية، والتحول الرقمي والعمل على ميكنة المؤسسات لإصلاح العمل التنفيذي في القارة، في إطار الاعتماد على مبادئ المصلحة المشتركة والملكية الإفريقية، وتعزيز فرص الاستثمار من خلال الاندماج القاري، وذلك بالإشارة إلى دخول اتفاقية التجارة الحرة القارية حيز التنفيذ في قمة النيجر السابقة، ودائماً ما تكون تلك الاتفاقية حاضرة بالكلمات الرئاسية للرئيس السيسي باعتبارها أحد مكونات جذب وتعزيز الاستثمار والتجارة القارية والدولية.
كما أشار الرئيس السيسي إلى اهتمام القارة بالاستثمار في رأس المال البشري في إفريقيا، باعتباره المكون والشرط الأساسي لتحقيق التنمية المستدامة والنهضة المنشودة في ربوع القارة، والتي تمثل 65% من الشباب دون سن الـ 25 عاماً، مما يمثل عمالة بشرية ضخمة يمكن القارة الاعتماد عليها، وهو ما أكده أيضاً الرئيس بوتين بأن القارة تمتلك قوى بشرية ضخمة يمكن الاعتماد عليها في عمليات التنمية.
دعوة الرئيس السيسي للاستثمار في القارة، وبوتين يرد بشطب الديون في إفريقيا:
دعا الرئيس السيسي خلال كلمته المؤسسات الروسية نحو الاستفادة من الاستثمار في القارة مما سيعمل على تعزيز التنمية الاقتصادية، وذلك من خلال العمل على تطوير البنية التحتية في طليعة العمل الإفريقي المشترك.
وفي المقابل أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن موسكو قامت بشطب ديون بقيمة 20 مليار دولار كانت مستحقة على الدول الإفريقية لصالح روسيا، وتقديم قروض استثمارية في محاولة لتخفيف أعباء الديون، من أجل تعزيز التواجد الروسي في القارة باعتبارها “قارة واعدة”، حيث من المتوقع أن يصل حجم الاقتصاد الإفريقي إلى 9 تريليونات دولار بحلول 2050.
العلاقات المصرية الروسية في المجال الاقتصادي:
أكدا الرئيسان على الشراكة والتعاون المشترك في مجال تطوير منظومة السكك الحديدية وتصنيع عربات القطارات في مصر، والعمل على توريد الشركة الروسية لمصر أول دفعة من عربات القطارات بإجمالي 1300 عربة في مطلع ديسمبر القادم، وكذلك مشروعات توليد الطاقة ومشروعات ربط الطرق، وتشترك روسيا مع مصر في مشروعات تنموية مثل مشروع “إنشاء محطة الضبعة النووية”، والتطلع إلى قيام الجانب الروسي بإنهاء الإجراءات اللازمة لتقديم الدعم المالي والفني لهيئة الرقابة النووية والاشعاعية من أجل تنفيذ المشروع النووي في الضبعة حتى يتثن الالتزام بالجدول الزمنى المقرر، هذا إلى جانب العمل على انهاء المنطقة الصناعية الروسية في محور قناة السويس.
اللقاءات على هامش المنتدى:
لم تخلو الزيارة من اللقاءات، فمنذ وصول الرئيس السيسي للمشاركة في اعمال المنتدى بروسيا، وشهدت أجندته زخماً واضحاً بدء بلقائه ورئيس شركة “جاز” الروسية لصناعة للسيارات فاديم سوروكين، وهي شركة تقوم بإنتاج السيارات والأوتوبيسات وتصديرها إلى العديد من الأسواق العالمية، وذلك للتباحث حول سعي مصر نحو تطوير مجال صناعة السيارات، وتوطين التعاون المشترك في استخدام النظم الحديثة بمجال النقل العام، بما فيها المركبات الكهربائية والتي تعمل بالغاز.
وتمت الإشارة إلى الفرص التي يمتلكها السوق المصري لجذب الاستثمارات الأجنبية من بنية أساسية جديدة ومتطورة، وعمالة فنية ومدربة، كما تعد مصر من أكبر الأسواق في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، مع إمكانية النفاذ للأسواق الخارجية من خلال الاتفاقات التجارية التي ترتبط بها مصر مع العديد من الدول والتكتلات الاقتصادية الإقليمية.
وتأتي هذه القمة لتكون بمثابة قمم بكين، وقمة تيكاد والتي عززت من التواجد الصيني والياباني في القارة، ومحاولة تزايد التواجد الروسي في إطار التنافس الدولي حول التواجد في القارة، باعتبار روسيا شريكاً تنموياً وليس عسكرياً كما يحاول البعض تصويرها، وهو ما لفت إليه الرئيس بوتين في كلمته أن روسيا تصدر ما قيمته 25 مليار دولار من المواد الغذائية، وهو أكثر مما نصدّره من الأسلحة التي تشكل 15 مليار دولار”، والتأكيد على قدرة روسيا على مضاعفة هذه التبادلات كحد أدنى خلال السنوات الأربع أو الخمس المقبلة.