الصحافة الدولية

احتجاجات تشيلي وتزايد فجوة عدم المساواة …ما الذي يحدث؟

أصدر رئيس تشيلي “سيباستيان بينيرا” مساء يوم الجمعة 18 أكتوبر قرارًا بتطبيق حالة الطوارئ في البلاد، ودفع بالقوات المسلحة في شوارع العاصمة سانتياغو، في محاولة للسيطرة على الفوضى في العاصمة ومدن مثل تشاكابوكو التي تعد جزءًا من المنطقة المحيطة بالعاصمة، القرار الذي ذكّر الذين عاشوا الفترة القمعية من الحكم العسكري في السبعينيات والثمانينيات.

جاء هذا القرار نتيجة لأعمال العنف، التي خرجت عن السيطرة، والاحتجاجات الطلابية، رفضاً لارتفاع أسعار تذاكر مترو الأنفاق، والتي تحولت إلى أعمال تخريب لم يسبق لها مثيل منذ عقود في مدينة سانتياغو. حيث تم إشعال الحرائق في محطات المترو والحافلات والبنوك ومحلات السوبر ماركت والجامعات، ونتج عنها وفاة 15 شخصًا على مستوى البلاد وفقاً لبيان من وزارة الداخلية. كما اشتعلت النار في مقر شركة الطاقة ENEL وتم الاستيلاء على الشوارع الرئيسية في المدينة من قبل المتظاهرين الأكثر عنفا. 

وبعد مرور 21 ساعة على إصدار حالة الطوارئ في العاصمة، والتي تقيد حرية المواطنين للتنقل والتجمع لمدة 15 يومًا، أعلن الرئيس، سيباستيان بينيرا، من مقر الحكومة “لا مونيدا” أنه سيعلق قرار رفع سعر تذكرة مترو الأنفاق، بهدف تخفيف الضغط الاجتماعي، في نفس الوقت الذي فرضفيه  الجيش قرار بحظر التجول في سانتياغو. 

ارتفاع مستوى المعيشة:

تعتبر سعر تذكرة مترو العاصمة سانتياغو من أغلى الأسعار في دول أمريكا اللاتينية، مقارنة بمترو مدينة ساو باولو البرازيلية ومدينة بوينس آيرس عاصمة الأرجنتين ومدينة مكسيكو سيتي. وبعد القرار الأخير، وصلت سعر التذكرة إلى 830 بيزو تشيلي، أي ما يعادل 1.17 دولار ، مع العلم أن راتب 70 ٪ من السكان لا يصل إلى 770 دولار شهريا. 

فمنذ افتتاح نظام النقل العام في العاصمة سانتياغو Transantiago”” عام 2007، والذي أعيدت تسميته حاليًا باسم Metropolitan Mobility Network، ارتفعت سعر التذكرة عشرين مرة. فقبل 12 عامًا، بلغت قيمتها 420 بيزو (0.59 دولار)، ومع الزيادة الأخيرة، ارتفعت من 800 إلى 830 (1.13 دولار إلى 1.17 دولار)، مما أثار الاحتجاجات. وبررت السلطات ذلك الارتقاع بالحرب التجارية والزيادة في قيمة الدولار مقابل البيزو وزيادة تكلفة الطاقة.

وعلى الرغم من أن تشيلي أحد أكثر الاقتصاديات ازدهارًا في الأمريكتين، بجانب استقرار النظام السياسي والممارسة الديمقراطية بعد انتهاء دكتاتورية أوغستو بينوشيه (1973-1990)، لم تنته تشيلي من حل بعض مشاكلها الهيكلية، وذلك من حيث نظام المعاشات التقاعدية والمنخفضة مقارنة بارتفاع تكلفة مستوى المعيشة. كما لم تتمكن أي حكومة منذ 30 عامًا من رفع مستوى التعليم العام والذي تم تدميره في مراحل الديكتاتورية العسكرية آنذاك. هذا إلى جانب فضائح الفساد الأخيرة بين الشرطة والجيش والتي طالت قائمة طويلة من مؤسسات فقدت مصداقيتها في المجتمع، مثل الوزارة العامة والبرلمان والأحزاب السياسية والكنيسة الكاثوليكية. ووفق تقرير صادر عن الجامعة الكاثوليكية في تشيلي، فقد ارتفعت قيمة العقارات في العقد الماضي  إلى 150 ٪ في مدينة سانتياغو العاصمة والمنطقة الحضرية المحيطة بها، في حين أن الدخل ارتفع بنسبة 25 ٪ فقط. هذا إلى جانب مواجهة اقتصاد تشيلي هذا العام لتوترات التجارية العالمية، وانخفاض سعر النحاس، المنتج الرئيسي للتصدير، وارتفاع أسعار النفط، فضلاً عن الإصلاحات التي تخفض الضرائب على الأغنياء في محاولة لجذب الاستثمار وتعزيز النمو، الأمر الذي زاد من هوة عدم المساواة.

وبينما ادعى الرئيس قبل بضعة أيام فقط من التظاهرات من أن تشيلي تعد بمثابة “واحة” في أمريكا اللاتينية، إلا أن الثورات والاحتجاجات تغلبت على المشهد. فبعد إغلاق شبكة المترو التي تنقل 2.8 مليون شخص يوميًا، سار الآلاف من العمال على طول الطرق الرئيسية بحثًا عن وسائل النقل العام والحافلات المكتظة، كما ولّدت السيارات اختناقات مرورية في الشوارع الرئيسية، وحولت الشرطة حركة المرور في مناطق وسط المدينة وأغلقت مراكز التسوق في وقت مبكر.

أوضحت لجريدة الباييس الإسبانية، أن عالم الاجتماع “أوجينيو تيروني” “Eugenio Tironi” قد لاحظ عناصر مشابهة للتظاهرات الراهنة في تشيلي مع احتجاجات السترات الصفراء في فرنسا؛ من أن مواطني الطبقة المتوسطة يعانون بسبب ارتفاع تكلفة المعيشة. كما قالت الأستاذة بجامعة سانتياغو “لوسيا داميرت” “Lucía Dammert” أن الشباب دون سن 25 عامًا يعارضون الظلم لرؤيتهم لآبائهم وأجدادهم يعملون من أجل البقاء. 

دعوات صفحات التواصل الجتماعي:

انتشرت دعوات الانضمام إلى الاحتجاجات – “عمليات التهرب الضخمة” #EvasionMasiva ” كما يطلق عليها في شيلي – عبر شبكات التواصل الاجتماعي، والتي ضمت أغلبها من الطلاب. 

كما أن الوضع في تشيلي يفتقر ،وفقاً للتقارير، إلى تحليل عميق سواء من قبل السلطات السياسية أو المفكرين. فعلى عكس عام 2011، عندما احتج الطلاب رغبة في الحصول للحصول على تعليم مجاني وعالي الجودة، اتسمت كونها حركة منظمة ولها أجندة واضحة للمطالب ويقودها قادة الطلاب، ممثلين حالياً في البرلمان. أما الاحتجاجات الراهنة فهي بمثابة انفجار مجتمعي يسعى إلى تجاوز معايير السوق الميني عليها مجتمع تشيلي وذلك لاتساع فجوة عدم المساواة.

ومن حيث التداعيات السياسية، تبدو الطبقة السياسية في حيرة من تلك الظاهرة؛ وذلك لعدم ملاحظة عمليات تعبئة التظاهرات من أي من قوى اليسار واليمين التقليدية. وفي حين أدان البرلمان جميع أشكال العنف المتبع،  أبدت المعارضة ورئيس الحزب الاشتراكي رأيهم من استخدام الشرطة للقوة ، حيث أعربت عن رفضها التام لكيفية تصرف الشرطة أمام المتظاهرين في سان ميغيل، وأن على الحكومة التراجع عن قرار زيادة أسعار التذاكر. 

كما سألت أحد قادة جبهة اليسار والمرشحة الرئاسية السابقة “بياتريز سانشيز”، الحكومة على مواقع التواصل الاجتماعي تقول: “هل نقاش السلطات حقاً يدور حول ما إذا كانت ستضع ثلاثة أو خمسة أقفال على باب المترو أم سترسل 10 أو 15 شرطي؟ ألا ترون يأس عائلة تكسب الحد الأدنى للأجور 301000 بيزو (424 دولارًا) وتنفق 33500 بيزو (47 دولارًا) شهريًا للذهاب إلى العمل؟ 

مؤشر عدم المساواة:

وفقاً لمؤشر Gini، وهو المقياس الدولي الأكثر استخدامًا لعدم المساواة، أظهر أن تشيلي تقع في المرتبة الأخيرة من بين مجموعة  30 دولة من أغنى دول العالم، في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

وبالنظر إلى مؤشر عدم المساواة من خلال مقارنة دخل الأغنياء والأكثر فقراً، في 2006 ، كسب أغنى 20٪ من المجتمع التشيلي 10 مرات أكثر من أفقر 20٪ ، وفقًا لمسح حكومي. وفي عام 2017، انخفض الرقم إلى 8.9،  مما يشير إلى أن فجوة الدخل بين الأغنياء والفقراء قد ضاقت بشكل طفيف. 

كما تجري الحكومة التشيلية دراسة استقصائية للأسر المعيشية كل عامين وتوفر مقياسًا لعدد الذين يواجهون الفقر في البلاد. ويشمل ذلك الأشخاص الذين يكافحون لشراء ما يكفي من الغذاء للبقاء على قيد الحياة ، وكذلك أولئك الذين ينفقون نسبة كبيرة من دخل أسرهم على الغذاء. وتشير الأرقام إلى انخفاض ثابت وهام في الفقر على مدى العقد الماضي. الأمر الذي يشير إلى فجوة عدم المساواة التي تعاني منها دولة تشيلي.

كاتب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى