الصحافة الدولية

في عيون خبراء غربيين…رؤية تقييميه للغزو التركي لشمال سوريا وآليات التعامل الأمريكي

شكل الغزو التركي لشمال شرق سوريا (9 اكتوبر2019) في عملية أطلقت عليها أنقرة “نبع السلام” انتهاكا واضحا للمواثيق والأعراف الدولية، وخرقاً للسلامة الإقليمية وقدسية الحدود السورية، وقد كشفت هذه العملية حجم وحدود الاطماع التركية وسياستها الرامية إلى إعادة هندسة الشمال السورية والعمل على توطين اللاجئين هناك من أجل تغيير هوية المنطقة نحو استكمال خطة أنقرة في تتريك المنطقة، وقد افرزت العملية عدد من التداعيات الوخيمة سواء فيما يرتبط بهروب عدد من أعضاء تنظيم داعش من سجونهم او عبر نزوح وفرار عدد من المدنيين من هذه المناطق، فضلا من مقتل أعداد أخرى جراء هذه العملية، قبل أن تتدخل الولايات المتحدة الامريكية وتعلن على لسان نائب الرئيس الأمريكي ” مايك بنس” في السابع عشر من أكتوبر الجاري وفق العملية العسكرية عبر توقيع اتفاق مع الجانب التركي وإقناع عناصر قوات سوريا الديمقراطية بقبول بنوده.

   وفيما يتعلق بهذه القضية، تعرض مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية “CSIS”، لرؤية وتقييم عدد من الخبراء المتخصصين في عدة مجالات ذات الصلة بقضية الغزو التركي لشمال سوريا وموقف الولايات المتحدة منه، في تقرير معنون بــــــ ” تدخل تركيا والدبلوماسية الامريكية والازمة في سوريا“، وهو ما يمكن التعرض إلى أبرز ما جاء فيه على النحو التالي:

الغزو التركي وحدود المعالجة الامريكية 

    تعرض بولنت اليريزا ” Bulent Aliriza” المدير المؤسس لمشروع تركيا بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، لعملية الغزو والتعامل الأمريكي معها، وقد أكد على أن المكالمة الهاتفية بين ترامب والرئيس التركي (6 أكتوبر) وسحب القوات الامريكية من سوريا، كانت بمثابة الضوء الأخضر الذي مهد لبدء العملية العسكرية، ولفت الكاتب إلى أن الموقف الأمريكي قد أثار عاصفة غير مسبوقة من الانتقادات في واشنطن خاصة من حلفاء ترامب في الكونجرس وذلك بسبب تخلي ترامب عن الاكراد.

    وقد اتخذ ترامب عدد من الإجراءات تفادياً لهذه الانتقادات من بينها مجموعة العقوبات الأولية التي اعلن عنها والذي أكد من خلالها انه سيعمل على تدمير الاقتصاد التركي حال اكمال العملية، في الوقت ذاته ولاسترضاء منتقديه ارسل ترامب نائب الرئيس “مايك بينس”، وزير الخارجية ” مايك بومبيو” ومستشار الامن القومي “روبرت اوبراين” إلى انقرة  للقاء اردوغان(17 أكتوبر) وتوصلوا لاتفاق بشأن وقف العملية العسكرية، وشدد الكاتب إلى أن ردة الفعل تجاه تركيا والتخلي عن الأكراد تظل في يد الكونجرس الذي وافق في (16 أكتوبر) بدعم من غالبية الأعضاء الجمهوريين على قرار يعارض قرار ترامب بالانسحاب ويدعو الى استمرار الدعم للأكراد، بالإضافة إلى قانون مكافحة الاعتداء التركي الذي صاغه السناتور ” ليندسي جراهام” و” كريس فان هولين” والذي يتضمن فرض عقوبات على المؤسسات والمسؤولين الاتراك، والحظر المفروض على المعاملات العسكرية، وفرض عقوبات ثانوية من خلال قانون مكافحة خصوم أمريكا.

الانسحاب الأمريكي والفاعلية المستقبلية

    في هذا الجانب، تناول جون ألترمان “Jon B. Alterman” مدير برنامج الشرق الأوسط، قرار ترامب بتخليه المفاجئ عن المواقع على طول الحدود التركية السورية وإتاحة الفرصة للقوات التركية للتحرك، وقد لفت الكاتب إلى أن مثل هذا الاجراء ساهم في اثارة قلق حلفاء الولايات المتحدة وشركائها في الشرق الأوسط، وهو ما يعني مزيد من الشكوك المستقبلي حول قيمة وحدود الضمانات الأمنية الامريكية وما يمكن ان تقدمه الولايات المتحدة لهم، وهو ما سينعكس على تنويع علاقاتهم الأمنية والاقتصادية بعدد من الدول وعلى رأسهم روسيا، الصين وفرنسا والمملكة المتحدة، تعويضا عن التخلي الأمريكي، ونوه الكاتب إلى أن تحركات ترمب بشأن سوريا، وتقاعسه عن الرد على الضربة الإيرانية على منشآت النفط السعودية دفع حكومات المنطقة للحذر من الموقف الأمريكي، لافتا إلى أن هذه المواقف تأتي ضمن خطوات أمريكية تعمل على تقليص وجودها في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما عبر عنه ترمب في تغريدة له (9 أكتوبر) مضمونها أن الولايات المتحدة انفقت 8 تريليون دولار على أثر تدخلها في الشرق الأوسط، فضلا عن الخسائر البشرية، معتبراً أن الانخراط في الشرق الأوسط كان أسوأ قرار في تاريخ الولايات المتحدة الامريكية.

 وخلص الكاتب إلى ان السمة الغالبة للحكومات في المنطقة أصبحت قائمة على التشكيك في موثوقية الضمانات الأمنية الامريكية، وقد انعكس ذلك على تحركات الامارات والسعودية الذاهبة إلى تخفيف التوتر مع إيران، وهو ما يستدل عليه من سعى الرياض لاستخدام وسطاء عراقيين وباكستانيين لتخفيف هذه التوتر، انطلاقا من استنتاج فحواه ان الولايات المتحدة ستسمر في عملية الابتعاد عن النزاعات الإقليمية وعدم الانخراط فيها ومن المرجح أن تكون هذه هي السمة الدائمة للسياسة الأمريكية.

\\SERVER\Folder Redirection\m.hussien\Desktop\الانسحاب الامريكي من شمال سوريا.jpg

التدخل التركي.. والاتحاد الأوروبي

     حاولت هيذر كونلي”Heather A. Conley” مدير برنامج الدراسات الأوروبية على تقييم موقف الاتحاد الأوروبي من الغزو التركي لشمال سوريا، وقد أوضحت الكاتبة في البداية المحاولات التاريخية لتركيا للانضمام للاتحاد الأوروبي والتي بدأت عام 1987، لافته إلى أن تركيا لو حصلت على عضوية في الاتحاد لأصبحت ثاني أكبر بلد في الاتحاد من حيث العدد بعد المانيا، ثاني أكبر تمثيل في البرلمان الأوروبي، ورغم عدم العضوية فقد تشكلت علاقات مؤسسية أقل بين الجانبين من بينها الاتحاد الجمركي بين الاتحاد الأوروبي وتركيا (1995)، كما أصبحت تركيا دولة رسمية مرشحة للاتحاد الأوروبي في عام 1999 ، وفتح الاتحاد الأوروبي محادثات الانضمام الرسمية مع أنقرة في عام 2005. ورغم ذلك فقد شهدت العلاقة بين دول الاتحاد الأوروبي وتركيا حالة من التوتر والشد والجذب بين عامي 2015 / 2016 وذلك بسبب أزمة الهجرة واللاجئين، فضلا عن عبور مقاتلي داعش إلى أوروبا عبر تركيا، كما تأثرت العلاقة بين تركيا واروبا بفعل ازمة التحول الديمقراطي التي يشهدها النظام السياسي في تركيا حيث ترى دول أوروبا أن تركيا تنحرف بعيدا عن القيم الديمقراطية الأوروبية.

    وحول الموقف الأوروبي من الغزو العسكري التركي لشمال سوريا، أوضحت الكاتبة أن الاتحاد الأوروبي حاول تبني موقف جماعي يوصي اعضاءه بوقف مبيعات الأسلحة لتركيا، ورغم ذلك فقد خلصت الكاتبة إلى ان الاحداث التي وقعت في شمال سوريا أكدت الضعف النسبي للاتحاد عندما يتعلق الامر بوضع سياسات للتصدي لخطر جسيم، كما يبرز الضعف السياسي المستمر للاتحاد فيما يرتبط بزيادة تدفقات الهجرة من تركيا إلى أوروبا، فضلا عن المخاوف بشأن عودة مقاتلي داعش، خاصة أن اخراج القوات الامريكية من سوريا من شأنه أن يُغذي خطر زعزعة الاستقرار في أوروبا حسبما أكدت الكاتبة.

\\SERVER\Folder Redirection\m.hussien\Desktop\الاتحاد الاوروبي.jpg

عواقب وخيمة على أهداف الدفاع الأمريكية

    سعت ميليسا دالتون ” Melissa Dalton ” نائب مدير برنامج الامن الدولي، للوقوف على التأثيرات المحتملة لانسحاب أمريكا من شمال شرق سوريا على أهداف الدفاع الامريكية، ومن بينها فقدان الولايات المتحدة القدرة التشغيلية والاستخباراتية على تتبع تنظيم الدولة الإسلامية، وعلى الرغم من تواجد القوات الامريكية الصغيرة في منطقة التنف، إلا أن الولايات المتحدة وحلفائها قد قللوا بشكل كبير من قدراتهم على ردع التوسع الإيراني في المنطقة، ناهيك عن أن روسيا ستسيطر في نهاية الامر على المجال الجوي في الشمال الشرقي مما قد يعرقل من فرص الولايات المتحدة وحلفائها من شن غارات جوية على أهداف الدولة الإسلامية، كما ستؤدي السيطرة الروسية إلى تعزيز موقف موسكو وموقعها في التفاوض بشأن التسوية السياسية في سوريا وتسويق موسكو لنفسها على أنها شريك ووسيط ممتاز يمكن التعويل عليه، ناهيك عن ان مجمل الموقف الأمريكي يؤدي إلى التشكيك في مصداقية التحالفات والشراكات الامريكية مع حلفائها.

     وقد خلصت الكاتبة إلى أن هذه التداعيات تجعل خيارات الولايات المتحدة محدودة، وعليه يجب عليها اتخاذ جملة من الإجراءات من بينها، الضغط على تركيا وروسيا ووكلائها لحماية المدنيين، والامتناع عن الاستهداف العشوائي، وتمكين وصول المساعدات الإنسانية، ناهيك عن الحاجة إلى التفاوض مع روسيا بشأن الوصول إلى المجال الجوي شمال شرق سوريا لاستهداف الخلايا الإرهابية، بالإضافة إلى مراجعة استراتيجية للعلاقات الثنائية مع تركيا، وكذا تعزيز التعاون الأمني مع إسرائيل، العراق، الأردن ولبنان لمواجهة النفوذ الإيراني، فضلا عن العمل على ردع نظام الأسد عن استهداف المدنيين.

هل من تأثيرات على بقاء تركيا في الناتو؟

وحول الإجابة على هذا التساؤل أوضحت  راشيل إلوهوس ” Rachel Ellehuus ” نائب مدير برنامج الدراسات الأوروبية أن العملية العسكرية في الشمال السوري قُوبلت بعدد واسع من الادانات سواء من قبل الكونجرس او من خلال الاتحاد الأوروبي وكذا جامعة الدول العربية، وفي ظل هذه الانتقادات والادانات طُرح تساؤلا فحواه هل لا زالت تركيا تتقاسم ذات المصالح والقيم مع حلفائها في حلف شمال الأطلسي؟، حيث لفت وزير الدفاع ” مارك اسبير” ان التوغل لن يضر فقط بالعلاقات التركية الامريكية بل أيضا بــــ ” البقاء في الناتو”، خاصة وان تركيا تذهب في عدد من تحركاتها بعيدا عن فلك الناتو سواء فيما يرتبط بشراء منظومة S400 من روسيا، او عبر خروج اردوغان عن القيم الديمقراطية التي لا تتفق مع المبادئ التي وقعت عليها تركيا للانضمام للناتو1952.

   وخلصت الكاتبة إلى أن التفكير في خروج تركيا من الناتو على أثر هذه التحركات تظل نظره قاصرة، خاصة في ظل الاحتياج المتبادل من الطرفين لبعضهم البعض، وأوضحت الكاتبة عدد من الأسباب التي تجعل الناتو بحاجة لتركيا والعكس، وهو ما يمكن الإشارة اليه فيما يلي:

  •  القدرات التركية وحجم المساهمة، حيث تمتلك تركيا ثاني أكبر جيش بري في الناتو، ناهيك عن كونها من أكبر الدول إنفاقا في الحلف ففي عام 2018 دفعت تركيا مبلغ 101 مليون دولار (89.8 مليون يورو) كتمويل مشترك لحلف الناتو، كما انها ضمن الدول القليلة التي حققت هدف الانفاق الدفاعي للناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2%، كما تتيح عضوية تركيا في حلف الناتو إمكانية الوصول إلى المعدات العسكرية الغربية.
  • الموقع الاستراتيجي، لفتت الكاتبة إلى صعوبة اقصاء أنقرة من الناتو بفضل موقعها الجغرافي الاستراتيجي بين أوروبا وآسيا والشرق الأوسط مما يسهل من الوصول إلى منطقة الشرق الأوسط والبحر الأسود، كما انها تسيطر على ممرين دوليين – الدردنيل والبوسفور- وهما عنصران حاسمان في السيطرة على التجارة والحركات العسكرية داخل وخارج المنطقة، كما انها تستضيف قيادة القوات البرية للناتو في ازمير والعديد من أجهزة الرادار. 
  • ردع روسيا، لفتت الكاتبة إلى أن بقاء تركيا في الناتو يساهم في ردع روسيا، خاصة وان الهدف الاستراتيجي لروسيا قائم على تقويض الناتو، فعلى الرغم من أن موسكو منذ انقلاب انقرة 2016 سعت إلى تعزيز علاقتها مع تركيا من خلال الاستثمار دبلوماسيا، اقتصاديا وعسكريا، وعلى الرغم من ان تركيا استخدمت روسيا للضغط على الناتو، رغم هذه العلاقات إلا أن الناتو بحاجة لتركيا من اجل تحجيم النفوذ الروسي.
  • إدارة عدم الاستقرار، حيث اكدت الكاتبة ان تركيا مساهما قويا في عمليات حفظ السلام في الشرق الأوسط وشمال افريقيا، فضلا عن دورها في أفغانستان وجهوده العسكرية في المنطقة، ناهيك عن استضافة تركيا لنحو 3.6 مليون لاجئ، وهو ما يجعل من الأهمية بمكان الاحتفاظ بتركيا داخل الناتو حسبما اكدت الكاتبة. 
\\SERVER\Folder Redirection\m.hussien\Desktop\دول_حلف_شمال_الأطلسي.jpg

تفاقم الأوضاع الانسانية

  شدد الكاتبان يعقوب كورتزر”Jacob Kurtzer” و كيمبرلي فلورز “Kimberly Flowers”، على تفاقم الوضع الإنساني في شمال سوريا جراء التدخل العسكري التركي حيث نزح ما يقرب من 10 آلاف مدني ونحو مليون شخص تضرروا من النزاع في سوريا، ناهيك عن حاجة نحو 12 مليون في سوريا إلى المساعدات الإنسانية، ونزوح ما يقرب من 160 ألف مدني الأسبوع الماضي، مع مخاوف من أن النزوح قد يصل إلى 300 ألف شخص قريبا، بالإضافة إلى ارتفاع حجم الخسائر المدنية حيث وفاة اكتر من 200 شخص بما في ذلك 18 طفلاً وأكثر من 650 جريحا، فضلا عن اطلاق سراح سجناء داعش وهو ما قد يؤدي إلى مزيد من الكوارث الإنسانية، كما تسبب القصف بالقرب من مستشفيي تل ابيض إلى اجلاء الموظفين ووقف العمليات الطارئة، وكذا تأثرت مرافق مياه  مدينة الحسكة التي تخدم نحو 400 ألف شخص وغير ذلك من التداعيات الخطيرة على الصعيد الإنساني.

\\SERVER\Folder Redirection\m.hussien\Desktop\نزوح.jpg

مصير التنظيمات الارهابية

   أكد “سيث جي جونز” Seth G. Jones أن الانسحاب الأمريكي والغزو التركي سيؤدي إلى عدد من التداعيات المرتبطة بمصير ومستقبل الجماعات والتنظيمات الإرهابية، حيث أن الانسحاب الأمريكي يُجبر قوات سوريا الديمقراطية الحليف الأول لواشنطن ضد داعش على تغيير أولوياته من عملية جمع المعلومات الاستخباراتية وعمليات التطهير ومواجهة داعش إلى القتال ضد القوات التركية، وهو ما يؤدي إلى تداعيات شديدة الخطورة خاصة في ظل وجود ما بين 15 ألف إلى 30 ألف مقاتل من داعش في سوريا والعراق يمكنهم التحرك عبر الحدود العراقية السورية واختراقها ومن ثم إعادة بناء شبكاته في سوريا، فضلا عن خروج عدد من مقاتلي داعش من السجون ومراكز الاعتقال التابعة لقوات سوريا الديمقراطية، إذ يوجد نحو 10 ألاف مقاتل من داعش في مخيم الهول بجانب نحو 70 ألف من النازحين داخلياً.

    ونوه الكاتب إلى أن داعش ليست الجماعة الجهادية الوحيدة في سوريا في ظل وجود تهديدات من تنظيم القاعدة والتي يتراوح عددهم ما بين 12 ألف إلى 15 ألف من مقاتلي هيئة تحرير الشام في إدلب، بالإضافة إلى 1500 إلى 2000 ضمن تنظيم حراس الدين، حيث تشير الإحصاءات إلى وجود نحو 50 ألف إرهابي ينتميان لداعش والقاعدة في سوريا. كما رجح الكاتب أن المتطرفون الشيعة قد يستفيدون من هذا الانسحاب حيث قدمت سوريا مساعدات كبيرة لنظام الأسد وساهمت في تمويل وتدريب أكثر من 100 ألف مقاتل شيعي، كما ساهم نحو 3000 من عناصر فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني من تنفيذ وتخطيط عمليات كما كان الامر في حلب 2016، فضلا عن قيام حزب الله اللبناني بنشر ما يصل إلى 8 آلاف مقاتل في سوريا. وانتهى الكاتب إلى أن الأوضاع الآنية تعمل على إنعاش التنظيمات والجماعات الإرهابية في سوريا.

\\SERVER\Folder Redirection\m.hussien\Desktop\داعش.jpg

النفوذ الروسي

     سعى “جيفري مانكوف” Jeffrey Mankoff” زميل برنامج روسيا وأوراسيا، إلى الوقوف على تداعيات الانسحاب الأمريكي من سوريا على النفوذ المستقبلي لروسيا، وقد أشار في هذا الصدد إلى أن التعاون بين تركيا روسيا في عدد من الملفات والقضايا سوف يكون أكثر عمقا نتيجة الانسحاب الأمريكي من الشمال السوري، خاصة وان أنقرة -حسب الكاتب- تعتقد بان الولايات المتحدة وشركائها الأوروبيين لم تعد تعتبر تركيا حليفة، وذلك في ظل رفض الولايات المتحدة تسليم رجل الدين “فتح الله غولن” الذي يتهمه اردوغان بتدبير محاولة الانقلاب ( يوليو2016)، فمن وجهة نظر اردوغان قد تكون روسيا منافساً استراتيجياً إلا أنها تقبل بــــ “اردوغان” وتعمل على تعزيز واستمرار مصالحها معه. وقد شاركت تركيا في صيغة محادثات أستانا بجانب روسيا وإيران بالتوازي مع المحادثات التي ترعاها الأمم المتحدة في جنيف، وعلى الرغم من التهديدات بفرض عقوبات على أنقرة إلا انها قامت بشراء منظومة S400 الروسية وهو ما ساهم في تعقيد العلاقة بين تركيا والولايات المتحدة من جانب وتركيا وحلف الناتو من جانب آخر.

   وشدد الكاتب إلى أن اهتمام روسيا بإخراج تركيا من شراكتها مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي ساهم في تقديم موسكو لعدد من التنازلات لأنقرة من بينها السماح لتركيا بإرسال قوات إلى شمال سوريا، كما حصلت تركيا على موافقة روسية على ادخال قواتها للحفاظ على منطقة تصعيد إدلب في مقابل طرد أو نزع سلاح المتمردين الجهاديين في المنطقة، وخلص الكاتب إلى أن الانسحاب السريع للقوات الامريكية من سوريا وسط هذه التفاعلات وغيرة سيصب في مصلحة روسيا، حيث سيعزز من طموح روسيا من لعب دور الوسيط الرئيسي في أعادة توحيد سوريا تحت حكم الأسد، واكد الكاتب أن نجاح روسيا في سوريا تجاوز كافة التوقعات، مرجحاً أن يكون عزل تركيا عن الولايات المتحدة والاعتماد المتزايد على روسيا من أكثر النجاحات والانتصارات لموسكو.

\\SERVER\Folder Redirection\m.hussien\Desktop\روسيا في سوريا.jpg

عقوبات أمريكية دون فاعلية

  وحول مصير العقوبات الامريكية على تركيا فقد أشار وليام الآن رينش “William Alan Reinsch” خبير في إدارة الاعمال الدولية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إلى ان الاثار المترتبة على التلويح بالعقوبات الامريكية كانت ضئيلة سواء المتعلقة برفع التعريفة الجمركية على واردات الصلب التركية من 25 % إلى 50 %، أو عبر وقف المناقشات مع تركيا بشأن صفقة تجارية بقيمة 100 مليار دولار، وفرض عقوبات على عدد من الافراد والكيانات، ورأى الكاتب أن اعلان وقف اطلاق النار(17 أكتوبر) قد يساهم في عدم فرض العقوبات على الافراد والكيانات التركية وان مصير رفع التعريفة الجمركية على الصلب غير مؤكد.

وخلص الكاتب إلى أن العقوبات لن يكون له تأثيراً كبيراً، فقد يُفكر الكونجرس في تشريع يحظر مبيعات الأسلحة إلى تركيا منعا من استخدامها في سوريا، بالإضافة إلى فرض عقوبات فردية على عدد من القادة الاتراك بما فيهم الرئيس ونائبه ووزير الدفاع، ناهيك عن معاقبة المؤسسات المالية التركية التي تُسهل المعاملات الدفاعية، ففي عام 2017 باعت الولايات المتحدة لتركيا معدات عسكرية بنحو 341 مليون دولار، وخلال عام 2018 باعت بنحو أكثر من 136 مليون دولار وهو ما مثل مجموعهم نحو 70% من اجمالي واردات الأسلحة التركية وعليه سوف يؤثر وقف هذه المبيعات سلباً على الشركات الامريكية التي تصنع المعدات الدفاعية وسيؤدي إلى تعقيد جهود تركيا للحفاظ على قدراتها الدفاعية، خاصة اذا طبق الاتحاد الأوروبي حظراً مماثلاً، ولفت الكاتب إلى أن هذه القوانين لم يتم إقرارها وقد يستخدم الرئيس حق النقض حال الشروع فيها خاصة مع اخفاقه في تنفيذ العقوبات التي يفرضها القانون بسبب شراء تركيا لمنظومة S400  من روسيا، وهو ما يعني أن ترامب سيكون متردداً في الموافقة على تطبيق مثل هذه العقوبات.

 سياسة توطين اللاجئين

    لفت ويل تودمان ” Will Todman” الباحث في برنامج الشرق الأوسط بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية إلى أن التوغل التركي جاء كمحاولة لإعادة توطين اللاجئين السوريين وذلك بسبب التهديدات الداخلية الخارجية التي تواجه تركي، حيث ارتفاع المشاعر المناهضة للاجئين في تركيا بشكل كبير في الآونة الاخيرة ومن هنا يعمل اردوغان على تقليص عدد اللاجئين في الداخل من أجل تعزيز مكانته، حيث يخطط اردوغان لاستخدام المنطقة العازلة لإعادة توطين نحو 3.65 مليون سوري، كما تعمل تركيا على استخدام اللاجئين العرب كقوة عازلة بين السكان الاكراد في جنوب شرق تركيا والاكراد السوريين، وسوف يتطلب هذا المشروع بناء 140 قرية جديدة، ونحو 10 مدن بتكلفة تصل في المرحلة الأولى نحو 26.4 مليار دولار.

وأشار الكاتب إلى أن على الرغم من رفض الاتحاد الأوروبي دعوات اردوغان لتمويل مشروعه للهندسة العرقية فان وقف إطلاق النار يمنح اردوغان القدرة على تنفيذ خطته، فقط يحتاج إلى الحصول على موافقة روسيا، الامر الذي يمثل صعوبة نسبية خاصة أن بوتين قد أشار سابقا ان روسيا ستسمح لتركيا بالتقدم من 5 إلى 10 كيلوا داخل سوريا وهي منطقة غير كافية لخطط إعادة التوطين.

 
وخلص الكاتب إلى أن مستقبل اللاجئين يزداد خطورة ففي الداخل التركي هناك مزيد من المشاعر السيئة ضدهم، حيث يواجهون قيوداً متزايدة في الحركة والعمل، فضلا عن أن اردوغان يحاول تسليحهم ويهدد بشكل مستمر بفتح الباب أمام تدفق هذه الاعداد إلى أوروبا حال عدم عودتهم لسوريا، وأشار الكاتب أن مستقبل اللاجئين سيكون أكثر صعوبة خاصة في ظل سيطرة الأسد وتعزيز نفوذه وهو ما يعني أن الدول العربية والغربية سوف تستعيد علاقاتها مع دمشق قريبا، الامر الذي سيؤدي إلى مزيد من الضغوط السياسية على اللاجئين في لبنان، الأردن، العراق وعدد آخر من الأماكن، وما يزيد من صعوبة الموقف أن الأسد لا يريد عودة من يشك في ولائهم، كما أن اللاجئين السوريين ليس لديهم الكثير ليعودا اليه حيث تم تدمير ممتلكاتهم او مصادرتها خلال الازمة السورية.

http://www.syriahr.com/wp-content/uploads/2019/01/%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%B7%D9%82%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A2%D9%85%D9%86%D8%A9-%D8%B4%D9%85%D8%A7%D9%84-%D8%B4%D8%B1%D9%82-%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A7-780x405.jpg

كاتب

محمود قاسم

باحث ببرنامج قضايا الأمن والدفاع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى