الصحافة العربية

لبنان.. الاحتجاجات ضد الجميع وحزب الله في القائمة

تشهد بلاد الأرز مظاهرات عمّت الشوارع على مدار اليومين الماضيين، وأُغلقت الطرقات بالإطارات المشتعلة. وترجع أسبابها إلى تراجع الأوضاع المعيشية وفرض ضرائب إضافية، آخرها فرض رسوم على المكالمات الصوتية على الإنترنت.  

كما رُفعت شعارات “الشعب يريد إسقاط النظام”، و”كلن يعني كلن”، وصلت إلى مقر رئاسة الحكومة، حيث تم إحراق صورة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ومن بين المذكورين بالاسم كانت مكاتب النواب التابعين لحزب الله مثل رئيس الكتلة محمد رعد، ونواب حركة أمل مثل ياسين جابر وهاني قبيسي وعلي بزي.

وحدة الشعارات واشتباكات مع قوات الأمن

بخلاف الاحتجاجات السابقة، مثل التي شهدها عام 2015 تحت شعار “طلعت ريحتكم”، شهدت الاحتجاجات الأخيرة وحدة الشعارات واختلاف الانتماءات والأعمار والمناطق، حتى تلك المحسوبة على الشيعة. كانت الأمور هادئة وتطورت لأعمال شغب بتكسير واجهات المحال التجارية والمصارف وإشارات السير، ووصول المتظاهرين إلى أحد الطرق المؤدية إلى قصر بعبدا الرئاسي بعد خطاب رئيس الوزراء سعد الحريري.

وقد شهدت الاحتجاجات أيضا اشتباكات بين المحتجين وقوات الأمن التي استخدمت خراطيم المياه وعشرات القنابل المسيلة للدموع لتفريقهم، وأكدت الشرطة حرصها وإيمانها بحرية التعبير، وعدم القبول بالاعتداء على قوات الأمن، والأملاك العامة والخاصة، وأنه سيتم توقيف كل مخل بالأمن –إذ تم إيقاف حوالي 70 شخصا خلال قيامهم بأعمال تخريب-، وطلبت قوى الأمن من المواطنين التظاهر برقي، وعدم اللجوء إلى الفوضى والعنف.

مواقف القوى الداخلية

تشهد الحكومة اللبنانية انقساما داخليا وتباينا في وجهات النظر حول أمور مثل آلية توزيع الحصص والتعيينات الإدارية، وكيفية خفض العجز، وكذلك العلاقة مع سوريا، إذ يصر التيار الوطني الحر الذي يتزعمه الرئيس اللبناني ميشال عون وحليفه حزب الله على الانفتاح على دمشق، ومعارضة رئيس الحكومة سعد الحريري وآخرين لذلك.

  • موقف تيار المستقبل وخطاب الحريري لتهدئة الأوضاع:
  • ألغى رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري اجتماعا للحكومة كان مقرراً يوم 18 أكتوبر2019 في القصر الجمهوري في بعبدا، كان مخصصا لمناقشة مسودة ميزانية السنة المالية 2020. 

وأعطى في خطابه للشعب اللبناني مهلة للنخب السياسية الحاكمة في البلاد لمدة 73 ساعة للاتفاق على مخرج للأزمة الاقتصادية، وقال: “أنا مع كل تحرك سلمي للتعبير عن مطالب المحتجين، ومسؤوليتنا أن نجد حلولا لمشاكل اللبنانيين، وعلينا إنماء الاقتصاد وخلق فرص عمل”. مضيفا، أن كثيرين يريدون تحويل سعد الحريري إلى كبش محرقة.

  • قال النائب عن تيار المستقبل محمد الحجار إن الموقف الوزاري في التيار تمحور حول أن الهدف من تطور الأمور هو إمساك إيران بلبنان، إذ يرفض وزراء حزب الله في اللجنة الوزارية المخصصة لبحث الموازنة إقرار الإصلاحات، لينتهي الأمر إلى أن يوضع الحريري في الواجهة. 
  • رئيس التيار الوطني الحر وزير الخارجية جبران باسيل:

فيما يبدو رضوخا ومهادنة مع مطالب المحتجين، رأى باسيل أن سبب الاحتجاجات هو تراكم أزمات، وأن ما يحدث قد يكون فرصة للإصلاح كما يمكن أن يتحول إلى كارثة كبيرة ويدخلنا بالفوضى والفتنة” إذا لم يتم الاستدراك. وأبدى تفهمه لموقف المحتجين، وأن هناك سلسلة إصلاحات نادى بها الرئيس، وتم وضع ورقة اقتصادية بموضوع الكهرباء والفساد. طالب بـ “إقرار قانون استعادة الأموال المنهوبة ورفع السرية المصرفية عن المسؤولين”، وقال: “إذا لم تستطع الحكومة إقرار الموازنة قبل الـ 31 من الشهر الجاري عليها الاستقالة”، لكنه في نفس الوقت لفت إلى أن “البديل عن الحكومة الحالية ضبابي وأسوأ من الوضع الحالي بخاصة عدم وجود حكومة، والخيار الآخر الفوضى في الشارع وصولا للفتنة”.

  • حزب الله يدعم استمرار الحريري رغم تفهمه لمطالب المحتجين:

أكد الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله تفهمه لمطالب المتظاهرين، واعتبر أن الرسالة وصلت بقوة للمسئولين، لكنه في نفس الوقت عبّر عن دعمه لاستمرار حكومة الحريري “بروح ومنهجية جديدة”.

لكن نصر الله أكد في المقابل على أهمية استمرار حكومة سعد الحريري “بروح ومنهجية جديدة”. كما اعتبر أن الاحتجاجات المستمرة تظهر أن الطريق للخروج من هذه الأزمة ليس بفرض ضرائب ورسوم جديدة على الفقراء وذوي الدخل المحدود. مضيفا “عند فرض ضرائب جديدة على الفقراء سننزل إلى الشارع”.

وتابع الأمين العام لحزب الله أن البلاد أمامها وقت ضيق لحل الأزمة الاقتصادية. وقال نصر الله: “لن نسمح بإحراق هذا البلد ولا بإغراق هذا البلد”.

  • رؤساء وزراء سابقون يدعمون الحريري ويطالبون بحكومة بعيدة عن سيطرة حزب الله:
  • رأى رئيس الوزراء الأسبق فؤاد السنيورة أن الوضع صعب يتحكم فيه عوامل خارجية وداخلية، تتمثل في التدخل الإيراني عن طريق حزب الله، وموقف الرئيس اللبناني وجبران باسيل. واعتبر أن الرجوع لسياسة التوازن واحترام الدستور واتفاق الطائف، ورغم شكه بأن تتحول الأوضاع إلى ثورة، وربما يسوء إلى أن يصل لفتنة داخلية، وعدم حدوث هذا يتطلب بالأساس “اجتذاب الحريري بعيدا عن حزب الله”، واحترام الدستور وحيادية الدولة. لم يكن مؤيدا لدخول الجيش وأخذ زمام الأمور لأنه ليس في صالح البلاد.   
  • ذكر بيان ثلاثي أصدره السنيورة مع كل من رئيسي الوزراء السابقين نجيب ميقاتي وتمام سلام، أن البلاد دخلت منعطفا دقيقا، وأن ما يجري الآن سبقته مواقف تصعيدية لأفرقاء كانوا ولا يزالون مشاركين أساسيين في السلطة منذ وقت طويل، معبّرين عن تضامنهم الكامل مع الحريري لأنه من يتحمل المسؤولية الأدبية والسياسية والوطنية للخروج من الأزمة، مطالبين المواطنين بـ “الحفاظ على سلمية التحرك وعدم الانجرار في انفعالات تسيء إلى الشعارات النبيلة التي يعبرون عنها”.
  • دعوات للانضمام للاحتجاجات:
  • دعا رئيس الحزب الاشتراكي النائب السابق وليد جنبلاط للاشتراك في الاحتجاجات واعتبر أن الحكومة تريد إلقاء المسؤولية على الغير، وتعطيل كل المبادرات الإصلاحية الممكنة، وأكد على ضرورة سلمية الاحتجاجات. 
  • اعتبر أمين سر الحزب التقدمي الاشتراكي ظافر ناصر أن التحركات في مختلف المناطق نابعة من الفشل الذريع للحكومة في تحقيق الإصلاحات الموعودة، دون استبعاد أن تكون الحكومة في نهاية الأمر من لون واحد. 
  • دعا رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل، اللبنانيين إلى النزول إلى الشارع بطريقة سلمية، للمطالبة باستقالة الحكومة وتشكيل حكومة حيادية تعمل على إنقاذ الوضع الاقتصادي والاجتماعي والمعيشي، بالإضافة لإجراء انتخابات نيابية مبكرة، لإعطاء فرصة للناس لمحاسبة الطبقة السياسية التي تاجرت بالأصوات من أجل طموحاتها ومصالحها الشخصية. 
  • دعا رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع للمشاركة في التحركات الشعبية دون شعارات وأعلام حزبية، وأكد أن الأزمة لن يتم حلها سوى بمجموعة متغيرات جذرية تبدأ باستقالة هذه الحكومة، وتشكيل حكومة جديدة ليس لها علاقة بالحالية، واعتبر أن أفضل ما يقدمه الحريري هو الاستقالة.
  • يرى وزير الداخلية السابق زياد بارود أن الاحتجاجات ليست إلا نتيجة تراكمات في السنوات الأخيرة، منها الانكماش الاقتصادي، وأن هناك خيارات أخرى غير فرض ضرائب على الفقراء، مثل استعادة الأموال المنهوبة وخفض رواتب النواب والوزراء، ورفع السرية المصرفية. 

إجمالًا، يبدو أن الاحتجاجات الأخيرة قد حملت عددا من المفارقات، سواء كانت متمثلة في رفع شعار واحد، وظهور تلك الاحتجاجات في الأحياء الشيعية، أيضا فقد كان هناك إدراك حكومي لأسباب الاحتجاجات وإلى أي مدى يسيطر حزب الله على السلطة ويعرقل حدوث إصلاحات، مما يجعل ضرورة أن تكون الحكومة حيادية وتسعى لاستبعاد تأثير حزب الله. يضاف إلى هذا أن تدخل أي أطراف خارجية من أجل التهدئة قد يكون ذريعة أمام إيران للتدخل الصريح. 

وتتمحور سيناريوهات استمرار الاحتجاجات رغم تصريحات المسؤولين بالتعامل مع المطالبات المطروحة، في استقالة حكومة الحريري وتشكيل حكومة جديدة حيادية، أو أن يستمر تدهور الأوضاع لتصل إلى حد الفوضى.

فردوس عبد الباقي

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى