
ما وراء القرار الأمريكي.. دور جماعات الضغط في صياغة سياسة واشنطن
يقصد بمصطلح “جماعة الضغط”، النشاط الذي تقوم جماعة محددة بممارسته بغرض التأثير على موظفي الدولة، وتوجيههم نحو اتخاذ اجراء محدد، أو دفعهم للترويج الى قضية ما ودعمها.
وقد يتكون “اللوبي” من ائتلاف متنوع يتكون من منظمات وأشخاص مختلفة، وقد يكون شركات ورجال أعمال، وقد يكون جماعات متخصصة في دعم توجه سياسي محدد.
وتبلور مفهوم “اللوبي” في الولايات المتحدة الأمريكية خلال عام 1830 عندما بدأت جماعات المصالح المختلفة تمارس الضغوط على الكونجرس والحكومات.
ويلعب اللوبي دورا محوريا في الحياة السياسية، حتى بات معروفا بأن القرارات التي يتخذها اللوبي لا تضيف عليها سلطات الدولة شيئًا سوى إضفاء صفة الرسمية عليها.
وتجدر الإشارة إلى أن “اللوبي” في تأثيره على السلطة، يختلف بشكل جوهري عن طبيعة عمل الأحزاب السياسية، لأن اللوبي لا يسعى لتولي السلطة، بل يسعى للتأثير على السلطة.
وينجح اللوبي في التأثير على مجريات الحكم من خلال الاعتماد على عاملين، شبكة علاقات نافذة ومتشعبة في كل اتجاهات دوائر صناعة القرار الأمريكي، ومن جهة أخرى باستخدام سلاح الدعم المالي والتمويل الذي يقوم اللوبي بتوفيره.
وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن المصالح التجارية تمثل جانب ليس قليل من اهتمامات جماعات الضغط على السياسة الأمريكية، كما تجدر الإشارة كذلك إلى أنه من الممكن أن تخضع السياسة الخارجية الأمريكية لنفوذ اللوبي، ويحدث ذلك عندما تنجح دولة أجنبية في توجيه هذه السياسات من خلال تقديم الدعم لمنظمات الضغط سواءً بشكل مباشر أو غير مباشر.
من وراء الكواليس.. كيف تعمل جماعات الضغط؟

يُطرح على طاولات الكونغرس الأمريكي في كل دورة أكثر من 10000 مشروع قانون، مما يوضح صعوبة وصول أصوات محددة للكونغرس، وهنا يأتي دور جماعات الضغط، باعتباره عامل يساعد على تغطية أي فجوات في وصول القضايا الهامة الى صناع القرار. بحيث يحرص أعضاء “اللوبي” على ضمان عرض قضيتهم بعد أن يتم تقديم البحوث والحقائق الهامة حولها ثم محاولة اقناع الحكومة بها.
تملك كل جماعة ضغط عادة قائمة أهداف وأولويات تسعى إلى تحقيقها بشكل منتظم ودؤوب، وفي هذا السعي تعتمد على التحرك من وراء الكواليس. من خلال عدة وسائل، منها الاتصال المباشر بصناع القرار الأمريكي، مثل مراكز الفكر والأبحاث –- Think Tank والبيت الأبيض والكونجرس، وبذل كل ما يمكن لأجل اقناعهم بإصدار قرارات محددة وتبني مواقف بعينها. أو من خلال وسائل غير مباشرة، ويأتي ذلك بسبب ما يتمتع به اللوبي من سيطرة على وسائل الإعلام التي تساعدهم على تعبئة الرأي العام ودفعه لحث صناع القرار على اتخاذ تلك القرارات التي في نهاية المطاف تصب في مصلحة الأهداف المدرجة على أجندة اللوبي.
كيف ينظر التشريع الأمريكي لأنشطة جماعات اللوبي؟
في أوائل عام 2015، أنفقت جماعات الضغط في واشنطن قرابة 64 مليون دولار بغرض التأثير على السياسات الفيدرالية وبحلول نهاية العام كانت إجمالي نفقات اللوبي قد بلغت 8 مليارات دولار. بحيث توفر التغييرات في الكونغرس فرصا متزايدة لمجموعات الضغط لأجل التوصل الى تشريعات مثمرة. وقد ينظر البعض الى أنشطة جماعات الضغط باعتبارها نوع من أنواع الرشوة، إلا أن التفسير الأمريكي لهذا النوع من النشاط لا يقدم جماعات الضغط باعتبارها جماعات تقوم بتقديم الرشوة. بل أن هذه الممارسات تأتي في إطار جهود معلنة “حملات علانية” بغرض التأثير على السياسات العامة، وتستمد شرعيتها من الدستور الأمريكي، الذي يحمي نشاطات جماعات الضغط بموجب التعديل الأول، والذي يمنح حق تقديم التماس لدى الحكومة. وتجدر الإشارة الى أن هذا الحق يترجم كتشريع لحق استخدام الضغط، بينما لا يتم استخدام كلمة “اللوبي” في الدستور الأمريكي بشكل صريح.
وفي عام 1995، ظهر قانون الإفصاح عن نفوذ اللوبي، حيث ينص قانون الكشف عن الضغوط “اللوبي” على أن ممارسة الضغط بحد ذاته هو أمر شرعي في كل ما يتعلق بكل من السلطتين التشريعية والتنفيذية. ويُحدد التشريع بالضبط كيف تتشكل جماعات الضغط، وما هي الإجراءات المطلوب منها اتباعها، وكيف يجب أن تلتزم الجماعة من أجل تجنب العقوبات، كما يسمح القانون للجمهور بتقييم أي تأثيرات تنتج عن جماعات الضغط ولا داعي لها قد تؤثر على عملية صنع القرار. كما تنظر الولايات المتحدة الأمريكية إلى الإطار القانوني الذي يحمي جماعات الضغط، باعتباره جزء لا يتجزأ من الديموقراطية التشاركية، بحيث تقدم جماعات الضغط نفسها باعتبارها تدافع عن مصالح المواطنين اللذين لا تتاح لهم الفرصة أو القدرة على الوصول الى تمثيلهم بشكل شخصي لدى الحكومة، وبهذه الطريقة تضمن جماعات الضغط أن تظل مصالحهم مسموعة.
تعرف على أبرز جماعات الضغط الأمريكي

تأتي اللجنة الإسرائيلية الامريكية للشئون العامة، أو ما تعرف اختصارًا بكلمة “الآيباك”، باعتبارها أقوى اللويبات المؤثرة على السياسة الأمريكية. حيث تأسست عام 1951، وهي منظمة يهودية الهدف منها التأثير في السياسة الامريكية بما يتفق مع المصالح الإسرائيلية والصهيونية، وهي جماعة ضغط لوبي رسمي تقوم بالدعاية لإسرائيل في المجتمع الأمريكي باسم اليهود الأمريكان. ويزيد عدد أعضاء اللوبي الإسرائيلي مائة ألف عضو فعال، تتركز مهامهم الأساسية التأكيد على أمن إسرائيل، والحفاظ على المصالح الامريكية في الشرق الأوسط والعالم. كما تهدف الجماعة إلى تعزيز الروابط الامريكية الإسرائيلية، بما يمكن الطرفين من التواصل والتقارب عن كثب.
وتعمل آيباك على مساندة المواقف الإسرائيلية، وتحارب أي تحالف مع العالم العربي من شأنه أن يعود بآثار سلبية على إسرائيل. كما تعمل على اقناع أعضاء الكونجرس بأهمية إسرائيل لأمريكا وجدوى التحالف معها، ومقدرة إسرائيل على خدمة المصالح الامريكية، سواء في الحرب الباردة مع الدول الكبرى أو في محاربة الإرهاب الدولي وما شابه، فضلاً عن أن آيباك تقود الحملات الإعلامية المعادية للعرب، وتعارض مد العرب بالأسلحة المتطورة. وتعمل آيباك على خدمة الأهداف الإسرائيلية لدى الكونجرس الأمريكي بشكل مكثف، حيث تقوم بتقديم تقريرًا لكل عضو في الكونجرس يحتوي على الموضوعات التي تهم إسرائيل، وتؤكد على ذلك بواسطة اجراء مكالمات هاتفية وعقد زيارات شخصية، كما تكثف أنشطتها على لجان الكونجرس المعنية بالمساعدات الخارجية أو السياسية للدول، بل تقوم بتكريم أعضاء الكونجرس والشيوخ المتعاونين مع آيباك كلما اتخذوا موقفًا مؤيد لإسرائيل في أمر حاسم.

ولا يعد اللوبي الصهيوني وحيدًا في قدراته وتأثيره على صناعة القرار في الكونجرس الأمريكي، إذ يتساوى معه في الأهمية شركة جولدمان ساكس، التي يُذكر أنه ومنذ عقود مضت أجرى أحد موظفي الشركة “سيدني وينبرغ” مع حاكم ولاية نيويورك، وعقب هذا الاجتماع أصبح هذا الحاكم هو الرئيس الأمريكي روزفلت. وتحول بعد ذلك سيدني وينبرغ إلى رئيسًا لمجلس يٌدعى استشارات الأعمال تم انشاءه من قبل الرئيس الأمريكي روزفلت. حيث تحول المجلس إلى قناة اتصال هامة للغاية بين رجال الاعمال والقيادات الأمريكية المتعاقبة، حيث دعم وينبرغ حملة المرشح الرئاسي آيزنهاور، وعينه بعد ذلك بمجرد فوزه بالرئاسة وزير المالية. وتعد شركة جولدمان ساكس، واحدة من شركات اللوبي المصرفي أو المالي، والذي يعمل على محاولة إبقاء السوق حرة قدر الإمكان، كما تساهم سنويًا بمبالغ تتجاوز مئات الملايين من الدولارات في الحملات الانتخابية وأنشطة الأحزاب السياسية. ويُذكر أن اللوبي المالي، قد ساعد في دفع خطة الإنقاذ المالي في 2008.
ويأتي اللوبي العسكري كذلك على قائمة أبرز جماعات الضغط، حيث يشكل البنتاغون والمقاولون العسكريون جنبًا إلى جنب مع جماعات الضغط مثلث متشابك من النفوذ والمصالح. وتعتبر شركات مثل لوكهيد مارتن وبوينج وجنرال دايناميكس، من أثقل أركان هذا اللوبي، حيث يملك كلاً منهم عقود بملايين الدولارات مع مصلحة الضرائب ووكالة الأمن القومي، وهيئة الإحصاء الأمريكية. كما تشمل قائمة جماعات الضغط الأمريكية، جماعات أخرى ذات نفوذ يتباين في تأثيره وأبعاده من جماعة إلى أخرى، على غرار اللوبي العربي الذي على الرغم مما تبذله دول عربية عديدة لأجل عقد المزيد من الشراكات مع جماعات ضغط أمريكية بهدف تيسير عملية إيصال أصواتهم، إلا أنها لا تزال بحاجة إلى بذل المزيد من التطور والتوسع لأجل مجاراة منافسيها، ولوبي الصناعات النفطيةبحيث تنفق شركة بيج أويل – على سبيل المثال- على جماعات الضغط ملايين الدولارات في كل عام، ولوبي المنتجات الزراعية التي تعتبر مسئولة عن تعليق مشروعات القوانين الخاصة بمواد مثل تغير المناخ وإنتاج الوقود الحيوي بحيث تسببت جهودهم في التقليص من جهود حماية البيئة وقوانين المياه النظيفة بما يسمح حدوث المزيد من التلوث الصناعي. فضلاً عما يُطلق عليه بلوبي التعدين، والذي حاول التأثير على المشرعين فيما يتعلق بتنظيم قوانين العمل، وسلامة العمال، واللوائح البيئية.