لماذا انحازت الصومال لتركيا داخل أروقة الجامعة العربية؟
لم يكن تحفظ قطر على بيان البيان الختامي للاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب في جامعة الدول العربية (12 اكتوبر2019) لبحث العدوان التركي على سوريا مفاجئا نظرا للتقارب الأيديولوجي بين قطر وتركيا، فضلا عن التوافق في عدد من الملفات والقضايا، إلا أن البعض تساءل عن مبررات وأسباب التحفظ الصومالي على البيان، والذي عبر عنه القائم بأعمال السفارة الصومالية لدى مصر توفيق أحمد عبد الله، في كلمته حيث أكد على إن تركيا دولة صديقة” لبلاده، “قدمت الكثير للصومال حكومة وشعباً عبر مساهمتها في بناء جميع المؤسسات الحكومية بعد سنوات من الأزمات والحروب الأهلية”. لافتا إلى أن تركيا قامت بدعم الصومال أيضا في تأهيل الجيش الصومالي وتعزيز قدراته لاستعادة الأمن والاستقرار في البلاد.
هذا السياق يدفعنا للبحث عن إجابة لعدد من التساؤلات التي باتت عالقة في الأذهان فحواه ماذا تقدم تركيا للصومال؟ وكيف تمكنت أنقرة من استقطابها؟ وما هي صور وأشكال التغلغل التركي في مقديشو؟ وقد تساعد الإجابة على هذه التساؤلات في فهم مبررات وأسباب تحفظ الصومال على البيان الختامي الذي ادان الغزو التركي لشمال شرق سوريا وذلك فيما يلي:
التغلغل الهادئ في الداخل الافريقي
منذ وصول العدالة والتنمية للحكم وفي محاولة من أنقرة للتغلب على محاولاتها الغير مجدية للانضمام للاتحاد الأوروبي، وسعيا لاكتساب التأثير وكسب الصوت الافريقي لصالح أنقرة في المحافل الدولية، فضلا عن محاولة استعادة الخلافة العثمانية التي دائما ما تراود الرئيس التركي ” اردوغان”، ومن أجل تحقيق هذا الهدف الأكبر بدأ مسلسل التغلغل الهادئ في الداخل الافريقي، ومن ثم البحث عن موطئ قدم ونفوذ متزايد في الصومال.
مثل العام 2005 المحطة الأولى لهذا التغلغل، إذ أعلنت أنقرة عن أن 2005 هو “عام افريقيا”، ومنذ ذلك العام وقد بدأت تلك العلاقة تتخذ منحى أكثر تطورا وتقدما، حيث حصلت تركيا في ذات العام على صفة مراقب في الاتحاد الافريقي، وبمرور ثلاثة أعوام وبالتحديد خلال عام 2008 أصبحت تركيا شريكا استراتيجياً للاتحاد الافريقي، وفي العام نفسه حصلت تركيا على عضوية بنك التنمية الافريقي، وقد انضمت أيضا لمنتدى الهيئة الحكومية للتنمية في شرق افريقيا ” الايجاد”، وقد زاد النفوذ التركي في أفريقيا عبر استضافة تركيا للقمة التركية الافريقية والتي عقدت للمرة الأولى في إسطنبول 2008.
وقد عملت تركيا على مد نفوذها داخل القارة عبر وسائلها الاقتصادية والدبلوماسية، فعلى صعيد الاقتصاد فقد عملت تركيا على تقوية وتنمية روابطها الاقتصادية بدول القارة، الأمر الذي انعكس على حجم التبادل التجاري بين تركيا ودول القارة والذي بلغ نحو 23.4 مليار دولار عام 2016، حيث عملت تركيا على تعزيز تعاونها الاقتصادي والتجاري مع دول القارة وقد وصل هذا التعاون على مستوى 46 دولة افريقيا. وفيما يرتبط بالأداة الدبلوماسية فقد قام اردوغان في الفترة من أغسطس 2014 وحتى 2018 بنحو 21 زيارة لدول افريقيا مختلفة، كما زادت عدد السفارات التركية في الداخل الافريقي، إذ بلغت نحو 41 سفارة حتى عام 2018 مقارنة ب 12 سفارة عام 2009
تتريك الصومال.. صور واشكال متعددة
تتمتع الصومال بمكانة واهمية جيو استراتيجية كبيرة نظرا لأنها تطل على عدد من الممرات المائية الهامة كما أنها تتحكم في الدخول للبحر الأحمر وتتطل على مضيق باب المندب، وخليج عدن، وكذا تتحكم في طرق التجارة العالمية، ناهيك عن أن الصومال تمتلك العديد من الموارد والثروات الطائلة، هذه الأهمية كانت سببا وحافزا لتحريك شهية اردوغان وكرست من اطماعه في السيطرة وبسط نفوذه في مقديشو ويمكننا التعرض لأدوات تركيا في تحقيق هذا فيما يلي:
- ترسيخ النفوذ عبر التواجد العسكري، عملت أنقرة على توظيف تواجدها في الصومال للضغط على القوى الفاعلة والمؤثرة في منطقة القرن الافريقي، ومن هنا عملت على تعزيز التعاون العسكري وتدريب عناصر من الجيش والشرطة الصومالي، وصولا لتدشين أكبر قاعدة عسكرية لتركيا خارج حدودها (اكتوبر2017) بتكلفة 50 مليون دولار وقد احتوت القاعدة على ثلاثة مدارس عسكرية تحت قيادة نحو 200 خبير عسكري تركي، بهدف تدريب ما يقرب من 10 ألف جندي صومالي، بجانب مخازن للأسلحة والذخيرة، وقد حصلت أنقرة كلك على عقود لتشغيل مرافق حيوية واستراتيجية مثل المطارات والموانئ.
- محاولات متعددة لغزو ثقافي مُمنهج، بدأت ملامح هذا الغزو عندما استضافت تركيا مؤتمر إسطنبول(مايو2010) بشأن الصومال تحت رعاية الأمم المتحدة، والذي انتهى الي رسم خارطة طريق لإنهاء وتسوية الصراع في الصومال، ومنذ ذلك الحين قامت تركيا بإطلاق يدها في الصومال بشكل كبير في مختلف مراحل التعليم، بحيث أصبحت اللغة التركية الأكثر انتشارا في الصومال، ومثلت زيارة اردوغان عام 2011 محطة مهمة في مسلسل تتريك الصومال، حيث إعادة أردوغان خلال تلك الزيارة فتح السفارة التركية هناك، كما جمع أكثر من 350 مليون دولار من تركيا لإعادة اعمار المستشفيات والمدارس بالإضافة إلى توفير منح دراسية للطلاب الصوماليين لتلقي التعليم في تركيا، إذ تحصل الصومال على نحو 200 منحة دراسية سنويا من أصل 1000 منحة تقدمها تركيا لبلدان القارة الافريقية، كما يوجد توجه تركي لافتتاح افرع لعدد من كلياتها في مقديشو، ناهيك عن بناء وتأسيس عدد من المدراس المهنية لتدريب الطلاب الصوماليين على عدد من المهن والحرف المختلفة.
- تتريك بغطاء انساني، سعت تركيا للتغلغل في الداخل الصومالي تحت عباءة المساعدات والدعم الإنساني، الامر الذي برزت مؤشراته في عدة مواضع، فخلال ازمة المجاعة التي عصفت بالصومال عام 2011 نظمت تركيا حملة تبرعات شعبية لصالح منكوبي الصومال، كما قدمت أنقرة للصومال في الفترة من (2013 وحتى 2018) نحو 370 مليون دولار من الدعم النقدي والعيني، بالمثل قدمت منظمات المجتمع المدني التركي مساعدات بقيمة 100 مليون دولار، بالمثل عندما تعرضت الصومال لفيضانات شديدة عام 2015 قامت تركيا بإرسال مساعدات إنسانية بلغت قيمتها نحو 8 مليون دولار، من ناحية أخرى تعمل تركيا على توفير مواد الإغاثة ودعم النازحين واللاجئين وتوفير عبر وكالة التعاون والتنسيق التركية ( تيكا) وهيئة الإغاثة، إذ تتلقى الصومال ثلث المساعدات الإنسانية التي تقدمها تركيا للدول الافريقية.
- نفوذ متزايد عبر الأداة الاقتصادية، وظفت أنقرة قوتها الاقتصادية في تكريس نفوذها في الصومال الامر الذي ترجمته حجم الاستثمارات والتبادل التجاري بين البلدين، حيث تحملت تركيا مسؤولية إعادة اعمار الصومال وبلغت الاستثمارات التركية هنام نحو 100 مليون دولار خلال عام 2015، كما ان حجم التبادل التجاري ارتفع من 72 مليون دولار عام 2015 ليصل نحو 80 مليون دولار عام 2016، فضلا عن عدد من الاتفاقات ومذكرات التفاهم ومجالات التعاون الاقتصادي المختلفة بين البلدين.
مجمل القول، وبعدما تعرضنا لحدود وطبيعة النفوذ التركي في الصومال، والأدوات المختلفة التي سعت من خلالها لبسط مزيد من النفوذ والهيمنة، باتت الأسباب والمحفزات وراء تحفظ الصومال على ادانة الدول العربية للغزو التركي لسوريا له ما يبرره من منظور صانع القرار ومهندسوا السياسية الخارجية الصومالية.