علاقات راسخة.. دوافع الدعم الباكستاني للغزو التركي لسوريا
تدخل العلاقات التركية الباكستانية مرحلة جديدة من التقارب على كافة الأصعدة؛ حيث جاءت “إسلام آباد” في طليعة الدول التي دعمت تركيا في تحركاتها الخارجية وخاصة إبان غزوها لشمال سوريا، وأعرب رئيس الوزراء الباكستاني عن مساندته لوجهة النظر التركية في تحركاتها تجاه القوات الكردية باعتبارهم إرهابيين لابد من القضاء عليهم.
وذلك في الوقت الذي تشن فيه أنقرة هجومًا عسكريًا على منطقة شمال شرق سوريا في سياق انسحاب القوات الأميركية من المنطقة للقضاء على القوات الكردية المتمركزة فيها، متجاهلةً الإدانات الدولية. الأمر الذي أثار حالة من الجدل حول طبيعة العلاقات بين الجانبين في الآونة الأخيرة، ودوافع الدعم الباكستاني لأنقرة. والجدير بالذكر أن من المقرر أن يصل الرئيس التركي “أردوغان” إلى “إسلام آباد” في 23 أكتوبر 2019 ضمن زيارة رسمية مدتها يومين.
أبرز مؤشرات الدعم الباكستاني لتركيا
- تأييد الغزو العسكري التركي لسوريا؛ أعلن رئيس الوزراء الباكستاني “عمران خان”، “دعم بلاده المطلق لعملية “نبع السلام” التركية في سوريا قائلا إنه “يصلي من أجل نجاح جهود تركيا لتعزيز أمن واستقرار المنطقة والتسوية السلمية للوضع في سوريا “. الأمر الذي بررته “إسلام آباد” إنه من حق أنقرة إن تقضي على الممر الإرهابي المتواجد على حدودها لكي تستقر المنطقة، وأن أنقرة تتحمل عبء أكثر من 3.5 مليون لاجئ، وذلك وفقًا لبيان رئاسة الوزراء الباكستانية.
- ملاحقة المؤسسات التابعة لـ “فتح الله جولن”؛ ساهم التقارب التركي مع “إسلام آباد” في وقف جميع المدارس التي تدار من قبل جماعة “فتح الله جولن” في باكستان وتسليمها لوقف المعارف التركية لإدارتها. وتم إعلان جماعة “جولن” منظمة إرهابية في 2019. كما أعرب ” شفقت محمود” وزير التعليم والتراث الوطني في الحكومة الاتحادية الباكستانية، عن دعم بلاده لأنقرة من أجل القضاء على التنظيمات الإرهابية وخاصة جماعة “جولن” وأذرعها، علاوة على تجفيف منابعها.
- دعم “أردوغان” إبان محاولة الانقلاب؛ تعززت العلاقات التركية الباكستانية بشكل إيجابي مع مساندة إسلام آباد لـ “أردوغان” في مواجهة محاولة الانقلاب عام 2016.
- عدم الاعتراف بأرمينيا؛ تعد باكستان الدولة الوحيدة التي لا تعترف بوجود دولة أرمينيا، الأمر الذي يساند تركيا بعدم الاعتراف بمذابحها ضد القومية الأرمينية، كما تتوافق معها في دعم أذربيجان ضد أرمينيا فيما يتعلق بالنزاع حول إقليم “ناجورني كاراباخ”.
- مساندة أنقرة في ملاحقة حزب العمال الكردستاني؛ دعمت المخابرات الباكستانية أنقرة في صراعها مع أعضاء الحزب في عام 2015، بناءًا على طلب من الجيش التركي، للاستفادة من خبرات “إسلام آباد” في تعاطيها مع المعارضين والمتمردين.
دوافع الدعم الباكستاني
- إحياء علاقات الصداقة؛ تسعى باكستان إلى توثيق العلاقات مع أنقرة بشكل قوى لدعمها في محيطها الإقليمي فضلًا عن استمرار التواصل معها للحديث حول سبل تنمية العلاقات على الصعيد الداخلي والخارجي. وقد تجسد ذلك في اجتماعهم الأخير على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك؛ حيث ناقش الجانبان القضايا محل الاهتمام، بجانب قضية كشمير.
- دور وكالة التنسيق والتعاون التركية “تيكا” داخل المجتمع؛ تلعب الوكالة دورًا بارزًا داخل “إسلام آباد” في عدد من المجالات وخاصة التعليم؛ حيث تخطط لإنشاء مركز لتدريب وتأهيل الشباب في المجال الفندقي والسياحي والنسيج في باكستان، وفي هذا السياق قامت في عام 2019 بتوزيع أدوات مدرسية على 500 طالب في 4 مدارس حكومية بإقليم “بلوشستان” في باكستان.
- مواجهة العزلة الدولية؛ واجهت إسلام آباد في الآونة الأخيرة تراجع الدعم الدولي والإسلامي من العديد من الدول في أزمة “كشمير ” وخاصة مع إعلان الحكومة الهندية إلغاء الحكم الذاتي للإقليم، هو بالفعل ما برهن عليه وزير الخارجية “شاه محمود قويشي” في تصريحاته حول الهجوم العسكري التركي، مُنتقدًا التصريحات المعارضة للعملية العسكرية التركية، قائلًا “هؤلاء القادة أيضًا يفضلون التزام الصمت حيال 8 ملايين كشميري نشعر بالقلق حيال مصيرهم تحت الاحتلال الهندي”.
- التعاون الاقتصادي؛ تسعى “إسلام آباد” إلى الاستفادة من الشركة مع أنقرة لإنعاش اقتصادها الذي يواجه عدد من التحديات المتزايدة، وبالفعل تجاوزت قيمة الاستثمارات التركية ما يقرب من مليار دولار وذلك بحلول 2017، ومن المتوقع أن تصل جحم التجارة الثانية ما بين البلدين إلى 10 مليارات دولار بحلول 2022.
- رفع مستوى التعاون العسكري؛ ترغب القيادة الباكستانية في تعزيز التعاون والتنسيق فيما يتعلق بمناورات والتدريبات المختلفة الخاصة بمكافحة الإرهاب في إطار اتفاقية التعاون العسكري المتبادل، التي تم من خلالها تدريب ألف و493 عسكريًا باكستانيًا في أنقرة، كما نفذ 51 عسكري باكستاني مهمات داخل الأراضي التركية، بالإضافة إلى إبرام عدد من الاتفاقيات في مجال الصناعات الدفاعية. وذلك استنادًا على اتفاقية الحوار العسكري رفيع المستوى بين الجانبين التي تم تأسيسها في 2003، والتي بموجبها تم إبرام اتفاق خاص بإنتاج أربع سفن حربية نصف إنتاجها في أنقرة والنصف الأخر في إسلام آباد. كما تولت أنقرة تحديث بعض السفن الحربية الباكستانية، وسلاح الطيران. وفي 13 يوليو 2018، تم الإعلان عن إبرام أكبر صفقة تصدير عسكرية في تاريخ الصناعات الدفاعية التركية التي تم من خلالها بيع 30 مروحية من طراز “تي 129- اتاك”، محلية الصنع إلى إسلام آباد. بجانب سعيها في الحصول على تكنولوجيا عسكرية لحماية سواحلها الجنوبية بعد ربطها بمبادرة الحزام والطريق.
دلالات التقارب
يأتي التقارب بين الجانبين في إطار زيادة حجم التبادل التجاري بينهم؛ حيث تعد باكستان من أهم القوى الفاعلة في مبادرة الحزام والطريق، كما تتطلع أنقرة إلى زيادة التعاون في المجال السياحي لتعويض الخسائر الناتجة عن تراجع السائحين الأوروبيين، علاوة على توسيع الخطوط الجوية التركية باعتبارها محور طيران إقليمي، مع إبرام شراكات جديدة على الصعيد العسكري والأمني مع باكستان، وذلك لكونهم أعضاء مؤسسين لمجموعة الدول الثمانية، وأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي.
كما يكمن التقارب بينهم من امتلاكهم نفس الهواجس السياسية والأمنية من تعرض أنظمتهم للانقلابات التي أضحت مصدر كبير لتضامنهم في الآونة الأخيرة؛ حيث واجه تاريخ البلدين السياسي العديد من العثرات في ظل حالة عدم الاستقرار التي نتجت عن الانقلابات بشكل عام على السلطة الحاكمة.
وتعتبر “إسلام آباد” تركيا نموذجًا للدولة المتقدمة اقتصاديًا وسياسيًا؛ حيث تأمل القيادة السياسة الباكستانية في أن تنتهج نفس المسار التركي لإعادة البلاد على خريطة التفاعلات الدولية. الأمر الذي تجلى في قبول البلدين المبادرة الماليزية التي تم طرحها إبان زيارة رئيس الوزراء مهاتير محمد أنقرة في يوليو 2019، التي طرح خلالها إمكانية إنشاء آلية للتعاون الثلاثي بينهم، لاستعادة النهضة الإسلامية ودعم القضايا محل الاهتمام المشترك بينهم مثل القضية الفلسطينية، والإرهاب الدولي، والروهينجا. الأمر الذي رحب به وزير الخارجية الباكستاني و”أردوغان”.
إجمالًا: من المتوقع أن يتزايد الدعم الباكستاني لتركيا وتحركاتها العدائية في سوريا خاصة مع قرب زيارة “أردوغان” لـ “إسلام أباد”، ورغبة الجانبين في توطيد العلاقات على كافة الأصعدة لمواجهة المتغيرات الدولية المتلاحقة.