سوريا

كارثة إنسانية جراء “الغزو التركي” للشمال السوري

كارثة إنسانية جديدة تُطّل على البشرية شمال شرق سوريا حيث العدوان الاستعماري الأكثر دموية خلف ستار الشعارات الدينية الوهمية, تلك هى العملية العسكرية التركية ” نبع السلام” !

صاح أئمة المساجد فى تركيا وضجّت ساحاتها بعبارات الجهاد الإسلامي من أجل نصرة الله ودعوات متتالية وتضرّع لنصرة الجيش ” المحمدي ” التركى الفاتح لشمال سوريا _ سوريا الدولة الإسلامية المجاورة لتركيا_ من أجل نشر السلام والعمل على استقرار المنطقة ومحاربة الأكراد والقضاء عليهم, وخلق مساحات آمنة على الحدود الشمالية الشرقية بين سوريا وتركيا, لكن للأسف يبدو أن الواقع عكس ما يٌقال وما يُبث عبر وسائل الإعلام الرسمية التركية, وعكس الخطاب السياسى الإعلامى للرئيس التركى “رجب طيب أردوغان“, الذى أدت أطماعه الاستعمارية إلى تفاقم كارثة إنسانية فى شمال سورية.

وفقا لتقدير “الأمم المتحدة ” فإن نحو 100 ألف شخص فرّوا من منازلهم فى شمال سوريا منذ بدء الهجوم التركى يوم الأربعاء، وأكد الرئيس ” أردوغان ” أنه مستمرٌ فى الهجوم رُغم التحذيرات الأمريكية, فكثفت القوات التركية القصف حول مدينة رأس العين فى شمال شرق سوريا أمس فى رابع أيام هجوم يستهدف الأكراد.

عمليات إبادة مُنظّمة ونزوح المدنيين

بدأت تركيا هجومها الذى دفع منذ الأربعاء نحو مئة ألف شخص للنزوح، وفق تقديرات الأمم المتحدة، بعد يومين من سحب واشنطن عشرات من جنودها من نقاط حدودية فى شمال سوريا, ما بَدا وكأنه ضوء أخضر أميركى لتركيا, وتقول الإدارة الذاتية الكردية فى شمال سوريا إن الهجوم التركى أدى إلى نزوح أكثر من 190 ألف شخص, وأضافت فى بيانٍ “حدثت موجات نزوح كبيرة جداً تسببت فى إفراغ مدن بكاملها من سكانها, فمن منطقة ديريك أقصى الشرق حتى كوبانى فى الغرب ينزح السكان فى موجاتٍ متتالية “.

وكشف المرصد السورى لحقوق الإنسان عن ارتفاع حصيلة قتلى العملية العسكرية التركية فى شمال سوريا, وذكر المرصد أن 74 من قوات سوريا الديمقراطية إضافةً إلى 20 مدنياً قد قٌتِلوا, وأضاف: “عدد الذين قُتِلوا مرشح للارتفاع لوجود عشرات الجرحى بعضهم فى حالات خطرة, غالبيتهم من النساء والأطفال”, وفى مشهد لا إنسانى مأساوى حمل عشرات المدنيين من رجال ونساء وأطفال أغراضهم الشخصية خارجين فى المدينة إن كان فى سيارات أو سيراً, وتشهد مدينة الحسكة موجة نزوح من منطقة رأس العين، فى حين لجأ سكان قرى منطقة تل أبيض إلى المدينة التى ما زالت بمنأى عن القصف. 

ونقلت وكالة “رويترز” عن فصائل المعارضة السورية المدعومة من تركيا, أنها سيطرت على طريق يربط بلدات سورية يستهدفها الجيش التركى منذ بداية العملية العسكرية, وقال المتحدث باسم “الجيش الوطنى” المدعوم من تركيا، ” يوسف حمود” إن مقاتليهم قطعوا الطريق الذى يربط بين بلدتى تل أبيض ورأس العين, وتمكّنت القوات التركية والفصائل السورية الموالية لها المدعومة بسلاح المدفعية والطيران، من السيطرة خلال الليل على 20 قرية حدودية، غالبيتها قرب مدينة تل أبيض فى ريف الرقة الشمالى.

ونفت قوات سوريا الديموقراطية السبت سيطرت القوات التركية على بلدة رأس العين الحدودية، وفق ما قال مسؤول لوكالة “فرانس برس“, وقال المسؤول “رأس العين لا تزال تقاوم، والاشتباكات العنيفة مستمرة”، موضحاً “تراجعت قوات سوريا الديموقراطية نسبياً من شدة القصف، إلا أنها عادت وشنّت هجوماً مضاداً”, وأكد “المرصد السورى لحقوق الإنسان” ومراسل لوكالة فرانس برس فى المكان سيطرة القوات التركية والفصائل السورية الموالية لها على حى الصناعة فقط عند أطراف البلدة، مع استمرار المعارك فى داخلها.

وأكد الدكتور “جوان مصطفى” رئيس هيئة الصحة فى الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا, فى تصريحٍ له بجريدة ” روزاليوسف” أن الحسكة تعيش أزمة إنسانية ولا يوجد دعم دولى, وأن آلاف المواطنين تعرّضوا للقصف فى رأس العين وأن القصف عشوائى ومازال مستمراً, بينما أوضح “الهلال الأحمر الكردى” أن هناك نقص فى الامكانيات التى لا تكفى احتياجات المواطنين, وأن غالبية المصابين والقتلى من النساء والأطفال, وأن القصف التركى يقتل المدنيين ويُدّمر البنية التحتية, ومحطات المياه التى تعرضت للقصف أدت إلى أن هناك 500 ألف مواطن سورى كردى مُعرّضون للعطش, هذا بالإضافة إلى استهداف القصف التركى المواقع الأثرية مثل (تلال الأوشرية, وجيهان, وزيوان).

تنديد دولى بالعدوان التركى

ومن جانبها أعلنت الرئاسة الفرنسية أن الرئيس “إيمانويل ماكرون” طلب فى اتصال هاتفى مع نظيره الأميركي “دونالد ترامب” وقف الهجوم التركى فى سوريا “فى أسرع وقت”, وقال الإليزيه إن ماكرون “أكد ضرورة منع عودة ظهور داعش فى المنطقة قبل كل شيء، ودعم الذين قاتلوا على الأرض إلى جانبنا ضد الإرهابيين وحماية السكان المدنيين”.

وذكرت قناة “روسيا اليوم” أن الرئيس “بوتين” صرّح أن تركيا ستكون غير قادرة على السيطرة على عناصر داعش بعد ضرب سوريا, ومن الضرورى تعبئة الاستخبارات لوقف تهديد خروج المسلحين من سوريا, ووفقاً لما نشرته جريدة “تشرين السورية” أن القوات التركية حرّرت 227 داعشى وحملتهم فى طائرة أمريكية لجهة مجهولة, ومازال هناك الآلاف من الدواعش داخل سجون الأكراد ينتظرون مساعدة الجيش التركى للخروج.

ونشرت جريدة ” ديرشبيجل ” الألمانية أن “ميركل” أعلنت رفضها للعدوان التركى شمال سوريا, وذلك أثناء قيام الآلاف بالتظاهر فى ألمانيا لتنديد بالعملية العسكرية التركية بسوريا, وفى هذا السياق أيضاً ذكرت صحيفة “يورونيوز ” أن ألمانيا تُحذّر من كارثة إنسانية وموجة لجوء جديدة جراء العملية التركية شمال سوريا, وأكدت صحيفة “الجارديان ” أن العدوان التركى على شمال سوريا هو الأكثر دموية حتى الآن.

بينما أدانت وزارات خارجية كل من مصر والأردن والمملكة العربية السعودية والإمارات بأشد عبارات الاستنكار والاستنفار والشجب رفضها هذا العدوان العسكرى التركى الغاشم على المدنيين الأبرياء فى سوريا, وشددت مصر على ضرورة تكاتف جهود المجتمع الدولى والأمم المتحدة ومجلس الأمن من أجل ردع ووقف تلك العمليات, التى من شأنها أن تهدد استقرار المنطقة, وأشارت الخارجية المصرية إلى رفض مصر التام للاعتداءات الصارخة وغير المقبولة على سيادة دولة عربية شقيقة. كما حذرت فى بيانها من استغلال الظروف التى تمر بها الدولة السورية للقيام بتلك التجاوزات، بشكل يتنافى مع قواعد القانون الدولى, وطالبت مصر بعقد قمة طارئة بجامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية العرب, من أجل مناقشة تلك الأزمة ووضع سيناريوهات التعامل العربى معها.

كيف يخدم أردوغان داعش فى سوريا

ووفقاً لما نشرته صحيفة “الأخبار” اللبنانية على لسان سفير سوريا فى لبنان, إن الغزو التركى لشمال سوريا سهّل هروب عناصر التنظيم الإرهابى من السجون, وقد شوهد صور لعناصر من داعش على مدرعات تركية بسوريا, أردوغان يسعى لإرسال عناصر داعش للقارة العجوز ويسعى لتهديد وابتزاز أوروبا بورقة المهاجرين بعد إدانة زعماء القارة العجوز للعدوان على شمال سوريا, حيث توّعد بإرسال 3.6 مليون لاجئ, هذا بالإضافة إلى إرسالهم إلى سيناء وطرابلس.

وبعد تسريح تركيا أول دفعة من الدواعش, قُتِل أربعة عسكريين عراقيين فى هجوم لداعش على نقطة قرب الحدود مع سوريا, ووفقاً لما ذكرته جريدة ” لوفيجارو” الفرنسية فقد هرب الآلاف من العناصر الداعشية الإرهابية من السجون السورية وحملهم فى طائرات تركية, وذلك بعد القصف التركى فى شمال سوريا, أما صحيفة ” لوموند” الفرنسية فقد ذكرت تصريح للرئيس الفرنسى “ماكرون“, ذكر فيه أن هروب عناصر داعش يؤكد على أن هذا الهجوم التركى العدوانى على شمال سوريا, يُبيّن حقيقة أن أردوغان يهدُف إلى تحرير الدواعش وإرسالهم إلى مناطق أخرى لارتكاب عمليات إرهابية فى مناطق أخرى.

وفى هذا السياق أيضاً ذكر “مصطفى بالى” مدير المركز الإعلامى لقوات سوريا الديمقراطية, أن تركيا تسعى لتحرير 70 ألف من أسر تنظيم داعش فى مخيّم ” الهول“, وذلك من أجل إحياء التنظيم مرة أخرى, وتهريبهم وإعادة تموضعهم بمناطق أخرى, وهذا ما أكدته العديد من المنظمات الحقوقية فى مصر وسوريا وفى مقدمتهم مؤسسة “ماعت” للسلام والتنمية وحقوق الإنسان, التى أعربت عن مدى بشاعة الجرم الذى يرتكبه أردوغان فى سوريا, وعن قلقها مما سوف تؤول إليه هذه الحرب من جرائم ضد الإنسانية، وردا على موقف أردوغان تقدمت مؤسسة ماعت للسلام والتنمية بمذكرة مشتركة مع 18 من الشخصيات والمنظمات الدولية إلى الأمم المتحدة, تطالب فيها بسرعة اتخاذ موقف لإنهاء ما يحدث فى سوريا.

وأكدت المنظمات فى رسالتها أن العدوان العسكرى التركى فى شمال شرق سوريا مثير للقلق الشديد، وأن مثل هذا الإجراء لن يتعارض مع القانون الدولى فقط وسيكون غير قانونى، ولكن الجانب الأكثر إثارة للقلق هو أنه سيؤدى بالتأكيد إلى المزيد من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية, وأوضحت المنظمات أن موقف الرئيس التركى ” أردوغان” القمعى المستمر تجاه الشعب الكردى يثير المخاوف من أن يتم التطهير العرقى على الحدود التركية السورية، مع الأخذ فى الاعتبار التواطؤ السابق للدولة التركية مع الدولة الإسلامية المزعومة (ISIS).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى