المراكز الأمريكية

مجلس الأطلنطي يرصد دور الصين المتغير في الشرق الأوسط

يعرض تقرير دور الصين المتغير في الشرق الأوسط China’ Changing Role in the Middle East للكاتب Jonathan Fulton الصادر عن مجلس الأطلنطي Atlantic Council في مطلع يونيو 2019  الدور  المتنامي للعملاق الأصفر في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

يناقش التقرير 3 نقاط رئيسية

أولا:تحليل الوجود الصيني في المنطقة بالتركيز على مبادرة الحزام والطريق الصينية،

ثانياً: يركز على استجابة دول المنطقة لذلك الدور الصيني،

وثالثاً: تحليل المنافسة بين الولايات المتحدة والصين في المنطقة، ووضع تصورات لتلك العلاقة واحتمالات التوافق والمنافسة.

أولاً: الحضور الصيني في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا:

رفعت مبادرة الحزام والطريق إهتمام الصين بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فالطريق البحري سيتحرك من بحر الصين الجنوبي حتى البحر المتوسط. وتتبع الصين استراتيجية مختلفة في التعامل مع المنطقة فهي تصر على عدم إستبعاد أي طرف أو لاعبا إقليميا، وتعتبر المبادرة مبادرة شاملة تهدف لتحسين بيئة التنمية بالدول بعض النظر عن الأبعاد السياسية أو الأمنية.

وتتبع الصين لتحقيق أهدافها أسلوب الشراكات الاستراتيجية بمستوياتها المختلفة وعدم اللجوء لسياسة التحالفات، تلك التي تضمن للصين تحقيق مصالحها دون الانخراط في دفع فاتورة التحالف التي تلزمها بالدفاع عن حلفائها والانخراط في حمايتهم، إلا أنه يتضح من شكل الشراكات الاستراتيجية ما يمثل للصين الأهمية الأكبر. فكانت مصر من أوائل الدول الموقعة على الشراكة الاستراتيجية الشاملة مع الصين وهي أعلى مستويات الشراكة هي والجزائر، تلاها عند زيارة الرئيس الصيني للمنطقة رفع مستوى الشراكة الاستراتيجية الشاملة مع السعودية وإيران عام 2016. وأخيرا، عند زيارة الرئيس الصيني للأمارات تم رفع مستوى الشراكة عام 2018. ومن هذا الشكل يتضح ما هو هام لبكين، فمنطقة الخليج كلها موقعة على شراكات استراتيجية مع الصين ماعدا البحرين، ولكن لم تستطع قطر رفع مستوى الشراكة الاستراتيجية الشاملة نظرا لمحور الممانعة المرتبط بعلاقات قوية مع الصين، ولكن مازالت تحافظ الصين علي علاقات طيبة مع قطر بالطبع.

وللتأكيد على سياساتها المتعلقة بالتنمية واعتبارها الحل لمشاكل منطقة الشرق الأوسط، طورت الصين مبادرتين أخُرتين هما منتدى التعاون الصيني العربي (CASCF) والحوار الاستراتيجي بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي. وحمل الاجتماع الخاص بالمنتدي في بكين  زخما كبيرا في عام 2018 بسبب تعهد الصين بأكثر من 23 مليار دولار من القروض والمساعدات والإستثمارات تُوزع كالتالي: 20 مليار دولار في شكل قروض للدول التي لديها احتياجات لإعادة الإعمار ، و 3 مليارات دولار في شكل قروض خاصة للقطاع المالي في المنطقة ، وحوالي 150 مليون دولار لدعم الإستقرار الإجتماعي و 90 مليون دولار من المساعدات الإنسانية وإعادة الإعمار لليمن وسوريا والأردن ولبنان.

ولتدعيم مبادرتها الخاصة بطريق الحرير والحفاظ على مصالحها، بدأت الصين في تفعيل قوتها الناعمة في المنطقة عن طريق تعليم اللغة الصينية وزيادة عدد السياح، فنجد أن الصين أقامت معاهد كونفوشيوس لتدريس اللغة والثقافة الصينية في البحرين ومصر وإيران وإسرائيل والأردن ولبنان وتركيا والإمارات العربية المتحدة. وكانت إحدى النتائج المهمة لرحلة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى الصين في عام 2019 هي الإلتزام بتقديم تعليم اللغة الصينية في جميع مراحل التعليم السعودي والجامعي، بالإضافة لتزايد عدد السياح الصينين إلي المنطقة، وبخاصة لدول الخليج وعلى رأسها الأمارات.

ولكن تلك السياسة لا تنفى التوترات التي قد تواجهها الصين بسبب علاقاتها وصلاتها الاستراتيجية بتركيا وإسرائيل وتركيا، بسبب التجاذبات والمصالح المتضاربة بينهم وبين دول المنطقة الأخرى، بالإضافة لتخوفات دول شمال إفريقيا من فكرة فخ الديون التي يمكن أن تواجهها بسبب التوسع الصيني.

ثانياً:  مواقف دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تجاه الصين:

بشكل عام تعتبر دول المنطقة إن الاهتمام بها من قبل الصين يأتي في وقت مناسب، في ظل التحفظات على التدخلات الأمريكية السابقة وتراجع دورها وبدء انسحابها من جهة أخرى.

فقد سهلّ التراجع الأمريكي ورغبته في الانسحاب من المنطقة وسياساته المختلفة عن رغبات دول المنطقة في البحث عن لاعبين رئيسين غير تقليدين من مبدأ التنويع السياسي والاقتصادي فظهرت دول أخرى مثل الهند واليابان وكوريا الجنوبية وروسيا والصين في المنطقة، ويتميز هؤلاء اللاعبون بعدم تركيزهم على التدخل السياسي والتركيز على التنمية الاقتصادية، وهذا ما يتوافق على توجه دول المنطقة في تلك الفترة الغير مستقرة.

فمن ناحية دول الخليج هناك تقارب ما بين مبادرة الحزام والطريق وخطط التنمية الخاصة بدول الخليج والتي أعلنتها مؤخرا والتي تهدف لتقليل الإعتماد على النفط ومحاولة إقامة اقتصادات متنوعة.

أما فيما يخص العلاقات مع الدول غير الخليجية، تقوم الصين بإنفاق كبير في المبادرة. فقدمت بكين دعماً مالياً سخياً لإيران في وقت تواجه فيه طهران عقوبات تضعف اقتصادها. وكذلك، بالنسبة لتركيا فإن تدهور علاقاتها مع الولايات المتحدة وأوروبا جعل من علاقاتها مع الصين منفذ كبير لها، بالإضافة إلي علاقاتها مع مصر التي تخدم وجهة النظر في المصرية في تنويع علاقاتها ورغبتها في دعم مشاريعها التنموية وهذا ما تحققه لها الصين. ولكن بالنسبة لإسرائيل يختلف الوضع للإحساس بعدم حاجة إسرائيل الملحة للعلاقات الوثيقة بسبب دعم واشنطن بالإضافة لتخوف واشنطن من تنامي الدور الصيني في إسرائيل وتحفظات بكين على إسرائيل من جهة أخرى مما يجعل التسرع في علاقات أعمق غير مرغوب من الطرفين.

بشكل عام، قامت دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالتحوط في رهاناتها فهي تقوم بمحاولات للحفاظ على العلاقة مع الولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه تسعي للتعامل بشكل أكثر جدية مع الصين، لأن طموحات الأخيرة الخاصة بطريق الحزام والطريق تتزامن تقريبًا مع هذا التراجع الأمريكي المحتمل. لذا فإن قادة الشرق الأوسط يطورون هذه العلاقات السياسية والاقتصادية بشكل تدريجي على أمل تطوير العلاقات العسكرية مستقبلاً.

ثالثاً: تأثير الولايات المتحدة الأمريكية على حجم الدور الصيني

إن العديد من المكاسب الاقتصادية للصين في المنطقة يمكن أن تُعزى جزئيًا إلى بنية الأمن الأمريكية، والتي تسمح للصين بإجراء معاملات والإستثمار دون الحاجة لدفع تكلفة أمنية مماثلة للحفاظ على مصالحها. ويمكن أن يعزى جزء كبير من اهتمام دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بعلاقات أعمق مع الصين إلى عدم اليقين بشأن نوايا الولايات المتحدة المستقبلية في المنطقة. إن أي تحليل لدور الصين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يجب أن يعالج دور الولايات المتحدة في كل هذا. لذا هل تتقارب مصالح الولايات المتحدة والصين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؟ وهل تتيح سياساتهم الإقليمية مجالاً للتعاون أم أنها منافسة بطبيعتها؟

بداية تركز اهتمامات الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على ثلاثة اعتبارات:

وصول موارد الطاقة للأسواق العالمية، وحرية الملاحة، والأمن الإسرائيلي والتي قامت بسببها بعمل بنية أمنية قوية على المستوى البحري والجوي لحماية تلك المصالح. وفى تلك المصالح تتقابل الولايات المتحدة والصين. فالبلدان لهما نفس المصالح وتتسق رؤيتهما بهذا الشأن، ما عدا أن الصين لا تعتبر إسرائيل جزء هام بالنسبة لتفكيرها الاستراتيجي كالولايات المتحدة، وكذلك في توافقها مع كافة دول المنطقة المتقاربة مع الولايات المتحدة بإستثناء إيران.

ولكن بالرغم من تنامى الدور الصيني وتراجع الدور الأمريكي، إلا أنه لا يزال أضعف بكثير من حيث التأثير وبخاصة في ظل دورها المحدود من الناحية الأمنية واستفادتها من مظلة الولايات المتحدة التي تعتبرها “راكباً مجانياً” في المنطقة، لذا ففي ظل تصاعد الحرب التجارية وتهديدات الولايات المتحدة بخصوص تراجع التعاون السيبرانى في المناطق التي تقوم فيها شركة هوواوى الصينية بإمداد شبكات الجيل الخامس، تظل الصين في وضع مهدد وبقوة من قبل الولايات المتحدة المتحكمة حتى الأن على المناحي الأمنية التي تضمن استمرار المصالح الصينية في المنطقة.

ختاماً، في حين أن هناك تباينًا في الطريقة التي تتعامل بها الصين والولايات المتحدة مع الشرق الأوسط، فإن مصالحهما متوافقة إلى حد كبير. كلاهما يريد شرق أوسط مستقر مع دول قوية لديها القدرة على الحفاظ على اهتماماتهم الاستراتيجية والاقتصادية الخاصة بالمنطقة. وهو ما يستدعي إدارة دقيقة للعلاقة بينهم لتثمين مصالحهم الاستراتيجية والحفاظ عليها في المنطقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى