950 مليار متر مكعب من الأمطار تسقط على الهضبة الإثيوبية .. تساؤلات حول نوايا أديس أبابا ؟
في أغسطس الماضي وخلال خمسة أيام فقط أظهرت صور الأقمار الصناعية وتحديدًا القمر الصناعي الأمريكي والمخصص لشئون المناخ سقوط أمطار على الهضبة الإثيوبية قدرت بـ 22 مليار متر مكعب، وهي كمية ضخمة استفادت مصر بجزء منها خصوصًا وأن السودان كان قد توقف عن حجز أية كميات من مياه الفيضان، وهي الكمية التي كانت كفيلة بتعويض مصر عن كمية كبيرة من المياه التي فقدتها من مخزون بحيرة ناصر خلال العشرة أعوام الماضية .ويفقد منها 9 مليار متر مكعب عن طريق البخر.
وتمتلك إثيوبيا حوالي 24 حوض نهري يصل حجم الأمطار عليها إلى 950 مليار متر مكعب في العام، في حين يمثل حجم المياه الخضراء والزرقاء «الامطار والمياه الجوفية والسطحية»، على الأراضى الأثيوبية، منها 450 مليار م3 سنويًا داخل حوض النيل فى أثيوبيا.
ويصل حجم المياه الزرقاء المتمثل فى التصرف الطبيعى للأنهار التى تنبع من أثيوبيا، وتجرى منها إلى خارج حدودها «قبل الشروع فى بناء السدود الأثيوبية»، إلى 100 مليار م3 سنويا.و الكمية المتبقية والتى تصل إلى 850 مليارم3 سنويا من المياه الخضراء، تستخدم بالفعل داخل الأراضى الأثيوبية فى الزراعات المطرية والمراعى الطبيعية والغابات، وبالتالي يمكن لمفهوم المياه الزرقاء والخضراء، والحديث عن مياه الحوض وليس مياه النهر أن يحسم الكثير من الخلافات إذا صدقت نوايا التعاون بحيث يسمح بتصريف المياه الزرقاء إلى دول المصب، لتستخدم فى الاستخدامات الاستهلاكية المطلوبة، كالزراعة المروية، والاستخدامات المنزلية والصناعية.
سد النهضة: ضرورة أم مشروع كيدي ؟
بالنظر إلى موارد أثيوبيا من المياه قال الدكتور مصطفى الفقي مدير مكتبة الإسكندرية أن سبب التعنت الأثيوبي، في أزمة سد النهضة ربما يرجع إلى أن السد محاط ببطاريات الصورايخ التي حصلت عليها أديس أبابا من تل أبيب. وذهب لأبعد من ذلك عندما قال أن سد النهضة بالنسبة لأثيوبيا لا يتعلق بالمياه ولا الكهرباء ولا حتى التنمية ، لأن السد حسب رأيه كان له بدائل أخرى كثيرة تعطي إثيوبيا أكثر مما سيوفره لها سد النهضة دو إضرار بحقوق الآخرين. وشبه ممارسات أثيوبيا في استمرارها ببناء السد وإجراء المفاوضات بالاحتلال الإسرائيلي الذي يستمر في بناء المستوطنات تحت ستار التفاوض.
ولذلك فإن احتجاج مصر وإيصالها الأمر للأمم المتحدة هو حق مشروع وقد كان لهذه الخطوة أن تكون قبل ذلك بكثير مع بداية بناء سد النهضة، لأن هذه الخطوة لم تكن تمنع من سير المفاوضات وذلك لأن مصر عندما شرعت في إقامة السد العالي في ستينيات القرن الماضي قدمت أديس أبابا احتجاجًا لدى الأمم المتحدة.
الخرطوم: مكاسب ظاهرة وخسائر كامنة
تغير موقف السودان وضع علامة استفهام، حيث أنها في بداية الأمر كانت معارضة لمشروع سد النهضة من الأساس ثم انتقلت إلى الحياد وأخيرًا أيدت الموقف الإثيوبي، ويعزى السبب في ذلك إلى أنها من المستفيدين الرئيسيين من هذا المشروع، حيث ستحصل على الكهرباء من إثيوبيا مجاناً. ولكن على الخرطوم أن تعي أن الخسائر الكامنة أكبر من المكاسب الظاهرة. على أي حال فإن إثيوبيا مجبرة على تصريف المياه حتى ولو لم تولد كهرباء، حيث أنها ليس بمقدورها أن تحتجر مياه النيل لمدة سنتين متتاليتين وسيكون ذلك لعدة شهور فقط ويلحقه تصريف المياه باتجاه القاهرة لأنه لا يوجد لها تصريف داخل أديس أبابا لأن إثيوبيا دولة حبيسة وليس لها أي مخرج على المياه المفتوحة. ولذلك فإن التصريف باتجاه القاهرة أمر حتمي.
المياة وعدد السكان
بغض النظر عن جدوى المشروع من عدمه ينظر الإثيوبيين إلى السد الذي يزيد طوله عن سبعة أميال، على أنه مثال حي لتعافي بلادهم من حالة التأخر التي عانت منها إثيوبيا بأكملها في فترة الثمانينيات والتسعينيات.
وتنذر أزمة الزيادة السكانية في وادي النيل بأن الحلول السلمية هي الحاضر الرئيسي والقاسم الذي يجب أن يكون محوريًا في التفاوض ،ففي مصر، إرتفع عدد السكان أربع مرات منذ عام 1960 بحيث بلغ اليوم 104 ملايين نسمة (حسب أرقام الحكومة المصرية)، أما أثيوبيا فيزيد عدد سكانها بمعدل 2,5 مليونا في العام. وتشير التقديرات الى أن عدد سكان وادي النيل سيتضاعف ويبلغ 500 مليون نسمة بحلول عام 2050. وهي الزيادة التي لا تسمح بنشوب أي صراع مسلح في هذه المنطقة من العالم.
أديس أبابا تتعثر في تصدير الكهرباء للخرطوم
تسعى إثيوبيا لزيادة طاقة توليد الكهرباء بها من 4300 ميجاوات الحالية إلى 17300 ميجاوات بحلول 2020، من خلال مشاريع الطاقة المائية والحرارية الأرضية والشمسية والحيوية، ومنها سد النهضة الذي ستبلغ طاقة إنتاجه 6450 ميجاوات.
إلا أنه وفي أغسطس الماضي أعلنت إثيوبيا وقف تصدير الكهرباء إلى السودان، وتقليل الكمية المصدرة إلى جيبوتي؛ إثر أزمة انقطاعات متتالية للكهرباء في البلاد. وعلى خلفية ذلك قال سليشي بقلي، وزير المياه والري الإثيوبي، خلال مؤتمر صحفي، إن السدود الإثيوبية تعاني نقصا حادا في المياه؛ بسبب شح الأمطار في مختلف أنحاء البلاد، ما أدَّى لنقص إنتاج الطاقة الكهربائية.
وأضاف أن البلاد تعاني نقصا في إنتاج الكهرباء يقدر بنحو 476 ميجاوات، وعليه ستقوم الحكومة الإثيوبية بوقف تصدير الكهرباء إلى السودان، وتقليل الكمية المرسلة إلى جيبوتي.
وأشار إلى أن بلاده ستفقد نحو 180 مليون دولار جراء هذه الأزمة، كانت تجنيها من تصدير الكهرباء إلى تلك الدول.
وتتسبب قلة الأمطار في انقطاعات واسعة للكهرباء ولفترات طويلة في إثيوبيا، في مختلف المدن والمناطق وعلى مدار أكثر من أسبوع؛ ما نتج حالة من الغضب لدى الإثيوبيين بسبب تأثر أعمالهم بتكرار الانقطاع. ولذلك ينظر الشعب الإثيوبي إلى مشروع سد النهضة نظرة مختلفة.
وأوضحت هيئة الطاقة والكهرباء أن معظم السدود الإثيوبية التي تنتج الكهرباء تحصل على المياه من الأمطار، وفي الأشهر القليلة الماضية من موسم الخريف انخفضت كميات المياه خلف السدود، بسبب قلة هطول الأمطار في الهضبة الإثيوبية، ما أدى إلى انخفاض إنتاج الكهرباء.
يأتي ذلك في الوقت الذي أبدت خلاله مصادر رسمية سودانية، مخاوفها من تأثير ظاهرة «النينو» على حدوث اضطراب مناخي يهدد الهضبة الإثيوبية، بمزيد من الجفاف وقلة الأمطار كما حدث العام الماضي، وخطورته حال استمراره السنوات المقبلة، ما يساهم في زيادة مخاطر التخزين أمام السد لتوليد الطاقة الكهربائية، وقلة المنصرف من المياه خلف السد باتجاه مصر والسودان .
واوضحت المصادر، أن الظاهرة قد تؤدي إلى خلل شديد في تشغيل منظومة السدود في مصر والسودان، مطالبة بوضع خطط ثلاثية بين الدول الثلاث للإسراع بمشروعات لاستقطاب فواقد المياه، لزيادة إيرادات النيل من جميع الموارد المائية بالمنطقة. وهي الأمور الحرجة التي يبدو أن الإدارة السودانية الحالية بدأت تعيها بحيث لا يقتصر الأمر في مفاوضات سد النهضة على حساب المكاسب فقط دون وعي بالخسائر الفادحة التي ستتعرض لها الخرطوم قبل القاهرة.
وعلى هذا الأساس ارتأى الجانب المصري ضرورة إطلاق 40 مليار متر مكعب من المياه كل عام، وإطلاق مزيد من المياه عندما يكون سدّ أسوان (جنوب مصر) أقل من 165 متراً فوق مستوى سطح البحر، ودعت طرفاً رابعاً في المناقشات بين الدول الثلاث، لكن إثيوبيا رفضت الاقتراح، لأن بناء السد هو مسألة بقاء وسيادة وطنية”.
وقد طالبت مصر بتنفيذ المادة العاشرة من اتفاق إعلان المبادئ الموقع في مارس 2015 بمشاركة طرف دولي في مفاوضات سدّ النهضة للتوسط بين الدول الثلاث، مصر وإثيوبيا والسودان، وتقريب وجهات النظر والمساعدة على التوصل إلى اتفاق عادل ومتوازن يحفظ حقوق الدول الثلاث من دون الافتئات على مصالح أي منها”.
وتنصّ المادة العاشرة من الاتفاق على أن “تقوم الدول الثلاث بتسوية منازعاتهم الناشئة عن تفسير أو تطبيق هذا الاتفاق بالتوافق من خلال المشاورات أو التفاوض وفقاً لمبدأ حسن النوايا، وإذا لم تنجح الأطراف في حل الخلاف من خلال المشاورات أو المفاوضات، فيمكن لهم مجتمعين طلب التوفيق، الوساطة أو إحالة الأمر لعناية رؤساء الدول/رئيس الحكومة”.وجاء الرفض الإثيوبي لمقترح مشاركة طرفٍ ثالث، واضحاً وحاسماً، فهل يعني ذلك أن مسار المفاوضات أغلق !وقد وجد بعض الخبراء أن تعثُّر المفاوضات لا يعني إغلاق باب التفاوض، وهو ما لم يعلن في البيان، ما يعني عودة مصر إلى التفاوض حال التزمت إثيوبيا بالبند العاشر المعلن في البيان.
وعمومًا فإن القلق المصري لا يتمحور حول تعثُّر المفاوضات، لأن الأمر كان متوقعاً، بل ما يقلق المصريين رفض إثيوبيا وجود طرف محايد. وأكد الخبراء أن الحلول المطروحة لن تخرج عن إطاراتها السياسية الفنية.
إثيوبيا تثبت سوء النية
نهر النيل هو أحد الأنهار الدولية وبالتالي يحق لمصر أن تطلع على الدراسات الخاصة بإقامة أي منشأ مائي عليه وفق ما تنص الاتفاقية العامة للأنهار بالأمم المتحدة، وذلك لمعرفة الأضرار التي تتعرض لها دول المصب مثل مصر والسودان، نتيجة قيام دول المنابع، مثل إثيوبيا، بإنشاء مشروعات مائية على النيل. وإثيوبيا بما تقدم عليه ترسخ لأحد نماذج الفوضى في أفريقيا من خلال قيامها ببناء سدّ النهضة دون الاستجابة للمطالب المصرية التي تؤكد ضرورة عدم الضرر والتعاون في ملئه وتشغيله وفق الاتفاقية الموقعة بين رؤساء مصر والسودان وإثيوبيا، المعروفة بوثيقة سدّ النهضة، والتي تشدد على التعاون بين الدول الثلاث في هذا الإطار”.
والانتهاكات القانونية الإثيوبية، بدأت منذ أن أعلنت اديس أبابا رسمياً في إبريل 2011، عن بنائها لسدّ النهضة بمواصفات فنية مغايرة تماماً عن تلك التي كانت تتفاوض بشأنها مع مصر والسودان قبل يناير من نفس العام.
وأهمها أن سعة السد التخزينية هي 14 مليار متر مكعب من المياه، بينما قامت إثيوبيا وفي تصرف مفاجئ برفع تلك السعة إلى 74 مليار متر مكعب”. ولفت إلى أن إثيوبيا “فعلت ذلك دون أن تخطر مصر بحقيقة الدراسات الفنية المتعلقة بالسدّ، مخالفةً بذلك مقتضيات مبدأ الإخطار المسبق عند إقامة المشروعات المائية على الأنهار الدولية، ومستغلة حالة الاضطراب داخل مصر نتيجة لتبعات ثورة 25 يناير، ما يشكل في حقيقته انتهاكاً جسيماً لمبادئ حسن النية في تنفيذ الالتزامات الدولية، وأيضاً مبدأ عدم الإضرار، فضلاً عن انتهاك إثيوبيا منذ البداية، لمقتضيات مبدأ الإخطار المسبق”.
حصول آبي أحمد على نوبل وتضارب مشاعر المصريين
على خلفية كل الانتهاكات الإثيوبية تباينت مشاعر المصريين واختلفت فى اللحظة التى سمعوا فيها نبأ حصول آبى أحمد، رئيس وزراء إثيوبيا، على جائزة نوبل للسلام، وعلى الرغم من أن المصريين تفهموا ذهاب الجائزة إلى رجل أنهى عشرين عامًا من الدم، بين بلاده وبين إريتريا ، وكان له دور كبير بالاشتراك مع الاتحاد الإفريقي في تسوية الأوضاع في السودان وتوصل الأشقاء هناك إلى تشكيل مجلس سيادة انتقالي، إلا أنهم لا يستطيعون تفهم أن آبي أحمد الذي يتعنت فى مفاوضات سد النهضة مع القاهرة، بل و ينكر الوعود التى قطعها عند زيارته إلى مصر، مارس قبل الماضى، وتتصرف حكومته وكأن النهر نهر إثيوبى لا يقطع بإحدى عشرة دولة أفريقية أخرى منها مصر كدولة المصب الوحيدة بل وتحدث رئيسها أمام الجمعية للأمم المتحدة حول أن مياه النيل بالنسبة لمصر هي مسألة وجود في لهجة شديدة الوضوح. فلا يمكن تقبل أن يكون رئيس الوزراء الإثيوبي ساعيًا للسلام مع بعض الدول الأفريقية دون ان يسعى للسلام مع مصر، وهو ما جرت الطمأنة بشأنه خلال المكالمة التي جرت بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وبين رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد والتي هنأ فيها الرئيس المصري نظيره الإثيوبي بالحصول على نوبل للسلام باعتبار أنه نصر جديد للقارة الأفريقية وهي نفس المكالمة التي شهدت تأكيدًا من الجانب الأثيوبي حول تجاوز المعوقات بشأن مفاوضات سد النهضة وهو ما يأمل الجانب المصري أن يكون حقيقيًا.