الصحافة الدولية

كيف نفهم “الموقف الروسي” من الغزو التركي لشمال سوريا؟

بدأت الأربعاء الماضي عملية غزو عسكري تركي لشمال سوريا، العملية أطلقت عليها تركيا “نبع السلام”. هدفها، إحتلال قطاع بطول 30 كيلومتراً من الأراضي السورية، من نهر الفرات إلى الحدود العراقية، وتحريره من التشكيلات الكردية، التي تصفها أنقرة بالإرهاب. 

وقال أردوغان في تغريده نشرها على صفحته الرسمية عبر موقع تويتر إن “القوات المسلحة التركية والجيش الوطني السوري” تطلق عملية نبع السلام في شمالي سوريا لتطهير المنطقة من منظمتي بي كي كي/ واي بي جي وداعش الإرهابيتين.  وتابع أردوغان في تغريدة أخرى، معتبرا أنه “بعملية نبع السلام سيتم القضاء على خطر الإرهاب، وهذا سيساعد على تحقيق عودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم من خلال المنطقة الآمنة التي سيتم تشكيلها. 

الموقف الروسي

لم يتغير الموقف الروسي بشأن النشاط العسكري التركي في سوريا من الناحية العملية. فوفقا للسلطات الروسية، يجب حل جميع المشاكل من خلال الحوار بين أنقرة ودمشق الرسمية، وكذلك بين دمشق والأكراد. ووفقا لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، وتعليقا على العملية التركية في سوريا، قال إن بلاده تتفهم قلق أنقرة لكن يجب تسوية الأمر “مع مراعاة مصالح دمشق.

أما فيما يتعلق بأن تقوم موسكو بعرقلة العملية العسكرية التركية فلا يمكن لموسكو عرقلة العملية بالقوة، لأن ذلك يعني ضرب “صيغة أستانا”، التي تشارك فيها روسيا مع تركيا وإيران. وستكون هذه ضربة للتسوية السياسية في سوريا، خاصة عشية إطلاق عمل اللجنة الدستورية. وبالتالي، فلدى موسكو فرصة وحيدة للتأثير في الوضع، باتفاق بين الأكراد ودمشق. حتى الآن، تبدو كل المحاولات التي بذلت في هذا الاتجاه غير ناجحة. فخلال عدة جولات من المفاوضات، التي نظمت بوساطة موسكو، نوقشت بشكل رئيس القضايا المتعلقة بـ “الوضع على الأرض”، ولم يصل الأمر إلى مناقشة الوضع القانوني للمناطق التي يسيطر عليها الأكراد، الآن، ووضع قوات الدفاع الذاتي.

كما صرح مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا تعليقا على العملية العسكرية التركية في سوريا، إذ أكد نيبينزيا أنه “أثناء هذه العملية يجب أن تبدي كل الأطراف أقصى حد من ضبط النفس”.

وجاءت تصريحات المندوب الروسي عقب جلسة مشاورات مغلقة لمجلس الأمن الدولي حول العملية التركية في سوريا.

حوار بين دمشق والأكراد

أكد وزير الخارجية الروسي أن موسكو تدعو للحوار بين حكومة النظام السوري والأكراد بشأن الوضع في الشمال الشرقي من البلاد. وأضاف أنه “من المهم تجنب زيادة التوتر في المناطق التي يسيطر عليها الأكراد في سوريا”.

هل تغادر تركيا الناتو نحو “أوراسيا”؟. ثمة مجموعة من الدلالات يمكن من خلالها ملاحظة التقارب الروسي التركي منها: 

  • في عام 2004، حذر مسؤولون أمريكيون من أن بوتين يهدف إلى إبعاد تركيا عن حلفائها الغربيين عقب زيارة الرئيس بوتين لتركيا في نفس العام، حيث رافقه ألكسندر دوجين، المفكر الروسي المثير للجدل الذي يقال إنه العقل المدبر لسياسة بوتين الخارجية. فروسيا تسعي لتكوين إمبراطورية أوروبية آسيوية جديدة قائمة على فكرة العدو المشترك المتمثل في حلف شمال الأطلسي (الناتو) الذي يمثل القيم الليبرالية والتي تمثل نقيضًا للقيم التي تحملها إمبراطورية أوراسيا الجديدة. 
  • وفي أعقاب الانقلاب الفاشل في تركيا 2016،  انتشرت روايات تقول إن الاستخبارات الروسية قامت قبل ساعات من وقوع الانقلاب في تركيا بإبلاغ جهاز الاستخبارات التركي (MIT) باحتمال وقوع انقلاب في البلاد، وذلك بعدما اعترضت اتصالات بين وحدات الجيش التركي، وقد ساعد التحذير الروسي على إفشال الانقلاب في النهاية. ورغم عدم إسناد تلك الروايات لمصادر موثوقة، ومع صمت المسؤولين الأتراك عن التعليق، لم يشكّك كثير من المحللين الروس والغربيين في حدوث ذلك، بل إن بعضهم دلّل عليه بالامتنان الواضح الذي أبداه الرئيس أردوغان للموقف الروسي من المحاولة الانقلابية.
  • لقد ألقى أردوغان باللوم على جولن وداعميه الأميركيين في محاولة الانقلاب، وردّ بحملة واسعة على أتباع جماعة جولن المحتملين، وأعاد التقارب الروسي التركي من جديد، ولم تتأثر تلك الشراكة بحادثة اغتيال السفير الروسي في تركيا في ديسمبر 2016 التي وصفها الرئيس بوتين بأنها محاولة لتخريب العلاقات التركية-الروسية. 

تحول جيوسياسي

  • إن البلدين يطلقان الآن نظامًا جديدًا للعلاقات، ليس فقط استعادة العلاقات القديمة، بل يتجهان نحو تحالف استراتيجي. وكانت القمة التركية الروسية التي عقدت في 9 أغسطس 2016 في مدينة سانت بطرسبورج، نقطة التحول في العلاقات بين البلدين، وتحولت تلك العلاقات إلى تعاون عسكري واستخباراتي بشأن الملف السوري علاوة على التعاون الاقتصادي المعتاد، وكانت أولى النتائج الملموسة لذلك عملية “درع الفرات” التي شنتها القوات التركية شمالي سوريا، حيث استولت على جرابلس للمرة الأولى وفتحت ممرًا في الشمال السوري.
  • وفي سبتمبر 2017، جاء إعلان الرئيس التركي أردوغان عن توقيع اتفاق مع روسيا لتوريد منظومة الدفاع الصاروخي المتطورة S-400 صدمة لكثيرين ممن لم يتوقعوا إتمام الصفقة؛ قال بعضهم إنها تعني تحول تركيا، ثاني أكبر دولة في حلف الناتو رسميًا، لتكون حليفة روسيا.
  • استثمر أردوغان جيدًا في الشراكة الجديدة مع روسيا مما مكنه من تحسين موقف تركيا كثيرًا في الأزمة السورية، وكان آخر ما أنجزه في سبتمبر الماضي هو الاتفاق مع بوتين على إقامة منطقة منزوعة السلاح تفصل بين المعارضة المسلحة وقوات النظام، وتطهير إدلب من تنظيم “هيئة تحرير الشام” دون الحاجة إلى تنفيذ النظام السوري وداعميه هجومًا عسكريًا على إدلب، آخر معاقل المعارضة، حيث يقيم نحو أربعة ملايين مدني بينهم مئات الآلاف من النازحين.

ونتيجة لذلك نري أن الموقف الروسي من الغزو التركي الأخير سيغلب عليه الطابع البراجماتي، بدون توجيه لوم لأنقرة أو الضغط عليها للتراجع عن الغزو. 

فروسيا لديها اتصالات في الظل مع الجانب التركي. ولن تقوم روسيا بقطع وعد علي نفسها بحماية الأكراد، فالعلاقات مع تركيا في الوقت الحالي، أكثر أهمية بكثير بالنسبة لموسكو. التي لا تري أن هناك حاجة للتدخل في المسألة الكردية، بل ربما تري أنه من الضروري بذل كل جهد ممكن لضمان اقتراب الأكراد من فهم أن السبيل الوحيد لهم لضمان أمنهم على المدى الطويل هو التوصل إلى اتفاق مع دمشق، وهو ما تدعو إليه وتُحبذه موسكو.

أحمد السيد

باحث ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى