“سد النهضة” بين التعنت الإثيوبي وخيارات المواجهة.. رأي قانوني
أعلنت مصر فشل المحادثات الرسمية مع الجانب الإثيوبي بخصوص سد النهضة، والرفض الإثيوبي المتعنت للمقترح المصري الخاص بأن تصل فترة ملء السد إلى 7 سنوات بدلا من المهلة التي خصصتها إثيوبيا وهي 4 سنوات، يضاف إلى ذلك، ما قاله وزير المياه والري والطاقة الإثيوبي، إن بلاده ترفض الوساطة من أي جهة، وإن التفاوض سيستمر بين البلدان الثلاثة من أجل الوصول إلى اتفاق، وأكد رفض حكومته تقديم أي ضمانات بشروط مصرية لانسياب مياه نهر النيل.
أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي أن الدولة المصرية بكل مؤسساتها ملتزمة بحماية الحقوق المائية الخاصة بنهر النيل، وباتخاذ ما يلزم من إجراءات سياسية، في إطار القانون الدولي.
اتفاق المبادئ
عُقد اتفاق ثلاثي بين مصر وإثيوبيا والسودان في مارس 2015 في الخرطوم، وُضع فيه المبادئ الأساسية للتعامل في هذه القضية، والتي قامت على:
- التعاون المشترك فيما يخص التفاهم والمنفعة وحسن النوايا ومبادئ القانون الدولي وتفهم الاحتياجات المائية لدول المنبع والمصب.
- الغرض من سد النهضة هو توليد الطاقة، المساهمة في التنمية الاقتصادية، الترويج للتعاون عبر الحدود والتكامل الإقليمي من خلال توليد طاقة نظيفة ومستدامة يعتمد عليها.
- ستتخذ الدول الثلاث كافة الإجراءات المناسبة لتجنب التسبب في ضرر ذي شأن خلال استخدامها للنيل الأزرق، وفي حالة حدوث هذا الضرر يستوجب على الدولة المتسببة فيه –دون اتفاق- اتخاذ الإجراءات المناسبة بالتنسيق مع الدولة المتضررة لتخفيف أو منع هذا الضرر، ومناقشة مسألة التعويض كلما كان ذلك مناسباً.
- مبدأ الاستخدام المنصف والمناسب:
- سوف تستخدم الدول الثلاث مواردها المائية المشتركة في أقاليمها بأسلوب منصف ومناسب.
- لضمان استخدامهم المنصف والمناسب، سوف تأخذ الدول الثلاث في الاعتبار كافة العناصر الاسترشادية مثل الطبيعة والاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية، والديمغرافية، والاستخدامات الحالية والمحتملة للموارد المائية؛ والبدائل.
5. مبدأ التعاون في الملء الأول وإدارة السد:
- تنفيذ توصيات لجنة الخبراء الدولية، واحترام المخرجات النهائية للتقرير الختامي للجنة الثلاثية للخبراء حول الدراسات الموصي بها في التقرير النهائي للجنة الخبراء الدولية خلال المراحل المختلفة للمشروع.
- تستخدم الدول الثلاث، بروح التعاون، المخرجات النهائية للدراسات المشتركة الموصي بها في تقرير لجنة الخبراء الدولية والمتفق عليها من جانب اللجنة الثلاثية للخبراء، بغرض:
* الاتفاق على الخطوط الإرشادية وقواعد الملء الأول لسد النهضة والتي ستشمل كافة السيناريوهات المختلفة، بالتوازي مع عملية بناء السد.
* الاتفاق على الخطوط الإرشادية وقواعد التشغيل السنوي لسد النهضة، والتي يجوز لمالك السد ضبطها من وقت لآخر.
* إخطار دولتي المصب بأية ظروف غير منظورة أو طارئة تستدعي إعادة الضبط لعملية تشغيل السد.
- لضمان استمرارية التعاون والتنسيق حول تشغيل سد النهضة مع خزانات دولتي المصب، سوف تنشئ الدول الثلاث، من خلال الوزارات المعنية بالمياه، آلية تنسيقية مناسبة فيما بينهم.
- الإطار الزمني لتنفيذ العملية المشار إليها أعلاه سوف يستغرق خمسة عشر شهراً منذ بداية إعداد الدراستين الموصى بهما من جانب لجنة الخبراء الدولية.
6. مبدأ بناء الثقة، حيث سيتم إعطاء دول المصب الأولوية في شراء الطاقة المولدة من سد النهضة.
7. مبدأ تبادل المعلومات والبيانات، بحيث توفر كل من مصر وإثيوبيا والسودان البيانات والمعلومات اللازمة لإجراء الدراسات المشتركة للجنة الخبراء.
8. مبدأ أمان السد، حيث تقدر الدول الثلاث الجهود التي بذلتها إثيوبيا حتى الآن لتنفيذ توصيات لجنة الخبراء الدولية المتعلقة بأمان السد. وستستكمل إثيوبيا، بحسن نية، التنفيذ الكامل للتوصيات الخاصة بأمان السد الواردة في تقرير لجنة الخبراء الدولية.
9. مبدأ السيادة ووحدة إقليم الدولة، بأن تتعاون الدول الثلاث على أساس السيادة المتساوية، وحدة إقليم الدولة، المنفعة المشتركة وحسن النوايا، بهدف تحقيق الاستخدام الأمثل والحماية المناسبة للنهر.
10. مبدأ التسوية السلمية للمنازعات، بحيث تقوم الدول الثلاث بتسوية منازعاتهم الناشئة عن تفسير أو تطبيق هذا الاتفاق بالتوافق من خلال المشاورات أو التفاوض وفقاً لمبدأ حسن النوايا. وإذا لم تنجح الأطراف في حل الخلاف من خلال المشاورات أو المفاوضات، فيمكن لهم مجتمعين طلب التوفيق، الوساطة أو إحالة الأمر لعناية رؤساء الدول/رئيس الحكومة.
رأي قانوني عن المخالفات الإثيوبية والخيارات المصرية
وفي هذا الإطار، قال الدكتور أيمن سلامة، الأستاذ في القانون الدولي العام إن اتفاقية إعلان المبادئ لسد النهضة التي دخلت حيز النفاذ في مارس 2015 بعد توقيعها في الخرطوم ليست أول اتفاقية من هذا النوع في مجال تنظيم الانتفاع المنصف المشترك لاستخدام الأنهار الدولية في غير أغراض الملاحة، بيد أنها الاتفاقية الحصرية التي تربط أطرافها الثلاثة: مصر والسودان وإثيوبيا برباط حاكم ناظم ومقيد لأطرافها لتنفيذ المبادئ العشرة التي نصت عليها الاتفاقية و(بنية حسنة).
وأشار في مكالمة هاتفية مع المرصد المصري إلى أن البند العاشر من الاتفاقية والذي يُعيّن أي يُحدد الآليات السلمية المختلفة لتسوية النزاعات بين أطراف الاتفاقية حول تفسير أو تنفيذ بنود الاتفاقية وهي المفاوضات والمشاورات ثم اللجوء من الأطراف الثلاثة (مجتمعين) إلى الوساطة أو التوفيق أو رؤساء الدول الثلاثة.
نوه الدكتور أيمن سلامة بأنه سبق لمصر حين تيقنت منذ أكثر من عام انسداد المفاوضات وإخفاقها في التوصل حتى لحل توافقي بين مصر من جانب والسودان وإثيوبيا (معًا) من جانب آخر حول المحددات الفنية لعمليتي ملء السد وتشغيله وإدارته فضلا عن الإصرار الإثيوبي المنفرد بملء السد وإدارته وتشغيله (انفرادا) وقبل اتفاق الدول الثلاثة في هذا الشأن. فاقترحت مصر وساطة البنك الدولي للإنشاء والتعمير لمنظمة الأمم المتحدة باعتباره الوكالة الأممية المتخصصة وبما تحوزه من سابق خبرات توسطية توفيقية في خبرات سابقة، وأبرزها الوساطة بين الدول الآسيوية المشاطئة لنهر الأنذوس.
بيد أن الرفض الإثيوبي كان بالمرصاد للمطلب المصري، وتكرر ذات الموقف الإثيوبي المتسلط مدعوما من السودان في رفض المقترح المصري الأخير بعد انسداد ثان للمفاوضات الثلاثية المباشرة في الخرطوم أثناء الجولة السابعة عشر من هذه المفاوضات الماراثونية.
قال الأستاذ في القانون الدولي، إنه بصدد الزعم غير المبرر سواء من إثيوبيا أو السودان أن الوساطة تعد تدخلا في الشئون السيادية للدول، سنحيل إثيوبيا والسودان إلى اتفاق السلام الموقع في أديس أبابا الموقعة في عام 1972 بين الحكومة السودانية والجبهة الشعبية لتحرير السودان، وهنا كانت إثيوبيا دولة وسيطة في صميم الشأن الداخلي السوداني وفلحت وساطتها في إنهاء الجولة الأولى من الحرب الأهلية في السودان التي اندلعت منذ عام 1955. والوسيط الدولي الذي يُطلق عليه الطرف الثالث باعتباره الطرف الخارجي للمتنازعين أيا كان عدد الدول المتنازعة، فذلك الوسيط الثالث قد يكون شخصية سياسية بارزة مثل رؤساء الدول أو دولة بعينها أو مجموعة دول أو منظمة وسيطة أو مجموعة وسطاء يمثلون منظمة الأمم المتحدة، وفي ذات الوقت جامعة الدول العربية أو وسيط دولي من منظمة الأمم المتحدة، ومعه أيضا وسيط من الاتحاد الأفريقي.
والوساطة شأنها شأن المفاوضات المباشرة هي وسيلة دبلوماسية غير إلزامية على الدول أطراف النزاع مقارنة بالوسيلتين القضائيتين الملزمتين لأطراف النزاع وهي التحكيم الدولي ومحكمة العدل الدولية.
وإذا كانت إثيوبيا تخشى من أنها حنثت في وعودها السياسية الشعبوية لشعبها الإثيوبي من رفض الوسيط الدولي، فالوساطة الدولية أحد أهم آليات تسوية النزاعات بين الدول وتُعد هي الوسيلة الثانية واقعا وعملا وفق الممارسات الدولية التي تلجأ إليها الدول في غالب الأحوال حين تخفق المفاوضات المباشرة بين أطراف النزاع.
وأكد الدكتور أيمن سلامة أن الانتهاكات الإثيوبية المتواترة خاصة في الإصرار على ملء السد وإدارته وتشغيله قبل اتفاق دولتي مصر والسودان ليس انتهاكا بسيطا للتعهدات الدولية بموجب الاتفاقية المشار إليها، ولكنها انتهاكا فجا وصارخا لإثيوبيا يتعارض مع مبدأ حسن النية في تنفيذ المعاهدات الدولية والمنصوص عليه في الاتفاقية المشار إليها في ديباجة الاتفاقية وأيضا في أكثر من موضوع في الاتفاقية ذاتها.
وكشف أن مصر لم تبادر من اللحظة الأولى ولا السنة الأولى ولا الجلسة الأولى للمباحثات الماراثونية سواء في مصر أو السودان أو إثيوبيا بطلب اللجوء لوسيط دولي يتوصل إلى حل توافقي بمقتضى الحد الأدنى من تنازلات الدول الثلاث ولكن المقترح المصري باللجوء للوساطة لحلحلة الموقف المتأزم كان وليد الاستنزاف الإثيوبي والسوداني أيضا للوقت والجهد في مباحثات متوالية لا جدوى ولا طائل منها وفقا للموقف الرسمي المصري.
إن طرف النزاع أي نزاع دولي يرفض آلية الوساطة الدولية لتسوية النزاع الدولي في غالب الأحيان وهو متيقن أي على يقين راسخ بأن موقفه القانوني ضعيف وأن حججه واهية وأن دفوعه لا أساس لها من القانون أو الواقع.
منوهًا بأنه إذا كانت إثيوبيا ترفض الوساطة والتي تكون في أغلب الأحيان علنية فيمكن اللجوء لما يسمى بالمساعي الحميدة والتي هي على التوازي مع الوساطة ولكنها في أغلب الأحيان أيضا تكون سرية غير علنية، وهنا فلا غضاضة على إثيوبيا ولا حجة أيضا في رفض هذه الآلية حتى لا يُفتضح الخطاب السياسي الشعبوي للحكومة الإثيوبية لشبعها الذي وعدته في السابق بأن هذا المشروع لن يتدخل فيه أي وسط دولي.
استكمل سلامة بأنه قد تصبح الولايات المتحدة أو الوكالات والمنظمات الإقليمية في القارة الأفريقية أو الدول أيضا التي ساهمت في إعداد “اتفاقية عنتيبي” في عام 2010 للتعاون الإطاري لدول حوض النيل وسطاء أو مسيرين للمفاوضات بشكل أو بآخر وحتى ندحض الحجج الإثيوبية التي تزعم وتصف الوساطة الدولية بأنها تدخل سيادي في الشأن الإثيوبي.
ولفت إلى أنه أما بالنسبة للتوفيق الذي يشابه إلى حد كبير الوساطة، فالتوفيق تتنازل فيه الدول تنازلات أكبر من هذه التنازلات التي تكون في آلية الوساطة ولهذا قد رفضت مصر آلية التوفيق لتسوية النزاع حول العلاقات الحدودية في طابا أو العلاقات الحدودية لخط الحدود الدولي مع فلسطين حين عرضت التوفيق لحل النزاع المصري الإسرائيلي في هذه المسألة، إلا أن مصر أصرت على آلية التحكيم من منطلق تيقن وثقة المفاوض المصري أن موقفه القانوني سديد ومتسق مع قواعد القانون الدولي وأحكامه.
وبخصوص آلية اللجوء إلى الرؤساء الثلاثة وهي الآلية التي تم اللجوء إليها سابقا بين الأطراف المتنازعة، فلا يظن الدكتور سلامة أن الموقف السوداني والإثيوبي سيتزحزح عما بدا في جولة المباحثات الأخيرة في الخرطوم.
وأضاف أنه جاء ضمن الرد الإثيوبي الرسمي أن مصر لم تخطر إثيوبيا مسبقا بإنشاء السد العالي، بما يجسد “الانتقام المحظور في القانون الدولي”، محال أن تبادل إثيوبيا مصر بالجريرة ذاتها، فالمركز القانوني لمصر –دولة المنبع- مختلف تماما عن الموقف الإثيوبي، ومبدأ التبادلية reciprocity لا يستغل بشكل متعسف بين الدول. فالتبادلية تستلزم التماثل في الحقائق القانونية، والحقائق المادية. محال إلحاق ضرر ذي شأن بدولة المنبع للنهر الدولي بزعم رفاه فائض أو ثراء على حساب الغير. اختتم الدكتور سلامة كلماته بأنه يجب ألا نغفل الدور الخطير والمهم للإعلام في هذا الصدد ولكنه ذلك الإعلام الموضوعي والمؤسَّس على الأساليب القانونية للتوضيح للمجتمع الدولي الموقف القانوني السديد بشأن حقوقها في نهر النيل التي أمنّتها أيضا اتفاقية إعلان المبادئ ولكن بلغات أجنبية سواء من المؤسسات والهيئات الحكومية المصرية أو حتى من الإعلام المستقل والخاص، هذه لحظة تاريخية، ومن هنا يجب على الإعلام المصري بكافة أطيافه وتوجهاته أن يلعب الدور الذي لا غنى عنه الآن وليس بعد.