مكافحة الإرهاب

تنامي نفوذ جماعة الإخوان في أوروبا.. هولندا نموذجاً

كانت ولا تزال أوروبا، البيئة الحاضنة والملاذ الآمن للسلفية الجهادية وجماعة الإخوان الإرهابية، التي نجحت في تأسيس شبكة علاقات من جنسيات مختلفة، جمعتها خطط وأهداف مشتركة، امتد نشاطها في أوروبا عبر مؤسسات ومراكز إسلامية. تلقت تمويلها من الدول الداعمة للجماعة أبرزها دولتي قطر وتركيا، والتنظيم الدولي لجماعة الإخوان. 

شهدت أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات بروز “الجيل الثاني” من المؤسسات الإخوانية وذلك في إطار توظيف التنظيم الدولي للإخوان للموجات الجديدة للهجرات العربية الإسلامية لأوروبا بالتوازي مع بدء بروز الجيل الثاني من مسلمي أوروبا في تلك الحقبة. وقد أنشئ في هذا الإطار اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا كواجهة أمامية للتنظيم الدولي للإخوان وكمظلة تضم كل الجمعيات الاخوانية والاسلامية المحسوبة على التيار الإخواني في أوروبا.

وتعد هولندا واحدة من الدول التي تحظى فيها جماعة الإخوان بموقع متميز، حيث كانت هولندا، الملاذ الآمن للجماعة في ظل التضييقات التي تعرضت لها في مصر وعدد من الدول العربية. وبمثابة متنفس جديد للجماعة لتمرير أفكارها ومخططاتها. وركزت استراتيجية جماعة الإخوان في هولندا على المدن الكبيرة، خاصة أمستردام وروتردام، وعلى الهولنديين الذين اعتنقوا الإسلام، والجيل الثالث من المسلمين الذين يتحدثون العربية بصعوبة.

مراحل تنامي نفوذ جماعة الإخوان في هولندا

على عكس الدول الأوروبية لم يكن لجماعة الإخوان وجود في هولندا خلال فترتي الخمسينيات والستينيات، عندما غادر عدد من أعضاء الجماعة مصر فرارًا من الاعتقال. ولكن استطاعت الجماعة فيما بعد خلق موطئ قدم لها في هولندا عبر المنظمات الطلابية، كاتحاد الطلاب، وقدمت لهم هولندا ملجأ، مما مكن التنظيم أن يزرع خلايا له هناك. وبناء عليه فقد مر تاريخ جماعة الإخوان في هولندا بأربعة مراحل أساسية: 

مرحلة التأسيس، شهدت هولندا تسللاً كبيرا من قبل جماعة الإخوان، واستمرت بأعداد كبيرة حتى حصلت الجماعة على موطئ قدم قوي في هولندا، وعملت على توسيع نفوذها في السياسة المحلية الوطنية. وجرى تسهيل دخولها إلى السياسة من قبل الأحزاب اليسارية الهولندية، مثل الحزب اليساري الأخضر، وحزب العمل.

مرحلة تغاضي الطرف، حيث تغاضت هولندا منذ بداية التسعينيات، عن وجود تحركات لتنظيم الإخوان الإرهابي، وكان هذا سببًا في اتساع نشاط الجماعة، وتقاعس السلطات في أمستردام عن التجاوب مع تحذيرات الاستخبارات في البلاد لما اعتبرته خطرًا على الديمقراطية. وتحذيرات من أن شباب المسلمين يتحولون نحو التطرف، وعلى الرغم من إبلاغ عائلاتهم عنهم للشرطة، لا يتم القيام بأي شيء.

مرحلة القوة والازدهار، بدأت عام 2008، عندما تلقت الجماعة تمويلاً من دولة قطر، بهدف شراء العقارات والمباني في هولندا. كما قدمت قطر أموالًا أولية لمؤسسة “يوروب ترست نيذرلاند” لتمويل بناء “المسجد الأزرق” في أمستردام. ومن أبرز قيادات الجماعة في هولندا:

إبراهيم عكاري: أحد مخضرمي الإخوان الهولنديين.

محمد عكاري: السياسي الإخواني المحلي في روتردام، وأصبح ناشطًا سياسيًا في السياسة اليسارية الهولندية

نور الدين العوالي: عضو مجلس سابق في حزب الأخضر الهولندي، وكان أيضًا المتحدث باسم نشاطات شبكات الإخوان الأوروبية.

علي أزوزي: عمل كمساعد خاص لحفيد مؤسس الإخوان، طارق رمضان بالإضافة إلى “أحمت ييلديريم” و”باس فان نوبين.

مرحلة الشعور بالتهديد، بدأت عام 2011، عندما أجرى جهاز المخابرات الهولندي “AIVD” تحقيقات، استنتج خلالها أن الإخوان لم يشكلوا تهديدًا مباشرًا على الأمن القومي في ذلك الوقت. لكنه أشار إلى أن الجماعة في هولندا ربما تشكل خطرًا على البلاد في المستقبل القريب، لا سيما في تهيئة أرضية خصبة للإرهاب والتطرف والاستقطاب داخل المجتمع. ومن النقاط التي ركز عليها التقرير أن جماعة الإخوان يتغلغلون في المجتمع المدني لكسب النفوذ والتأثير. وأضاف التقرير: “إذا بدأوا أيضاً بالانخراط في صناعة القرار السياسي من دون أن يكونوا منفتحين حول هويتهم وإذا أخفوا مصالحهم ونواياهم فهذا يمكن أن يؤدي إلى وضع غير مرغوب به”. 

وحذر مسؤولون استخباراتيون من أن مشاركة مناصري الإخوان في صنع القرار السياسي دون الإفصاح عن النوايا والمصالح من شأنها أن تؤدي إلى وضع غير مرغوب فيه أبدًا. وأن الجماعة تعمل بسرية، وتناهض من أجل الاندماج، حيث سمح لهم البرلمان بتقلد مناصب مهمة. كما أصدرت الحكومة الهولندية في سبتمبر 2019 تقييمًا للتهديدات، أكدت فيه أن تنامي تأثير المجموعات الإسلاموية والمتذرعة بأنها إسلامية على حين أنها متطرفة هو التهديد الأكثر خطورة على الإطلاق في البلاد.

المنظمات التي تعمل تحت غطاء الجماعة في هولندا

كشفت تقارير استخباراتية في عام 2007 عن تنامي النفوذ الإخواني في هولندا، واستقبالهم تمويلات قطرية ضخمة لإقامة عدد من المساجد؛ من أجل نشر دعواتهم وأفكارهم بين الشباب الهولنديين، وبمرور الوقت أصبحت للإخوان المسلمين عدة مراكز إسلامية ومساجد خاضعة لسيطرتهم المباشرة. في روتردام، يمتلك الإخوان “مركز السلام الإسلامي الثقافي”، و “مركز الوسطية” الذي يرتبط اسمه باسم يوسف القرضاوي، وفي لاهاي، يمتلك الإخوان “مركز محمد عبد المحسن الخرافي الإسلامي الثقافي”. وفي أمستردام، تمتلك الجماعة “المسجد الأزرق”.

وتعد تركيا أحد أهم مصادر تمويل عناصر جماعة الإخوان في هولندا، ومحاولات الجماعة لاستقطاب المسلمين في هولندا للصلاة في المساجد التي تسيطر عليها، وكذلك لإلقاء دروسٍ في التطرف عليهم بعد وقبل الصلوات. ويسعى البرلمان الهولندي إلى سن قانون لحظر “التمويل الخارجي” للمؤسسات الدينية، حيث يتم استغلال التمويل القادم إلى القائمين على المساجد من مراكز وجمعيات متطرفة في تحقيق أغراض خبيثة تركز على نشر التطرف بين المسلمين.

الخلاصة

يطرح تنظيم الإخوان الإرهابي نفسه في أوروبا على أنهم معتدلين ومؤيدين للحوار والتفاهم بين الأديان، لكنهم يروجون للأهداف التي رسمها حسن البنا في عشرينات القرن الماضي، وهي أسلمة المجتمعات وتأسيس نظام إسلامي يعتمد الشريعة في قوانينه بقيادة تنظيم الإخوان المسلمين. ويحاول التنظيم تعزيز نفسه في المجتمعات الإسلامية من خلال المشروعات الاقتصادية والاجتماعية، وهذا ما يفعلونه في هولندا وأوروبا عموماً.

وقد رصدت الاستخبارات الهولندية انتشار الفكر المتطرف بين الشباب الهولندي المسلم، من خلال المساجد الممولة من دولتي قطر وتركيا. كما تعمل جماعة “الإخوان” على زيادة نفوذها في هولندا تمامًا كما تفعل الجماعات السلفية الأخرى ما يهدد الأمن القومي في هولندا لا سيما أن هذا النوع من التطرف الإسلامي يقوض اندماج الشباب المسلمين في المجتمع، ويزيد من قابليتهم نحو التشدد.

وأعلنت الاستخبارات الهولندية أن أكثر من 200 هولندي، بينهم 50 امرأة، التحقوا بصفوف تنظيم “داعش” الإرهابي في سوريا، والعراق، بينما كان للمساجد التي تشرف عليها منظمات وجمعيات تابعة لتركيا وجماعة الإخوان دور كبير في تخريج هذا العدد من المتطرفين، فضلًا عن عناصر أخرى انضمت لتنظيم القاعدة، وغيره من الميليشيات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى