مظاهرات بغداد.. أحوال معيشية متردية وتدخلات إيرانية سافرة
شهدت عدة مدن عراقية -منها العاصمة بغداد- مظاهرات شعبية واسعة على مدار اليومين الماضيين، رفع المتظاهرون خلالها شعارات منددة بتردي حالة الخدمات العامة وتفشي الفساد وارتفاع نسبة البطالة في البلاد، مطالبين بـ “إسقاط النظام” وإقالة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي. وهي المظاهرات الأولى في عهد عبد المهدي، وتطورت إلى أحداث عنف وإطلاق نار مما نتج عنه سقوط قتلى وجرحى.
تظاهرات تحولت إلى عنف.. ورد حكومي كلاسيكي
تطورت الاحتجاجات الشعبية سريعًا إلى اشتباكات وأحداث عنف، مع محاولة قوات الأمن فض المظاهرات بالغاز المسيّل للدموع، وقيام بعض المحتجين بإحراق إطارات سيارات في أماكن متفرقة منها أمام مطار بغداد الدولي، وحرق مبنى محافظة ذي قار، وقام محتجون بحرق مقار حزبية في المحافظات الجنوبية العراقية.
أشارت تقارير إلى قيام قوات الأمن العراقية بإطلاق الرصاص الحي في الهواء وعلى المتظاهرين لتفريق الاحتجاجات، بعد محاولة المتظاهرين الوصول إلى المنطقة الخضراء التي تضم مقارًا حكومية ودبلوماسية، فيما اتّهم رئيس الوزراء العراقي من وصفهم بـ “المندسين”، بالوقوف وراء تصاعد الحركة الاحتجاجية والقيام بأعمال العنف ومقتل عدد من المتظاهرين وإصابة المئات، مع تقارير صحفية تشير إلى اشتراك عناصر الحشد الشعبي مع قوات الأمن العراقية في تفريق المتظاهرين وقيامها بإطلاق الرصاص ببعض الشوارع.
وهو ما أدى في النهاية إلى إصدار قرار من رئيس الوزراء بفرض حظر التجول في العاصمة بغداد بدءًا من الساعة الخامسة من صباح اليوم الخميس، وقطع خدمات الإنترنت للحد من دعوات التظاهر.
موجات متتالية وصلت للأسوأ
ليست المظاهرات التي يشهدها العراق حاليًا هي الأولى من نوعها، فحالة الغضب لدى الشعب العراقي أشبه بالنار المستعرة تحت الرماد، تشتعل حينًا وتخفت آخر، تحركها أسباب تتسم بالثبات النسبي، وهي سوء الأوضاع المعيشية والخدمات العامة وأبرزها الكهرباء والمياه، وارتفاع نسب البطالة بين الشباب، ولكن في كل مرة تخفت المظاهرات بعد وعود إصلاحية من الحكومة برئاسة نوري المالكي في احتجاجات عام 2011، وبرئاسة حيدر العبادي في احتجاجات الفترة من 2015 وحتى 2018.
ومن أبرز موجات التظاهر ما حدث في شهر يوليو من العام 2018، والتي كانت مشابهة كثيرًا للموجة الجارية؛ إذ اتسعت رقعة الاحتجاجات بسبب سوء الأوضاع المعيشية وامتدت لمحافظات عدة، ونتجت عنها أحداث عنف أيضًا، ولكن دون وقوع قتلى، مما يكسب الموجة الاحتجاجية الراهنة زخمًا وأهمية بصورة أكبر.
كما أن الاحتجاجات الحالية تتسم بالشعبية المحضة، دون دعوة من تيار سياسي أو ديني، على عكس بعض الاحتجاجات السابقة التي كانت تندلع بدعوات من تيارات سياسية أو دينية، وأبرزها دعوات مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري الذي لم يكن هو الداعي إلى التظاهر في هذه المرة.
دعوات لإقالة عبد المهدي
تأتي هذه المظاهرات التي تطالب بإسقاط النظام وإقالة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، في وقت يواجه فيه عبد المهدي صعوبات جمّة على الصعيد السياسي، وسط دعوات متزايدة من تيارات وكتل سياسية ونيابية لإقالته، واصمة إياه بالفشل في إدارة الدولة، وعدم إحداث تغيير في الوضع العام مع استمرار المشكلات الاقتصادية، وتردي الخدمات العامة، ومعاناة المناطق العراقية بأسرها، وقد ظهرت بالفعل تسريبات لأسماء قد تأتي خلفًا لعبد المهدي إذا ما اتفقت الكتل النيابية على إقالته.
سطوة إيران وراء إقالة الساعدي
كان قرار رئيس الوزراء العراقي بإقالة الفريق عبد الوهاب الساعدي قائد قوات مكافحة الإرهاب وإصراره على ذلك رغم اعتراض الكثيرين، بمثابة الشرارة التي ساهمت في إشعال هذه الموجة الاحتجاجية، لما يتمتع به الساعدي من شعبية كبيرة في الأوساط السياسية والشعبية على حد سواء؛ لنجاحاته في إلحاق الهزيمة في تنظيم داعش، وخاصة في مدينة الموصل، وهو ما دفع أهالي الموصل لعمل تمثال له.
ومع تردد أنباء عن تدخل إيراني لإزاحته، أشارت تقارير إلى أن قياديين لفصيلين في الحشد الشعبي مارسا ضغوطًا لتنحية الساعدي، والإتيان بشخصية مقربة من إيران، وبالتالي لن تعود قوات مكافحة الإرهاب عقبة على تلك الفصائل الموالية لإيران، ونتيجة لذلك كانت الهتافات ضد إيران حاضرة في الاحتجاجات، وخاصة هتاف (إيران بره بره بغداد تبقى حرة)، تنديدًا بتدخل إيران عبر ميليشياتها في شؤون البلاد وسيادتها، مطالبين بوضع حد لتدخلات النظام الإيراني، كما رفع المتظاهرون صور الفريق عبد الوهاب الساعدي.