الصحافة الدولية

تقرير يكشف زيادة الإنفاق السنوي المخصص للاستخبارات التركية

تقرير جهاز المخابرات التركية MIT يكشف تورط نظام أردوغان في عمليات التجسس المستمر الذي ينتهجه نظام أردوغان الإسلامي الجديد ضد معارضيه داخل الدولة وخارجها، وهذا ما تناوله مركز “نوريدك مونيتور” السويدي للأبحاث.

أوضح التقرير وجود زيادة في الأصول قدرها 30% خلال عام واحد فقط، وفقًا لتقرير المراجعة الحكومي لعام 2018، وهو ما يعد دليلاً واضحاً بحد وصف المركز لدعم النظام الإسلامي القومي الجديد للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مستغلاً في ذلك أنه لا يتم الكشف عن تفاصيل إنفاق جهاز المخابرات التركية بشكل أو بآخر، ولا يمكن التفتيش أو التحقيق في شأن هذه المصروفات، حيث ارتفعت أصول الجهاز من 2.9 مليار ليرة تركية في عام 2017 إلى 3.81 مليار ليرة تركية عام 2018، وفقًا لتقرير التدقيق لعام 2018 الصادر عن محكمة الحسابات، كما شهدت الأصول ارتفاع في العاميين الماضيين حيث شهدت قفزة بلغت 248% في عام 2017 مقارنة بعام 2016.

مخصصات مالية متزايدة وسط حصانة أردوغان:

انتهج أردوغان استراتيجية نحو زيادة إبراز قوة جهاز الاستخبارات مادياً وقانونيًا، لجعله أقل مساءلة على مدار السنوات الماضية، خاصة بعد كشف أسرار أردوغان التي وصفها التقرير بـ “القذرة العارية”  خلال عمليتين الفساد المتعاقبتين عام 2013،  وهو ما أعقبه زيادة متتالية ومتوازية في كمية الأموال التي تلقتها الوكالة، كما هو موضح بالرسم البياني السابق.

 وفي الميزانية المركزية لعام 2017، بلغت مخصصات جهاز الاستخبارات التركي ملياري ليرة تركية، في حين ارتفع هذا الرقم إلى 2.34 مليار ليرة تركية في عام 2018أي زيادة بنحو 17%. ويوضح جدول مصروفات الميزانية والبدلات المقدمة من الجهاز أن المبلغ الإجمالي للبدلات التي تلقتها هيئة الاستخبارات كان 2.9 مليار ليرة تركية، بما في ذلك الرقم من ميزانية 2018 بالإضافة إلى البدلات المنقولة من العام الذي يسبقه.

التمويل من الصندوق الرئاسي، حيث قام أردوغان بتقديم النصيب الأكبر من الصندوق التقديري الممنوح الحق للرئيس لإنفاقه بالشكل الذي يريده دون الكشف عن تفاصيل وتوضيح مصادر الصرف، حيث توضح النشرة الشهرية للمديرية العامة للإدارة المالية العامة والتحول أن الأموال التي أنفقت من الصندوق التقديري للأشهر الثمانية الأولى من هذا العام كانت 1.5 مليار ليرة تركية، في حين كان هذا الرقم 1.3 مليار ليرة تركية في العام السابق، وفي عام 2018، وبلغ الإنفاق التعسفي من الصندوق البطيء 1.7 مليار ليرة تركية.

التمويل تحت غطاء البناء والاستثمار، فأظهر تقرير التدقيق أن القيمة الإجمالية لجميع الأصول الحقيقية “المباني وغيرها من الممتلكات غير المنقولة ” بلغت 19.56 مليار ليرة تركية في نهاية عام 2017، وفي تقرير هذا العام، ارتفع خط الاستثمارات الجارية من 821 مليون ليرة تركية إلى 2.13 مليار ليرة تركية، واعتبره التقرير مجرد عذر على الورق كغطاء للعمليات السرية غير المكشوفة تحت بند “مشاريع البناء” والمتمثلة في تحويل منشآت أنقرة سراي الرياضية إلى أكاديمية للملكية ومصادرة الأراضي في مختلف المقاطعات وهو ما يقل تكلفتها الإجمالية كثيراً عن الموضوعة مما يضع علامات استفهام حول أوجه الصرف.

وتحت بند الالتزامات في الميزانية العمومية، والذي يشمل الأموال المحولة من صندوق الضمان الاجتماعي ، والصندوق التقديري والمؤسسات الحكومية الأخرى، فقد شهد ارتفاع هائل بزيادة قدرها 56% أي من مبلغ  4.67 مليار ليرة تركية في عام 2017 إلى 7.27 مليار ليرة تركية في عام 2018.

وكالعادة فإن أعلى انفاق للوكالة يأتي تحت بند “نفقات الموظفين” ، حيث بلغ 941.7 مليون ليرة تركية في عام 2018 ، بزيادة 13.8% عن العام السابق له، وبالرغم من أن الزيادة كانت طبيعية بالنظر إلى زيادة الأجور السنوية وتعيين المجندين الجدد، إلا أن تكاليف المهمة والمصروفات من العمليات شهدت انخفاضًا من 453 مليون ليرة تركية إلى 302.4 مليون ليرة تركية في السنوات المذكورة. هذا في الوقت الذي قفزت فيه النفقات الحالية كجزء من المشاريع السرية من 4.4 مليون ليرة تركية في عام 2017 إلى 236 مليون ليرة تركية.

علاوة على ذلك، ومع قيام أردوغان بإدخال تعديلات على القوانين المتعلقة بمصادر تمويل الدفاع عام 2011، سمح هذا التعديل لوكالة إستخبارات أردوغان من الاستفادة من ميزانية صندوق دعم صناعة الدفاع التركي (SSDF)التابع لوزارة الخزانة، وهو مورد من خارج ميزانية الدفاع تديره وكالة وزارة الدفاع والصناعة(SSM) ، من خلال إزاحة البنود الملزمة في صندوق دعم الدفاع التركي والتي تحكم المناقصات  بتغيير تشريعي آخر بعد ذلك بعامين، وبذلك تم إخراج الاستخبارات من نطاق التدقيق، وحريتها من الكشف عن المعلومات الخاصة بأوجه الانفاق، كما يمكنه تنظيم العطاءات بما يتماشى مع لوائحه الخاصة، وسيقوم صندوق الدفاع فقط بتقديم الأموال أياً كان المبلغ.

سياسات أردوغان ضد الجيش دفعته للانقلاب:

واجهت سياسة أردوغان بتحرير وكالة أردوغان الاستخباراتية من القيود من خلال التعديلات التشريعية السابق ذكرها، ردود أفعال مضادة من الجيش في ذلك الوقت، الذين يرون أن هذه الأموال يجب ان تكون فقط لصالح تمويل المشروعات العسكرية المتعلقة بالدفاع، ونتج عنه محاولة الانقلاب الفاشلة التي أجراها الجيش في 15 يوليو 2016 عندما خرج المئات من الجنرالات من الجيش، وهو ما تم مقابلته بالانتقادات رغم ما تعرض له الجيش من انتهاكات أردوغان.

فقد أشار تقرير التدقيق إلى أن المبلغ الذي سحبه من الاستخبارات التركية من صندوق صناعة الدفاع ما يبلغ  623 مليون ليرة تركية في أعوام 2015 و 2016 و 2017. وفي عام 2018 وحده، تلقت الوكالة 792 مليون ليرة تركية من هذا الصندوق، أي نحو ما يقرب من 20% من الأموال المتوفرة في الصندوق لدعم إنفاقها غير المفصح عنه.

كما كشف موقع “أتلانتيكو” الإخباري الفرنسي  الأدوار الخفية المشبوهة “المتدنية” على حد وصف الموقع، والتي يقوم بها رجل الظل للرئيس التركي رجب طيب أردوغان داخليا وخارجي  أو ما يطلق عليه “سلطان الظل” في تركيا هاكان فيدان رئيس جهاز الاستخبارات التركية، نظراً لحاجة أردوغان لرجال مخلصة لفكره وتنفذ سياسته، لبقاء حكمه وضمان استمراريته، ويدير جهاز الاستخبارات الملفات الحساسة  بينها “الأكراد، سوريا، وفضح العلاقات المشبوهة مع إسرائيل في غطاء بدعم القضية الفلسطينية، وأنصار الداعية فتح الله غولن”.

ورأى الموقع أن حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا الذي تتفق مبادئه وتنظيم الإخوان الإرهابي، استفاد من دعم أنصار غولن خلال حقبة الثمانينيات والتسعينيات ثم تخلص منهم، بعد نفي زعيمهم فتح الله غولن بعدما اختلف مع جهاز الاستخبارات التركية، وكذلك لأن أردوغان قد رأى فيهم تهديدًا على استمرار نظامه في السلطة  بإيعاز من الاستخبارات. وعليه جاءت محاولة الانقلاب الفاشل عام 2016 والتي يتشكك البعض بأنها أيضًا من تدبير الاستخبارات كما يرى موقع “أتلانتيكو”، وأنها جاءت كذريعة لشن حملة اعتقالات واسعة وقمع لمعارضيه بزعم أنهم أنصار غولن، حتى لو كان ذلك بدون دليل، موضحاً قيام جهاز أردوغان الاستخباراتي السري بفعل ما يريد للحفاظ على حكم أردوغان دون دليل للدخول للسجن.

ولفت الموقع إلى اعتماد نظام أردوغان على “جهازه السري” لتضليل العامة بشأن عمليات قمع الحريات وسجن الصحفيين وإدارة الملفات الحساسة في الدولة والعمليات الخارجية لمنع الانتقادات حتى أصبح المعلمون والكتاب والنساء خاصة الأكراد ضحية لاستبداد النظام، تحت غطاء المزاعم العلمانية بما يرضي “الديمقراطيين الأوروبيين” الذين لم يفهموا تلك اللعبة بعد وظنوا لسنوات أن تركيا ضامن للعلمانية  على حد وصف الموقع.

هذا إلى جانب التورط في عمليات التجسس لصالح تدريب وتمويل عناصر داعش والقاعدة الإرهابيتين في العراق وسوريا، عقب إعلان حزب العمال الكردستاني، المناهض لحكم أردوغان في 4 أغسطس عام 2017 بالقبض على ضابطين تابعين لجهاز الاستخبارات التركي، خلال تواجدهما شمال العراق واعترفا بقيامهما بعمليات التجسس تلك. 

وفي نهاية تقرير مركز “نوريدك مونيتور” استوضح الخلاصة الديكتاتورية التي اتخذها أردوغان منهاجًا له؛  فعلى الرغم من ضرورة بعض الحصانة التي تتمتع بها الوكالة الاستخباراتية من التدقيق الحكومي بسبب الطبيعة الحساسة لعملياتها، لكن نهج أردوغان جعل منها “قلعة” غير قابلة للمس من الناحية العملية، خاصة وأن أردوغان أصبح أكثر استبدادًا، حيث عن عمد بتشويه آلية الرقابة الضعيفة بالفعل في البرلمان ، وشوه هيئة التدقيق في القضاء، وكمم الصحافة، وتركها تتحدث فيما يعود بالنفع عليه فقط. وأن مصادر التمويل التي تم سردها ربما تمثل أحد الأدلة القليلة المتاحة حول مدى قوة وكالة التجسس الوطنية التي أصبحت بلا هوادة.

كاتب

رحمة حسن

باحثة بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى